رَعْياً لأيامِ الرُّعاةِ
سعود الأسدي
[email protected]
رَعْياً لأيامِ الرُّعاةِ !
وكنتُ أرعَي في الجبالِِ
بقريتي ذاكَ القطيعَ
وكنتُ أُحْسَبُ منهمُ ،
عهدُ الطفولةِ في الصباحِ وفي المساءِِ
بذكرِهِ أترنّمُ
قد
كنتُ أخرجُ باكراًً
مُتبسِّماً
ومعي قطيعي من صِغارِ الضأنِ
للبرِّ الفسيحِ
يشدُّني سِحْرُ الثُّغاءِ فأنبري
والفجرُ لي يَتَبَسَّمُ ،
وعلى الأزاهيرِ النَّدَى
لله
ما أحلى النّدَِى
وعلى المدى غيمٌ
وغيمُ الأفقِ مثلي يحلُمُ ،
والسنديانُ يحوطني
والملُّ ،
والخرّوبُ ،
والسرّيسُ ،
والعبهرُ ،
والقندول ،
والجعساسُ ،
والزعرورُ ،
والغارُ الذي اتنسَّمُ
والطيرُ ما أحلى الطيورَ
صواحبي :
زُرْعيّةٌ ،
لاميّةٌ ،
فُسْتِيَّةٌ ،
أنْعِمْ به الحسّونُ طيرٌ مُنْعِمُ
والمَرْءُ بالطيرِ المغرِّدِ يَنْعَمُ ،
والصّخْرُ يظهرُ شاهقأ
وعلى ذُرُى تلكَ الجبالِِ
البعضُ
من
طيرِ الجوارحِ حُوَّمٌ
والبعض منها جُثَّمُ ،
وأنا جليسُ سكينةٍ
في
وحدتي
أرنو إلى ألأدغالِ
والأدغالُ ظِلٌّ من ظلالِ اللهِ
سِرٌّ مبهمُ ،
فيها الغموضُ فبعضُهُ
مثلُ الزهور تفتّحَتْ أزرارُهُ
والبعضُ منه بُرْعُمُ ،
آوي
إلى صفصافةٍ
هيفاءَ وارفةِ الظلالِ
وإنها فاءَتْ إليها في الضُّحَى
بنتُ النبيِّ وقبلُ فاءَتْ مريمُ
والبَهْمُ حولي رُتَّعٌ
وأنا على شبّابتي
أشدو لها وأُقَسِّمُ
"
جفرا * "
و "
دلعونا * "
ولي
في " الميجنا* " شَغَفٌ
وإني " بالعتابا* " و *الشُّروقي *" مُغْرَمُ
من
رام وجهًا من وجوهِ الحُسْنِ
في
وطني الشجيِّ
يَعُدْ إليَّ ويَسْتَعِدْ
زمنَ الرعاةِ معي
فإني منهمُ
وليأتِ وَلْيِنْشِدْ معي
بَيْتَيْ " مِعَنَّى* "
أو
عتابا
أو
إذا غنيتُ صوتا للرُّعاة
ولم
يكنْ يُصغي لصوتي يندمُ
وإذا همُ قد أرسلوا صوتَ الحُداءِ
ولم
يكنْ يُصغي إليهمْ يأثمُ
صوتي كما وطني الجريحِ
وقد
أتى متألِّماً
وأنا جريحٌ مثلُهُ أتألِّمُ
وأنا الذي أصْغَى لقولي الطيرُ والوحشُ الأنيسُ
وكلُّ طيرٍ صادحِ
وبمثلِ صوتي راحَ يشدو مُلْهَماً
وَهَلِ الغناء ُ يُجيدهُ إلا مُغَنٍ مُلْهَمُ
وأنا وجوقٌ من ضغارِِ الضأنِ حولي بالصلاةِ نُتَمْتِمُ
أللهُ يا أللهُ انتَ الأكرمُ
أللهُ يا أللهُ أنتِ الأعظمُ
بينا أنا مستغرقٌ في وحدتي
في
ذي الطبيعةِ
هائمٌ مثلَ الغمامِ
فإذ
بها بِنْتٌ لراعٍ جارِنا
سمراءُ لا أشْهَى
وتُرْسِلُ شعرَها ذيلاً
كذيلِ المهرةِ السمحاءِ
أو
مثلَ الغديرِ
إذا
تحرّكَ موجُهُ لايُلْجَمُ
وجبينُها نجمُ الثرّيا لا يُطال
ووجهُها
كالصبحِ بالوَشْمِ الجميلِ منمنمُ
جاءتْ تسوقُ قطيعَ مِعْزَى
بعضُهُ أبداً ينطُّ ‘
وبعضه أبداً يناطحُ ‘
والثغاءُ مع الرياحِ يُزَمْزِمُ
في
الحالِ قُمْتُ
لأشعلَ النارَ التي كانتْ
وما
فَتِئَتْ على من راءَها
بلسانِ صاحبِها عليه تَعْزِمُ
مالي أرى تلكَ الفتاةَ تصدُّ
ما
اقتربَتْ نفوراً ؟!
والنفورُ لغيرِ ما سببٍ يحزُّ ويُؤلِمُ
ونأتْ كما تنأى الغزالةُ
في
هُيام تائهٍ ،
وشعرتُ بالتهويم في رأسي
كما
النعسانِ يهوي في الكَرَى وَيُهَوِّمُ
ورجعتُ أطفي النارَ
أطفي جانباً منها
فإذ
بالجانبِ الثاني يعودُ فيضْرَمُ
لم
أنسَ كيف تَقَدَّمَتْ
في
جانب الوادي
وكان النورُ
يخطو كلّما تخطو بعيداً
والدُّجَى يخطو إليَّ وزحفُهُ يتقدّمُ
لم
يبقَ مني غيرُ ذاك الطفلِ يثغو
مثلما كانتْ صغارُ الضأنِ تثغو
والصّدَى أجراسُهُ
للريحِ في البرِّ الفسيحِ تُتَرْجِمُ
وأقول قولي صامتاً ،
والصَّمْتُ أحياناً
إذا
خَرِسَ الكلامُ
كما
العيونِ
عن
الهوى يتكلَّمُ :
رعياً لأيامِ الرُّعَاةِ
وإن
مَضَتْ مثلَ الغمامِ
فإنّها لمّا تزلْ
ناراًٍ كما النارِ التي أشعلتُها إذْ ذاكَ
في
قلبي تشبُّ وتَضْرَمُ .
جفرا ودلعونا : من أشهر الأغاني الشعبية الفلسطينية .
الميجنا والعتابا والمعنّى : من فنون الزجل الفلسطيني .