غزوة بدر الكبرى 1398 هـ
جمال فوزي
يا بدر والذكرى تثير خوطري
أستقرئ الأمجاد في تاريخها
وكأنني بمحمد قد خاضها
وأرى قريشَ بجمعها وسلاحها
المسلمون وقد سما إيمانهم
فتدكُّ أعناقَ الطغاة بساحها
قل تلك قاعدة فما من فاسق
وكتائبُ الدَّيَّان في إيمانها
جندٌ تربُّوا وَفْقَ أكرمِ مَنْهَجٍ
آيات ربّي عُمِّقَتْ في قلبهم
ما كان بين صفوفهم من خائر
ما كان من قُوّادهم من يختفي
أرواحُهم فوق الكفوف وحَسْبُهم
ومضى الزمانُ ورفرفتْ أعلامُنا
لا ظلمَ في أرض الحنيفة كلها
لا يستبدُّ خليفةٌ في أرضها
ميزانُها التقوى تَمِيْزُ صفوفَهم
واليومَ عاد القهرُ يملك أمرها
والكائدون لديننا قد أعلنوا
حرباً على إسلامنا وتحركوا
قد جَنَّدوا عملاءهم فتطاولوا
وتعملقُ الأقزامُ من فُجّارها
دعني أسجلْ للورى إجرامَهم
دعني أصوِّر حُقْبةً بسجونهم
فبشاعة السفّاح في أرجائها
(فرعونُها) المجنون بل (نيونُها)
أملتْه موسكو من صنوف إبادة
فيجنِّدُ الموتورُ أقذرَ عصبةٍ
فتذكروا (الحربيّ) في حلقاته
كانت كلابهمو أقلَّ ضراوةً
وترى خسيس النفس (حمزة) ماجناً
هذا أخي في الله بات مُمَزَّقاً
يقضي الليالي عارياً برمالها
قد علَّقوه محطَّماً بقيودهم
فيظل في أرجائها متماسكاً
لا ماءَ من جلادهم كي يرتوي
وذوى شهيدُ الحق بين تِبَابها
حتى النساءُ يَذُقْنَ من ويلاتهم
ونرى بساحات العذاب وقهرها
ينهال فوقَ رؤوسهم وجسومهم
والأمَّ تَحْجُبُ عنهمو أطفالها
كلُّ الذي اقترفتْه كان ببيتها
وجدوا (الظلال) (1) ومصحفاً ورسالةً
فأتوا بها كيما يروا تمزيقها
خاب الرجاءُ وظلَّ كلٌّ منهما
يتحديان طغاتها بصلابة
والشيخُ يدفعُ عن عصارة قلبه
صرخاً لهول البطش في ظلماتها
راموا بقتل الأبرياء إبادةً
وتتباعتْ نكباتهم وتكشَّفتْ
فهزائمٌ تِلْوَ الهزائمِ حَطَّمَتْ
فَرُّوا وألقَوا بالسلاح وسابقوا
والعاهرات بجيش (خيبرَ) جُبْنَ في
كم كنت أرجو أن يُفِيقَ عُصاتُها
نتجاوزُ الماضي البغيضَ بأسره
ونُحَكِّمُ القرآنَ في أوطاننا
لكنني سأقولها بصراحة
دستورُ ربِّك لا يزال مُعَطلاً
زعموا حدودَ كتابِنا رجعيةً
ويظلّ مجلس شعبهم متأرجحاً
وتمرُّ دوراتٌ بغير تحرُّكٍ
وكأنما نوّابُنا قد جُمِّعُوا
ليمثِّلوا التأييدَ دون تعقُّلٍ
ويوافقون على قروضٍ بالربَّا
ويكممون بذلةٍ أفواهَهم
والجامعات إذا نما إسلامها
بالدسِّ والتدجيل والتشهير في
وحدودُ ربِّكَ عندهم وفقَ الهوى
لبنانُ دُكتْ أرضهُ وتَحَطَّمتْ
وبشارع الأهرام في بلداننا
بات الحرامُ مُحَللاً ويَحُوطُه
أَيفِضُ ربُّ العرش من رحماته
لبنانُ ليست غيرَ موعظةٍ لنا
فإذا تَبَجَّحتِ العقولُ وأسرفتْ
فاللهُ يبطشُ بالمناوئ بطشةً
* * *
دعني أوضِّحُ بعض ما جاءت به
خرجتْ تنادي بالشريعة مصدراً
شرحتْ لهم أنَّ المشاكل كلها
ماذا جناه الناسُ من نُظُمٍ غدتْ
الإشتراكيون خاب نظامُهم
وخلال أعوام قِصاءٍ حُطِّمتْ
ورسا المطافُ بشَجْبِها فلعلنا
ومن البلاهة أن نظنَّ عدوَّنا
ها قد رأينا (بيجن) المجنون قد
وتقول أمريكا تقرر مخرجاً
فإذا أردنا النصر حقاً فليكن
من واقعٍ يدعو إلى عود لمن
فجنود (بدر) كان كلَّ سلاحِهم
كان اتصال المؤمنين بخالق
حين استغاث المتقون بربهم
فتزلزلتْ أقدامُ كل مكابر
ونداءُ ربِّكَ جاء من عليائها
لكنّه الرحمنُ يدحرُ جَمْعَهم
* * *
يا سيِّدَ الرسل الحبيبَ بلادَنا
يوماً نرى حزباً تألقَ صاعداً
وكأن كلَّ الأمر نفعٌ عارضٌ
ومن العجيب نرى رئيس وزارة
قد حاكمتْه محاكمٌ ثورية
صدر القرار يجعله من بين مَنْ
ودماؤنا ما زال يحمل وزرها
كان النَّواةَ لما أصاب بلادنا
عقلي يقول : نتيجةٌ حتميةٌ
أمّا المحاكمة التي بطشتْ به
أو أن تكون بلادنا قد رَحَّبتْ
ودعاةُ شرعِ الله يَحْجُبُ نَهْجَهم
قولوا لهم : إنَّ القرار بحَلّنا
المؤمنون تُعوّقون طريقهم
إنّ الأمور إذا أردتم صيحة
بيد المهيمن وحدَه وقرارُه
سنظلُّ يا خير الأنام جنودَها
أرواحُنا فوق الكفوف لعهدناوتهزُّ في نفسي هديد معاني
فأرى منارات على الأزمان
حرباً على الكفار والأوثان
دُكَّتْ وزالتْ عصبةُ البُهتان
خاضوا الوغى ركضاً إلى الرحمان
وذوي أبو جهل وكلُّ جبان
إلا محتْه كتائبُ الديَّان
أقوى من الجبروت والطغيان
للصقل وفقَ قواعد القرآن
فإذا بهم في قمّة الإيمان
الكلُّ أبرارٌ من الفرسان
هرباً وخوفَ الموت والعدوان
جناتُ عَدْنٍ في حِمى المنّان
فوق الربوع وسائر الأركان
الكلُّ في عدلٍ وفي اطمئنان
والناس والحكام يستويان
أكرمْ بها للحقِّ من ميزان
من غير ما قلبٍ ولا وجدان
في غير ما خوفٍ ولا كتمان
في كل زاوية وكلِّ مكان
وتبجّحوا في نشوة السكران
من كل طاغية ومن شيطان
دعني إجابه دون ما كتمان
بين السياط وقسوة السجان
باتت تدكُّ كرامة الإنسان
أمسى يقود جحافل الخسران
للمؤمنين تفوق كلَّ بيان
ذاعت جرائمُها بكل لسان
بين الكلاب وشاسع الجدران
من (صفوت الروبيّ) أو (بدران)
ويحرِّقُ الأجسادَ بالنيران
ويذوقُ كلَّ مرارةِ الحرمان
وتهتَّكتْ كتفاه والقدمان
وكأنه في موجة الطوفان
وبغير ما ضعفِ ولا خذلان
فيغيبُ عن وعي بلا إذعان
ويكفُّ قلبُ الحرِّ عن خفقان
صَلفاً يُشيبُ فرائضَ الولدان
أمَّاً يلوذُ بعطفِها طفلان
بالسوط والأقدام عملاقان
تبكي الهوانَ بدمعها الهَتّان
ولدٌ لها والزوجُ يختفيان
عن قصة الأخدود والطغيان
وترى ابنها والزوجَ يعترفان
رغم البشاعة شامخَ البنيان
طرحاهما للأرض جلادان
والابنُ يدفع عن أبيه العاني
بالسوط والتحريق يكتويان
فاهتزَّ عرشُ الجاه والسلطان
أسرارهم لبصائر الغفلان
جَبروتَهم في سطوة الميدان
ريحاً وذاقوا ذلة الخسران
حَلباتها تِيهاً بكل أمان
وكفى بنا في غفلةٍ وهوان
بُعْداً عن الأحقادِ والأضغان
من بعد أجيال من النسيان
في وجه كل مراكز العصيان
ومحارَباً بتعمُّدِ الخُوّان
ليعيشَ لصُّ القوت في اطمئنان
يقضي المراحل مغمضَ الأجفان
ما حدّدوا لوناً من الألوان
في زحمة من سائر البلدان
ولِيُتْقنوا التصفيقَ للسلطان
من غرب ألمانيا ومن إيران
والجوع والسرقاتُ ينتشران
كالوا لها تُهَماً بغير حنان
لؤمٍ وفي حقد وفي استهجان
في دولة الإيمان والعرفان
آماله من كثرة العصيان
عُرْيٌ وخمرٌ فاقَ كلَّ بيان
جندٌ لتحمي حَفْنةَ الشيطان
لشراذمِ الطغيان والخسران
لنُفيقَ من تيهٍ ومن خذلان
في الفسق والجبروت والبهتان
تمحو المناوئَ أو تدكُّ الجاني
* * *
للعالمين جماعة الإخوان
كيما تصحِّح أمرَها بُلداني
تجدُ الحلولَ لها من القرآن
عاراً يدكُّ سلامة البنيان
في كل زاوية وكل مكان
أخلاقُنا وتزعزتْ أركاني
لا نستجيب بجلب خزيٍ ثاني
يسعى إلى إرضائنا ويداني
ألغت عصابته طريق أمان
فإذا بها أدهى من الثعبان
من (بدر) درسٌ واضحُ الإعلان
سحقوا جموع الغدر والكفران
في دقّةِ التكوين والإيمان
أقوى من الجبروت والعدوان
نزلتْ ملائكةٌ من الرحمان
وتحطمتْ أطماع كل جبان
لمْ تقتلوهم في رحى الميدان
ورمى فلولهمو من الفرسان
* * *
باتت بلا نهجٍ ولا أوزان
وبلحظة يغدو بلا أعوان
أمّا الجهاد فليس في الحسبان
في الغابرين مُبَرأ الأركان
وأدينَ بالإعدام والخسران
باتو بلا جرم ولا استهجان
وكأننا لسنا من الإنسان
ولفكرة الجلاد والسجان
من غير ما لفٍّ ولا دوران
كانت على زورٍ وفي بهتان
بالمجرمين وقررت حرماني
لاقَوا صنوفَ الغدر والحرمان
قد بات رَمْزَ الخزي والنكران
ونقابلُ الإجرام بالأحضان
بالحقِّ في عزم وفي اطمئنان
يمحو قراراتٍ من الهَذَيان
مهما تبجّحَ ظالمٌ ورماني
واللهُ خيرُ مناصرٍ مِعْوان
الكتاب العظيم : في ظلال القرآن للشهيد سيد قطب .