عندما تعْبُرين دَمي

د. حسن الأمراني

عندما تعبرين دمي

عندما تعبرينَ دَمي

يتحوَّلُ بحري قواريرَ طيبْ

ويرى السَّهْرَوَرْدِيُّ أنَّ هياكله

أصبحتْ موئلا للغريبْ

عندما تعبرين دمي

تَستفيقُ الفراشات من نومها القرمزيِّ

وتَبْني البلابلُ أعْشاشَها فوق غُصْني الرَّطيبْ

النَّواعيرُ ظامئةٌ لعطاياكِ يا ورْدتي الحمَويّةَ

والعاشقونَ إليكِ يسوقونَ أحْلامهمْ قبْل وقْت المغيبْ

إنَّهم يعلمُون بأن كويفير يَذْبَحُ أبناءهمْ

ويُعلّقُ في كلّ منعطفٍ ألْفَ مشنقةٍ وصليبْ

ولكنَّهمْ يعلمون كذلك أنّ الصباح

وإن طافَ سِرْبُ الظَّلامِ قريبْ

يعبرون إليكِ فلا تطرديهمْ

فهم يحْملون بأعماقهمْ لوعة الغُرَباءْ

ولا تأخذيهم بما فعل السُّفهاءْ

وقولي : " اركبوا " تجديهمْ يجيئون منْ كلِّ فجّ عميقْ

رداؤهم الصّبْرُ والكبرياءْ

تَعْبُرينَ دمي

وتَعْبُرُ خيْلُكِ مزهوَّةً بأزاهيرها دارة العاشقينْ

يعبرون خفافاً إلى الموت كي يستردُّوا الحياة

يحملونَ مناجلهمْ للحقولِ مُسَيَّجَةً بالعبيرْ

والطغاةُ تحاصرهمْ بالبَنادقِ لكنَّهمْ

يفتحون الصُّدور، ولا يحرثون المياه

كمْ تُرَى من سني الضَّوْءِ يَلْزمُني

لكي أتسلَّقَ نحْو صباكِ؟

كمْ تُرَى سوْف يلزمني

لكي يعْبُرَ القلبُ نحو قلاعكِ؟

كمْ يا تُرَى سوف يلزمني

كي أضمَّ الغيومَ إلى ملكوتكِ يا واحَةَ العاشقينْ؟

كم من الدَّمْعِ يكفي لأعْبُرَ نحْو شذاكِ؟

كان فيرلين يتلو : "نشيج الكمنجات عند الخريف

يُجَرّح قلبي."

ويفْتحُ شبّاكَ عاشقةٍ توَّجَتْها البلابلُ

واحتضنتْ حُسْنَها الغوطتانْ.

         

أمطري حيثُ شئْتِ

طال دربي .. والرِّيحُ فيه عويلُ

أطريق العشَّاق دوماً يطولُ؟

تنقضي دوننا الدهور وإنّي

حَزنٌ دائمٌ وقلْبٌ عليلُ

 ( كلّما رحّبتْ بنا الرَّوْضُ قلنا:

حلبٌ قصدنا ).. فكيف السبيل؟

وبحاري عميقةٌ ، وسفيني

تاه رُبّانها ، وزادي قليل

ارحْلي حيْث شئْت غيمةَ عشْقٍ

كلما شاق خافقيك الرَّحيل

أمطري حيث شئت إن فؤادي

لك حقْلٌ، إذا تناءت حقول

واسلكي ما يؤودني من شعابٍ

فأنا حيث ملت أنتِ أميل

واحملي يا شهباءُ أحْلامَ روحي

نحن أبراجك التي لا تزول

كلُّ برج من الحجارة والطّين

وبرجاك عزَّةٌ لا تحول

ضمخيني من شعر أحمد يشدو

فيغنِّيه الصيقل المسلول

وابعثي من بهاء خولةَ ذكرا

عربيّاً مرَّت عليه الفصول

أمطري يا شآمُ لؤلؤك الرَّطْب

وأنت العذراءُ، أنت البتول

فأنا ما أزال من ألف عامٍ

حلبيّ الهوى.. وقلبي قتيل

لم تزدني السِّنون إلا مضاء

ولقد يحمد السنين الصقيلُ

اغْضَبي .، اغْضَبي أرى الغضبَ

          المرّ  شفاءٌ لما أتاه الجهول

وامسحي عنك الحزْن، تفديك منا

أنفسٌ ترفض الخنا وعقول

وإذا ما أراد ربّك أمرا

فالليالي لما يريد رسول

قلعةُ المجد ما أزال أراها

دون أسوارها تهاوى المغول

غير أني أبصرت خولة في الفج

ر على النأي تشتكي وتقول:

آه إني أسيرة الحزن والدم

ع وليلي من الهموم ثقيل

وأحباي أُحْصِروا في المنافي

والفيافي بيوتها والمقيل

تلك أمّي مرت عليها الليالي

وعليها من وقعهنَّ ذبول

هيه يا شهباء المدائنِ، قد كان

لنا فيك مرْتع ونخيل

وسواقٍ مياههنّ فراتٌ

ورواب نشيدهنّ صهيل

وبساتينُ زانها سَمَرٌ يهدي

الحيارى وأعينٌ وسُهُول

وجوارٍ كأنهنَّ شموسٌ

طيبهنّ الحياء لا الزنجبيل

أطرقتْ واللسان جلّله الصَّمْتُ

وفي الروح صرخةٌ وعويل

في فمي ماء يا رفيق حروفي

ولقد شاق خافقيَّ القفول

طال حزني وطال فيك انتظاري

واصطباري كأنَّ وعدي طلول

أمطري لؤلؤا جبال سرنديبَ

وفيضي تبْراً .. فحسبي القليل

أنا لا أبتغي سواها ملاذا

فأَطلْ في ملامتي يا عذول

وبحسبي إنْ قيلَ  :  من شهداءُ

الحبّ فيها؟ يقال هذا القتيل

04  05/05/2006

حَماة

يا جارة الوادي نداك (محَلِّقُ)

وسناك في أفق الجمال محلِّق[2]

بنت النواعير البهيّة أمطري

من نرجسٍ منْه الجنان تَفَتَّق

بنت النواعير المنيفة أبشري

ما بعد ليلك من ظلام يخْنقُ

من خبّأ التَّاريخ بين جوانحي

حتى تَغَشَّانا الصَّباح المفْلِقُ

ومن الذي أنباكِ أني عاشقٌ

وبكفِّه اليمنى تلألأ بيرق؟

قالت حماة وقد لمسْتُ جراحَها:

مَرّ الزمان وأنت عانٍ موثَق

أو لم يئن لك أن تصاحب فتية

أقْدامُهُمْ من سيرها تَشَّقَّقُ؟

مرْوانُ دلّ على الطريق فلم نزغْ

إذ كان هاديَهُ الحبيبُ الأصدقُ

بنت النَّواعير اشْربي، واستوثقي

إنِّي بذلت دمي، وعهْدي مَوْثِقُ

إنِّي أحبُّكِ ، لا أُكَتِّمُ أمرها

والحبّ أشْرفه الصريحُ المعرقُ

الشارقة في يوم الأحد 4 ربيع الآخر،

 الموافق ل: 26/02/2012

العُرْس

حماةُ موعدنا آن النَّواعيرُ

تشدو، وآن تناغِينا العصافيرُ

ويرجع الأهل بعْدَ النفي في زمر

إلى الحمى، وتساقِينا الشحاريرُ

هنالك العيش حيث الرَّوض في جذلٍ

غنّى، وترقص في الحقل الأزاهيرُ

ما أَجْملَ العُرْس! والأيّامُ مقْبِلةٌ

شوْقاً، وتضحك من بعْدِ الأسى (نورُ)

حماة عاشقك المجنون ليس له

من زورق، فشراع العمْر مكسورُ

أراك تنأين رغم القرب كاسفةً

وشاطئ الحبّ رغم الحبّ مهجورُ

من ذا سيجمعنا من بعد غربتنا؟

يا زهرة العمر، هل تحنو المقاديرُ؟

حماة لا تحزني، لا تحزني أبدا

تلك الدماء، وقد فاحت، تباشيرُ

مرْوانُ بذرته لم يلقها عبثاً

فليس تخنقها يوما أعاصيرُ

حماة إنَّ غُراب البين مُرْتحلٌ

فليهنك الصبح، إنَّ الصبح موفورُ

وليس يبقى على الأيَّام مضطهدٌ

وليس يبقى على الأحداث مأسورُ

عذابات دِيك الجنّ الحمْصي

فاتحة:

هيا ربّاه كيف حملتُ على نفسي

على أمْرٍ ويكرهُهُ ضميري

وكلّ قبيلة يوماً ستفنى

إذا سكتت على ظُلْم الأميرِ

ومن تكنِ المعيشة أعجبتهُ

فطيب العيش في عظم الأمورِ

{1}

العندليبُ جاء يشكو حُرْقَةَ الشّوْق إلى سلطانة الطُّيوبِ

فقالت الوردةُ : يا أعذب عندليبِ

إذا تكنْ حبيبي

لا تسقني من دمعك السكوبِ

فليس وقت الدمع هذا،

            واسقني من دمك الصَّبيب

هيا اسقني من دمِّكَ الأخضرْ

فالدَّمُّ لا يقْهَرْ

أريد أن يروي عروقي بلدي

فلتسْقها من دمك المعطار

وازرع تراب بلدي رجالا

وبارك الأبطالا

فالليل طال يا حبيب الروح واستطالا

إن كنت حقّا عاشقاً

فاجعل صداقي دمك المدرارْ

من أربعين سنةً يأكل عمري سيف الانتظار

من أربعين سنةً يصلبني العدوّ،

والعدوّ ليس بالمغول، يا حبي، ولا التتارْ

من أربعين سنةً يجلدني الوحشُ،

                     ويفري الجلد بالأظفارْ

لكنَّ عين بلدي احتقارْ

لبطشه، لعرشه المنهارْ

إن كنت حقّاً عاشقاً فقم إليه،

لا تشقَّ بعصاك البحر، يا معذّبي،

بل شُقّ صدر الوحْشِ، واجعل دمه الفوّارْ

مهْر العروس، لا تقابل ناره بصدرك العاري،

وجرّدْ نايك السحريّ، إيمانكَ،

سيْفَ النار والإعصارْ

{2}

حَرَّكَ صبحاً نايه، فردّد الصدى

أنشودة المستضعفينَ في المدى:

من خطّ حرفا واحداً فيما سوى الثورة فليمحُه

أما رأيتم وطني متَّسعاً جرحُه؟

{3}

أما رأيتَ خولةً نقفور قد طاف بها

                        عبر ميادين حلبْ؟

فأين  لا أين  ترى نخوة فارس العربْ؟

يا أيها الغافون، من سيضرم اللهب

في همّة أضحت قرينة العطب؟

{4}

 لما رأيت طفلة غارقةً في الدّمْ

ساقطة للفمْ

وولداً مُقَتّلاً

لأنه أبى الركوع في شمم

للحاكم الصنم

أيقنت أن الدّم لا يمحوه إلا الدّمْ

{5}

 ألوذ بالنَّوْمِ

لعلّني أنسى الذي ألقاه من قومي

يهجرني نومي

والكأس لا تسعفني في الفوز بالحلْم

فكل ما راشوه من سهمِ

يسعى إلى...لحمي

{6}

إن كنت حقّاً عاشقاً

فاجعل حراب الشوك من رعيَّتي

كي أمنع الأطفال من أظافر الوحشِ

                     الذي يصول في الميدان

إن كنت حقّا عاشقاً

فارفع عن الأرملة الخرساء ثوب الحزنِ كي يرتفع الأذانْ

{7}

يُبْعث ديكُ الجنّ من رقدته

ليبصر المدينة الحزينة

غارقة في دمها

قد هجرت ربوعها السكينة

أهذه حمص التي أعشقها؟

أهذه حمص التي كنت إذا جاء المساءُ

                               موهنا أطرقها؟

فتحتفي بي عاشقاً، وتخفض الجناح لي؟

كيف سطا الليل على أبراجها، وذبَّح الحمامَ؟

                  كيف استوطنتْ ربوعَها الغربانْ؟

وانتحر الإنسانْ؟

{8}

رُدَيْنَةُ التي لقيتها على درب دمشقَ مرّةً

               صبيّة يزيّن الصليبُ نحرها العتيقْ

رأيتها بعد سنين جثَّةً على الطريق

شاهدةً على ضراوة "الرفيق"

كانت ردينةُ تقول لي،

 وقد سألتها عن جذمها العريق:

نحن ثلاث أخواتٍ، وأبي اختار لنا الأسماءْ:

ردينةٌ، جهينةٌ، مزينةٌ،

كان أبي يحبّ ما أورثه الآباءْ

أواه يا ردينة،

ماذا جنيت كي تكوني الآن تحت قدم المسلّة السمراءْ

ذبيحةً، مسمولة العينين، تحت بصر الأبناء

مقطوعة الأثداء؟

{9}

أسير في سوق الحميدية مفرداً

       فيدعو الحكواتي خطوتي الخرساءَ

ملوّحاً بسيفه، وقارعاً طبوله الجوفاءَ:

سوف يجيء البطل الصنديد

يحرّر الأميرة الصلعاءَ

وبين لحظة وأخرى ينزل السيف

                    على درقته الثكلى النحاسية

فيرسل الجمهور تحت ضربة الصارم صيحة رمادية

سوف يجيء البطل الصنديد يا شآم

ممتطيا سرحانه المقدام

بغيته كسر الحواجز الزجاجيَّة

وبعد حين يمْسح النعاسُ

                ما قد علق العينين من أحلام

الحكواتيُّ الحزين كان في ضلوعه ضرام

والناس عن مأساته الخرساء كالعميان

أيتها الحشود، يا أغنية اليأس الخرافيَّة

خبّأتُ حُزْنَ سنوات القحْطِ في ضربة سيفْ

كي ينطوي يوما جدار الخوفْ

وها هو الجدار

بعد سنين...ها هو الجدار

كالقصر في إسبانيا ينهارْ

فليرحل الآن تمورلنك، شقيق الذلّ والبوار

ليطلع النهار.

{10}

توقف الزمنْ

عقارب الساعة لا تدور..

           من يعدّ لي الكفن؟

إذا أنا لم أنصر الوطنْ

ولم تكن لعزّه دمائيَ الثمن؟

{11}

إن كنت حقّاَ عاشقاً

صُغْ لي من العزّةِ، لا من لؤلؤٍ وهّاجِ

أو سطعة الديباجِ

أساوري وتاجي

{12}

لمن تعدّ هذه الأقداحْ؟

لغضبة الرياحْ؟

لمن تعدّ هذه البنودْ؟

للصمت؟ للحودْ؟

قينتك البيضاء لم يبتلع الرّمادْ

ما اتّشحتْ به من السّوادْ

الأدعياء الكذبة

تخرّصوا عليّ يا دمشقْ

من دون وجه حقّ

لم أقتل الجارية المعذبة

لم أحرق الجثة قطُّ،

ما سكبت دمها كي أشربهْ

لكنّني خبأتها عن أعين الحسّادِ في قلبي،

     ولم أطفئ بقلبي غَضَبَهْ

غضبُ قلبي في غدٍ أطلقهُ

كي يجرف الطغاة

وتبدأ الحياة

{13}

كان أبو خلدونَ في سوق (البزورية)

يهيئ الحلوى! وفي عينيه أغنيّة

لمن ؟ لمن تُهيِئُّ الحلوى؟

وهذه تدمر في غربتها

                 جارية مسبية

تجأر بالشكوى

حزنا على فتيتها المرمية

بسجنها المطمور في صحرائها المنسية

قال أبو خلدون، والدمعة خلف بسمة ورديّة:

هيأتها لقادمٍ بعيد

يحمل في معطفه صباحنا الجديد

ظننت يهذي.. كتمت السر والنجوى

وعندما تطاولت رصاصة الوحش على مئذنة نديّة

أبصرت من بعيد

فارسها العتيد

يمنح شعبي، صانع الملاحم الأبية

قوساً وأبجدية

أولها الحريّة.       

     الشارقة: 2012

تأوُّه العاصي

عينان خضْراوان من بردى

يتدفَّقَان لآلئا وندى

أحديقتان يرفّ طيرهما؟

أم مُزْنتان تُنقّطان مدى؟

يتعبَّدُ الفَيْروز عندهما

وسناه للرّحْمن قد سجدا

تَتَفَيَّأُ الأقْمارُ سرْوهما

والصَّيْفُ في ظلَّيْهما ابتردا

تستمطران الحُبَّ مؤتَلقا

والحبُّ في مؤقيهما اتَّقدا

واستيقظ التَّاريخُ شامخةً

راياته، والسَّيْفُ منجردا

فابن الوليد يهيِئ العُددا

وأبو عبيدة يحْشد العَددا

يا قاسيون، أشِمْتَ سحرهما؟

أسكبت ماء الشَّوْق مجتهدا؟

أومأتُ: إنَّ الجرح أرّقني

همستْ: بجُرْحكَ لسْت منفردا

جُرْحي أنا أنْكى، أتفهمني؟

فلقدْ فقدتُ الأهل والبلدا

لا وقت عنْدي كي أضيّعه

في الحبّ، إن الحبّ قد خمدا

حتَّى يؤوب محرّرا بلدي

وتضيء في جنبيه شمْسُ هدى

لم يترك الطاغُوت لي أحدا

آوي إليه، فهل ترى أحدا؟

من ذا سأندبه؟ أمن قُتِلوا؟

ومن الذي أبكي؟ أمن فقدا؟

بلدي بأعماقي أخَبِّئُه

لبنيّ والإصباح قد شهدا

الغربة الخرساء تطحنني

فأمدّ للبلد البعيد يدا

خذني ولو للقَبر يا بلدي

فشميم تربك طاب ملتحدا

خذني فللمنفى مرارته

ولو اتَّخَذْتُ الخزّ لي لبدا

تحمي العرينَ الأسْدُ من صلفٍ

فمن الذي أغرى بنا الأسدا؟

لا طفلَةٌ إلا ويتّمها

وأصاب منها  القلْبَ والكبدا

والمسجد المحزون محترقٌ

محرابه ممَّا يرى كمدا

مرّ الصليبيُّون واندحروا

لم يهدموا من أضلعي عمَدا

وحماة كيف تركت أربعَها؟

وتأوّهَ (العاصي) وقد فُصدا؟

ماءُ النَّواعير استحال دماً

حتَّى إذا مرّ العِدى جمدا

 حمويَّةَ الأثواب معذرةً

أنا ما نسيت الفارس النجدا

أنا ما نسيت حماةَ جمّلها

مروانُ يشْجي الليل إن سجدا

فدموعها أذكت مواجعه

ودموعهُ نسجتْ لها زردا

وبنانُ تعْرف أنَّ قاتلها

عبدٌ لعبدٍ كان قد حردا

مروانُ في الأكفانِ منْتفضٌ:

الله يشْهَد ، لم  أقُلْ فندا

أسْلَمْتُمُ الباغِي زكيَّ دمي

فاليوْم لا عذرٌ لمن قعدا

والغيثُ إن يُصِبِ الأجادبَ لم

تُنْبِتْ ولم تعْرف لها رغدا

يستكثرون ، وقد رجَوْتَ ، غداً

والموْتُ قَدْ قصد الذي قصدا

وغدٌ لمن يرجوه مقْتربٌ

ولأجْمَلُ الأيّام كان غدا

والشمس قد آنست بسمتها

وضّاحةً من بسمة الشُّهدا

     الشارقة: 13 ذي القعدة 1432 /    11 أكتوبر 2011

إذا ما دَنَتْ ساعتي

إذا ما دنتْ ساعتي، سأصَلِّي صلاة القنوتْ

وأرحل كي ألتقي بكِ في زمن لا يموتْ

ففي هذه الأرض تَستَنْسِر القُبَّراتُ

 ويستأسد الجحشُ والعنكبوتْ

إذا ما دنتْ ساعتي، لا تشقّي على العاشق الجَيْبَ،

لا تندبيه، فموعدنا الملكوتْ

وكل زمان مضيئ سيأتي

وكل ظلام مقيت يفوتْ

ويا هيكلَ النُّور، إن نحن يوماً ظمئنا وجعنا

فما ظمأ الحرّ إلا لينعم بعد قليلٍ

بأعذب ماءٍ، وأطيب قوتْ

علينا يجرّدُ فرْعوْنُ أسلحة الجبروتْ

لا على غاصبٍ كم تواطأ َ كي يستبيح البيوتْ.

أكان بباب دمشقَ ابن تيميَّةٍ واقفاً

                                 يتفحَّصُ نار التَّتار

ويحشد جيشا من العاشقين

ليوقد ضوء المصابيح وسْط براري الشآم

ويمنح ما قد تيسَّر مِنْ بلحٍ وندى للمساكينِ،

يشحذ همَّتهمْ ويحرِّرُهُمْ من قلاع السكوتْ

وفي ظهره تستقرّ مُدى الباطنيّةِ،

وهْي تظاهرُ عِلجاً يجيء على ظهر دبابةٍ

وتُخذِّل عنه، وتفتح باب المدينة للظلموتْ

إذا ما دنت ساعتي،

دثِّريني بما ينفع الناس يوم الحسابْ

وخلّي اليمامَ يُصلِّ عليَّ

إذا ما جفاني الأحبّة واخْتَرَمَتْني الحِرابْ

تخونُ الفراشات يا نورُ عهدي وألوانَها

إذا هي غارتْ من امرأة لا وجود لفتنتها المشتهاة

سوى في عروق القصائدِ.

في هذه الأرض مالي من ملجأٍ

غير أن أسْكب الدمع قُربَى

بليل تُزِيِّنُ أعرافَه آهةُ العاشقينْ

فأحلامُ قلْبيَ شاختْ،

وتنأى إذا ما دنوتُ أنا من مَحَاريبها،

وهْيَ تُنْكِرُني، مثلما ينكر الياسمين الخريف الحزينْ.

لكم شرَّدتْ صبواتي الرِياحْ

بكل الممالك شرْقاً وغرْباً

كما شرّدتْ قبلُ ضِلّيلَها

وهْو يرهَنُ عند السَمَوْأَلِ شاكي السِّلاحْ

تخون الفراشاتُ عهْدي وميثاقَها

فَشُدّي على هدْأةِ اللَّيْلِ ولْتَسْجُدي سجْدةَ الحبِّ

كي نرتقي عندها

إلى سدرة المنُتهى..

إبريل : 2012

مقْهى برلين

{1}

تذكّرني رياحينَ الشبابِ

وحلماً من أمانيَّ العذابِ

تذكّرني "غفارا " وهْو فَرْدٌ

مع الإصباح يطْرُق كل بابِ

تذكّرني فتىً في الركْب يشدو

بشعْرٍ لمْ يدوَّن في كتابِ

{2}

غيفارا عادْ

يتأبّط سفرا للأحفادْ

ونداء السيف يرّدد : قد رجع الشهداءْ

من بعد صلاة الفجْرِ ،

فلا قرّت أجفان الجبناءْ.

رجعت بي أطْيافُ الذِّكْرى

فإذا " مُفْدي "ينشر للخطَّابِيِّ رسائل قهْرٍ منسِيّة

ويغَنِّي عهْدَ الحُرّية

"وحسينُ القمريّ" يخبّئ في أجنحة الريحِ

                                      طواسينَ الحلاّجْ

و"ابن عِمارةَ" يتلو في الناس نشيد الغرباءْ

و"المعدّاويُّ" يعالج غربته الخرساءَ وراء أسوار دمشقَ:

" دمشقُ تخونُ "

حين على راحتها يتربّع سيفٌ مسنونُ

                   سيفٌ مجنونُ

وعلى جدران السّجن بتدْمُرَ

ينقش مروانٌ أحلام الملك المخلوعْ

"غورو" أرحم من وحش يتصيَّد كل رضيعْ

"غورو" لم يهْتكْ ستر محجّبةٍ

لا تأكل من ثدييها حين تجُوعْ

لكنَّ الشَّمسَ السَّوْداء تُحَرِّقُ كلَّ ربيعْ

مقْهَى برلينْ

أيقظت بوجداني

من بعد سنينْ

شلاَّل حنينْ

لزمانٍ كُنَّا فيه

نكتبُ بالفحْمِ قصائدَ مورقَةً

فرَّت من وجه الجلاَّدْ

كانت أشعار الثَّوْرةِ تملؤنا شمما

وتعيدُ كتابة تاريخ الأجدادْ

درويش..

سميح القاسم..

توفيق زياد..

وأنين (شظايا ورماد)

يتمدد في ساحة "هوشي منه"

فتركض وسط مرابعنَا الخضراء جيادْ

لا تشبهها في الأرض جيادْ

يرسلها الخطابيُّ نجوماً

فوق رؤوس الأشهادْ

يفتح للمستقبل أزمنةً

تتأنق فيها ناصية الأقمارْ

تتألق فيها بأغاني العشْقِ الدَّارْ

فيطأطئ ( غيفارا ) هامته للرِّيف،

يدّون في شغفٍ  " يوميات بوليفيا "

خوفاً من أن تصطاد رصاصةُ غدْرٍ همّتَهُ

                                      قبل الميعادْ

مقهى برلين

يا نبْع حنين

كم مشنقة نصّبها عبد الذات،

لحّر يرفض أن يصبح من بين شهود الزور ؟

كم أوسمة زينت الواشي، والراشي،

والماشي فوق الجثث الملقاة بدرب النور ؟

يخذلني يا نبع النور سراجُ العقل،

فهلّا أوقدت بجوف الليل سراج القلب ؟

لتُفَتِّحَ مملَكةٌ للحُبّْ

بوّابتها للصَّوْتِ الطَّالع منْ أعْماقِ الجُبّْ ؟

مارس \ أبريل 2012

يا شام لا تَهني

منْ هواكِ بي تعبُ

والهوى له سببُ

قدْ ملكتِ قلبَ فتى

كلُّ أمْرهُ عجبُ

فالضُّلوعُ تصطخِبُ

والدّموع تنسكبُ

يا شآمُ قيَّدني

ساكنوكِ لا الطنُبُ

صامتٌ ومنْطقه

دون سحرهِ الخُطبُ

لا الظَّما أضَرَّ به

ساعةً ، ولا السغَبُ

لكِنِ الهوانَ لظى

فالعروقُ تلْتَهِبُ

ما لِكلِّ منْعَطفٍ

عندهُ دمٌ سرِبُ؟

يشْتكي لخالقه

ما تأوّل العَربُ

والأذان مُعْتقلٌ

والبِناءُ مُنْشَعِبُ

هل لِمَيِّتٍ بصرٌ ؟

ليس ينْفعُ العَتَبُ

الدماءُ جاريةٌ

والسّماءُ تَنْتَحِبُ

والوِهادُ ضارعةٌ

والجبال والشُهبُ

يا شآم لا تهني

وليكن سيْفَكِ اللَّهبُ

فالقِصاصُ مقْتربٌ

ما لِمُجرمٍ هَرَبُ

والطغاةُ ليس لهُمْ

عاصمٌ وإن طلبوا

دوحَة الجهادِ جَلَتْ

ما يُخبّئُ النُجُبُ

معدنُ الشُّعُوب بدا

دونَ قدْرِهِ الذّهبُ

من يُعيرُ قافيةً

تزدهي بها الحِقَبُ؟

ثورةُ العبيد لها

كلُّ ظالمٍ حَطَبُ

"سبارتكيسُ" علّمهم

كيف مُقْعَدٌ يَثِبُ

واصطفى بلالُ لهمْ

موقفاً هوَ الأَرَبُ

ويْلُ كُلِّ طاغيةٍ

إنْ تفجَّرَ الغضبُ

لا البروج عاصمَةٌ

ظُلمَهُ ولا القُضبُ

يا شآم لا تهني

فالصَّباحُ مُقتربُ

فالحمامُ بشّرَنا

والنّبيُّ والكُتُبُ

          الشارقة ، مارس 2012

حوار مع صريع الغواني

قال مسلم بن الوليد  :

أدركتُ في الدهْر أياما بلغت بها

رضى الشباب الذي قد كان عصاني

فالآن أقْصر إذ ردّ الزمان يدي

ونافرتني الليالي بعد إذعان

وقال أيضا  :

لا أجْمَع الحلم والصهباء، قد سكنت   

 نفسي إلى الماء عن ماء العناقيد

لم ينهني فنَدٌ عنها ولا كِبَرٌ   

 لكنْ صحوتُ وغصني غير مخضود

{1}

صريعَ الغواني

وخذنَ الغزلْ

ألم تدر أنَّ الهوى مرتحلْ؟

كسرت أباريق عمْرٍ هوى

سفاهاً وأهرقت كأس العذلْ

وما بين منهملٍ لم يزلْ

يساعد في إثره منْهملْ

طلبت الشهادة بين الحسانِ

وقدّست ما زخرفته المقَلْ

ألم تدر أنّ المحاسن تفْنى

وإن ضمها قمَرٌ أو زحلْ؟

وأن الأوابد ترجو الخلود

ويُنْسأ، إن أخلصتْ، في الأجل

{2}

قفْ أيُّها الشِّعْرُ

قفْ

قفْ

فليس يجيرنا

مما نلاقي اليوم

لا بَرٌّ ولا بحْرُ

أو لم تز

ل (سحْر)  [4]

والعسكر المجْرُ

وقد استحَرَّ القتْل والأسْرُ

أين الحفاظ المرُّ؟

أين الفتكة البكرُ؟

والأنمل العشرُ؟

قفْ أيُّها الشعْرُ

بل ..قمْ، فقد أزرى الوقوف بنا

وغاض الدَّمْعُ في الأجفانِ..

هل من مسعفٍ؟

يتأجج الجمْرُ

مما يرى..

يتضور النهْرُ

جوعاً، وفي أحشائه الياقوتُ والدُّرُّ

تبكي الرصافة عهدها الماضي

ويبكي أهلَهُ الجسرُ

والبصرة الفيحاءُ تندب شاعراً

أزرى به الدهرُ

أو ما ترى يا غِرُّ أحذيَةَ الغزاةِ تدنِّس المحرابَ ..

 تمتهن المصاحفَ..

تستبيح العِرْضَ والأرض التي قد أرضعتك لبانها....

فإلى متى السُّكْرُ؟

وإلى متى تعطي الدنية صاغرا في الدين؟

هل من غضبة مُضَرِيَّةٍ تنفي الصّغارْ

إن كان فاتَكَ أن تثور لنسوةٍ

ما زارهنّ ندى النهارْ

من ألف عام ..والدماء على الجدارْ

من ألف عام.. والصغارْ

يستصرخون .. ولا بدارْ..

فكأنما خَلَتِ الديارْ..

انهض.. فكم صوتاً زبَطْريّاً دعا

والمترفون على الأسرّة بين أقداح تدارْ

العاشق الأعمى

مدّي مدادكِ يا معانْ

كالبحْر إن سكت البيانْ

شوق يسربل عاشقاً

أعمى فينعقد اللّسانْ

الثلج ملتهِبٌ، وظا

مئة أباريق الحنانْ

وترفُّ من وهْرانَ أج

نحة فيستبقُ الجَنانْ

مدّي إلينا يا معَانُ

يديك تأتلقِ المغانْ

يا دهر قد أسعدتني

بأحبّة عشقوا الجِنانْ

فمشوا على الأهداب زان

الخدّ ليلاَ  دمعتانْ

ولقد مننت فهذه

نار تنوّرُ من معانْ

نارٌ نماها خالدٌ

وأبو عبيدة واليمانْ

في المسجد الأقصى نمت

للمغْرب الأقصى يدانْ

إيهاَ جياد الشوق سيري

اليوم مرسلة العنانْ

تعنو لسطوتك الجيادُ،

وتزدهي السّمْر اللدانْ

إنا حذوناها من

الصّوّان سِبتاَ لا يدان

 فزهت على بيض الليالي

في معانٍ ليلتانْ

وابن الرّواحة أشرقتْ

من راحتيه الغوطتانْ

وتفتّحتْ جودا بلاد

الله منْ فيض السنانْ

إيها معانُ، ضللت

أزمنةً وضاق بي المكانْ

قد ألبستني الأمنيات

البيضُ أبهى طيلسان ْ

 حتى إذا انكشف الغبار 

وقعْت منكسراً مهانْ

كم شردتني الريحُ ،

منبوذا على درب الهوانْ

من بعدما قد توّجَتْني

عاشقاً حور الجِنان

ومآبُ تنكرني وكم

وقّعت فيها من أغانْ

وأعنّة الفرسان كم

كانت عوابسَ كالدّخانْ

قال المغني: فاشرقي

بدمٍ فإن الدرب دانْ

يا أيها الملك الأسير،

تُرى يفكّ اليوم عانْ؟

وطئت كرائمك الثرى

ومشين في ثوب القيانْ

ولكم وطئن المسْك

والأذيال تسْحبها الحِسانْ

 واليوم تلك يدي مقيّدة 

وقد فُلّ اليمانْ

أمعانُ، أين العزّ؟ قد

ذبلت أقاحيه الهِجانْ

أيدي سبا غدتِ الشعوب

يسوسُها نذلٌ جبانْ

والأمة الثكلى جراحٌ ،

أين من يأسو الكيانْ؟

أنا عاشقٌ أعمى، وأنت 

دليلتى  المثلى الرزانْ

ردّي عليّ مباهج

الدنيا مباركة الدنانْ

وليرتفع سيفاً على

أبراجكِ اليوم الأذانْ

أهوى الشآم تسامقتْ

من راحتيها نخلتانْ

من هاهنا مرّ الفتى

الأمويّ صينيّ الجفانْ

يبني بأندلسٍ لنبع 

النّور صرح العنفوانْ

وتألقت راياته

بيضاء وشّحها الحنانْ

من كلّ طاهرة محجّبةٍ

مخدّرة حَصانْ

فكأنما من آل غسّانٍ

بسطتْ لها الخوانْ

فرمت على أعتابه 

الدنيا بهيّ الصّولجانْ

رديّ معانُ عليّ مجْد

الأمس والخلُق الحُسانْ

لا سيفَ إلا الهاشميّ

إذا تزوّد بالقرانْ

يا هاشميُّ، بنو قريظة

لا أمانة، لا أمانْ

جرّدْ حسامَك واسْقِه

دمهم فقد وجب الطّعانْ

أعد الشّموس إلى المدار،

قد استدار بنا الزمانْ

وأتاك من فتيانِ صدْقٍ

ما يقرّ به الجنانْ

                                    وجدة في 07 يوليوز/تموز2007

إمنحيني سيْفاً

تائه في مجاهل الصحراءِ

موهن بين الريح والأنواء

وأتى صوتك البعيد ينادي:

يا أجرني بقطرة من ماء

أنت عطشى؟ فكيف منْ بحَشاهُ

وقْدُ شوق كوقدة الرمضاء؟

هو ما بين شوقه للسرايا

سابحات وعجزه في عناء

إن لسع الرصاص أعذب من بردٍ

 زلال في شرعة الشهداء

تائه.. تائه.. وأنت دليلي

ظامئ.. ظامئ..  وصوتك مائي

دثريني، فالنور حين تجلى

دثرته بالبِرّ خير النساء

كيف لي أقطع الدروب وحيدا؟

ضاقت الأرض بي . فأين سمائي؟

فلتكوني خديجتي ساعة العسر

 وكوني في شدتي أسمائي

وذَوو الصُّفَّة المساكين أهلي   

 أهل ودي وعشرتي وصفائي

والذي باع بالجبال متاعا      

وارتدى للمنون خير رداء

وعليه من الدماء وشاح       

  في سبيل الصغار والضعفاء

فامنحيني سيفا.. فكفيَ عطشى

 وليكن صوتك البهي وقائي

يتبارى العشاق في ساحة الموت

 ويسترخصون طيب الدّماء

ليت أني اعتنقت في ساعة الموت

 سلاحي وجُدْت بالحَوباء

رجوع ماشطة

                 إلى داتو ماشطة إبراهيم

ترجع من غيابها

واثقةً بالنّصرْ

ترفل في إهابها

واعدةً بالطّهْرْ

فلم يعُدْ في القصْرْ

فرعونُ يمشي تائهاً بالكُفْرْ

ولم تعدْ جنودهُ مهيبةً

ولم يعدْ يملك شيئاً سامريُّ العصْرْ

ماشطةٌ تؤوب من إيابها

طافحةً بالبِشْرْ

تقول: قدْ آذنتكمْ بالفجْرْ

فجْر المساكين الذي انتظاره

                           طال وراء الأسْرْ

تبعثُ سيرة اللواتي كنّ مثل الشمس خلْف الخِدْرْ

على جبين الدَّهْرْ

سميّة، وخولة، ومن بهنّ يستضيء البدْرْ

تبشّر الماشين في جوف الظلامِ بالثياب الخُضْرْ

تنفخ من إيمانها في القلْبِ روح الشّعْرْ

بين حروفها ترقرق البهاءُ مثل نفْث السّحْرْ

كمْ هُبَلٍ يهْوي إذا ما نطقتْ

وكمْ سُواعٍ خَرّْ

كأنها وقد مشى سرب الظباءِ

                 يوقد البخور حول ظلّها

ويسْكبُ الألحان في آنيةٍ من زهْرْ

حورية من جبل الأولمب مدّتْ يدها إلى عروس البحرْ

أستغفر الرحمنَ، أين جبل الأولمب؟

أين بابلٌ وما بها من معجزات السّحْرْ ؟

من نورها الوهّاجِ وهْيَ ترتدي عباءةً من (الليالي العشْرْ)

من يا تُرى يُمِدّني بالحِبْرْ

كي أودعَ البَحْرَ إذا أدهشني

                             قارورةً من عطْرْ؟

وهل يطيقُ البحْرْ

أن يحمِل الصّفاتِ والأَسْماءَ

                           أو بين حنَايا الدُّرّْ

                                يزرعُ سرّ السرّْ؟

ماشطةٌ شرارة الإباء تسري في عروق النّهْرْ

فينتشي ويمنح الحقول ما ينعشها

                             وما به تخضرّْ

تقول: من كان إلى الله فقيرا وحده

                                ليس يخاف الفقْرْ

ولا يقيم الخوفُ منه في خبايا الصَّدْرْ

فاتْلُ إذنْ: " والفَجْرْ"

تنْفتحِ السماءُ بالمزْنِ، وتكْشِفِ النجوم الزُّهْرْ

عن الثنايا الغُرّْ

وعندما تدفّقتْ ماشطةٌ كالنّهْرْ

حين يشُقُّ الصّخْرْ

فاض على العالمِ صوتُ الطّيرْ:

" ما دام في نسائكمْ ماشطةٌ

فلا سبيلَ للطُّغاةِ غير جوف القبْرْ"

كوالا لمبور، الخميس: فاتح ذي القعدة 1432

29 سيتمبر 2011

اعتذار إلى أبي العلاء

عذراً أبا العلاءْ

إن سالت الدماءْ

على ثيابك التي نسجْتَها في الليل بالحسرة والبكاءْ

يا سيدي، عذرا إذا لم يسمعوا الوصيّة التي تقولُ:

                                 سرْ رويدا يا جهول في الهواء

إن استطعت لا اختيالا فوق هذه الوجوه

وما الذي ترجوه

من بعد ما غطّت حوافر الطغاة

                       بالغبار القبّةَ الزرقاءْ ؟

الأمراءُ الأُجَراءْ

آذانهم صمٌّ، وألسنتهم خرساءْ

الأمراءُ الأُجراءْ

لم يفهموا رسالة السماءْ

فجلبوا بخيلهم ورَجلهم

على الضعاف الفقراءْ

كي يسْلَمَ التاجُ لهمْ

لا الشّرفُ الرفيع، لا الإباءْ

الأمراءُ الأُجراءْ

جاروا على الدهْماءْ

واستضعفوكَ يا أبا العلاءْ

فانتزعوا شاهدك المنْقوش بالحكمة:

(هذا ما جنى  يوما أبي عليّ..)

ثم دوّنوا بالحقد والبغضاءْ

وبالدم الفوّار من جماجم الأطفال والنّساءْ

على حواشي قبرك المهجورِ:

                          هذا ما جناهُ خالعو الولاءْ

هم لم يراعوا ذمّةً،

ولم يراعوا قيمة الوفاءْ

هل يعرف الوفاءْ

            من كان كلّ همّه أن يلعق الدماءْ ؟

نوفمر 2011

الأذان الغَضّ

( إلى فدْوى سليمان )

إيه فدوى، ساقَ نيرون شذى حلْمك للمنفى،

وأغفى مطمئنا ...  لا تراعي

جمرة النفْي شهابٌ

 يحملُ الكسرة والأمن لآلاف الجياع 

ورداءُ الظّلم مكشوف القناعِ

وإذا قيل طريق الفجر مسدودٌ فقولي:

اطمئني يا بلادي، لا تراعي

من جراحات الصراع

إن فُلْك الشعب منشور القلاع

والأذان الغضّ آتٍ رغم أبناء الأفاعي

يونيو 2012

قطْرة الطَّل

 (إلى طلّ الملوحي)

يا روضة العشرين من أنباك

أن السبيل كثيرة الأشواك؟

فاخترت أن تمشيه خوفا من غد

فيه تعدّ النّار للأفَّاك

يا جارة العاصي وأنت لزهرهِ

طلٌّ، وأنت الضوء للأفلاك

لحروفُك الحمراء أفتك بالعدى

من جنده وسلاحه الفتَّاك

كنت الشّرارة أشعلتْ بصمودها

شمس الضعيف المستجير الباكي

يمضي الطُّغاةُ وتنقضي أحْلامهمْ

هدراً، ويبقى ما تشيد يداك

منديلك الورديّ ثلَّ عروشهُمْ

يا مَنْ وهبت الشّعب عزّ صبك

ويراعُك الفضّيُّ هتّك سترَهُمْ

فالخزْي تاج الظالم السفَّاك

الشَّمْسُ تُشْرقُ، ليس يحجُب ضوءَها

زحف الظَّلامِ، وسطوة الأفلاك

يا جارة العاصي مضيت حميدةً

تهدى حيارى السائرين خطاك

وإذا أتيت فأنت أبهى نجمةٍ

يسري بنبض الشعب نور بهاكِ

جسْر على نهر دَرينا

(ملحمة الإسلام  في البوسنة والهرْسك)

(أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ. وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) سورة التوبة 19

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا .وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴿٣٩الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ .وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا. وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ. إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّعَزِيزٌ ﴿٤٠

سورة الحج

إشارة

 تستعير هذه اللوحات الشعرية عنوانها من رواية الكاتب البوسني، الكاثوليكي، إيفوأندريتش: (جسر على نهر درينا)، التي ظهرت غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية، عام 1945.

إن رواية (جسر على نهر درينا) تختصر تاريخ البوسنة والهرسك، منذ الفتح العثماني حتى الاستعمار النمساوي، برؤية الكاتب الخاصة.

لقد بُني الجسر الذي كان قائما على نهر درينا، عام 979ه (1571م)، بأمر الوزير العثماني محمد باشا سوكولوفيتش الذي ولد في قرية صغيرة، من قرى البوسنة، قرب فيشيجراد، القرية الواقعة عند ملتقى النهرين: درينا ورِزاف، وقد أراده الوزير رابطاً بين الإقليمين العثمانيين: البوسنة والصرب.

واليوم، يعود نهر درينا ليشهد مآسي لم يعرف لها العالم نظيرا، حيث يقوم الصرب بتذبيح المسلمينَ، رجالا ونساء وأطفالا، ويلقون بجثثهم إلى النهر.

     وحين يمتنع النهر عن التهام الجثث، فتظل طافية، يقوم الصرب ببقرها لتستقر في أعماق النهر..

إن أعماق نهر درينا تضم اليوم كثيراً من الشهداء.

إنّني أرفع هذه الأشعار إلى المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، من شعب البوسنة والهرسك، لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا.

وجدة: 4 جمادى الثانية 1413/29 نوفبر 1992

إضاءات

{1}

«أخذ بعض سكان المدينة ينشدون معاً، على طريقة أهل المدينة هذا النشيد، وقد شحبت وجوههم من فرط الانفعال:

" في سراييفوا والبوسنة

كلّ أم حزينة

من فراق ابنها

الذي بعثت به إلى الإمبراطور مجندا »

الرواية: 1/313.

{2}

كتب بديع، الشاعر العثماني، أبياتا شعرية نقشت على الجسر. وكان النص المنقوش هو التالي: «هذا محمد باشا، أعظم العظماء وأحكم الحكماء في عصره. لقد وفى بالعهد الذي قطعه على نفسه، فأقام بعنايته وجهوده هذا الجسر على نهر درينا. على هذا النهر العميق السريع الجريان لم يستطع أن يفعل سابقوه شيئا.

والله أسأل أن يجعل مبناه قويا متينا، وأن يرفل بثوب السعادة، وألا يعرف الحزن إلى قلبه سبيلا، لأنه ظل طوال حياته ينفق الذهب والفضة في أعمال البر. وما من أحد يستطيع أن يقول إن المال الذي ينفقه في هذه الوجوه يذهب سدى. إن «بديع» الذي رأى كل ذلك قد نظم هذه الأشعار حين انتهى بناء الجسر. بارك الله هذا المبنى الذي بلغ في جماله الإعجاز».

                                                            الرواية 1/83.

{3}

       «من يدري؟ لعل هذا الدين الباطل (المسيحية) الذي ينظم أهله كل شيء، فينظفون ويصلحون ويحسنون، من أجل أن ينسفوا وأن يهدموا بعد ذلك في لحظة واحدة كل شيء، لعل هذا الدين الباطل سينتشر في المستقبل على الأرض كلها، فإذا أهله يجعلون من جميع هذا العالم الذي خلقه الله ساحة مقفرة لبنائهم المجنون وتخريبهم المجرم، ومرعى لجوعهم الذي لا يشبع، وشهواتهم التي لا تفهم.. كل شيء ممكن. غير أن هناك شيئا واحداً يستحيل أن يكون، وهو أن تخلو الدنيا خلواً تاماً، إلى الأبد، من رجال عظماء حكماء، أصحاب نفوس سامية، وهمم عالية، يبنون في سبيل الله مباني باقية خالدة، لتصبح الأرض أجمل، وليعيش الإنسان حياة أفضل وأسهل. فإن اختفى مثل هؤلاء الناس كان معنى ذلك أن حب الله قد انطفأ وزال من هذا العالم، وذلك ما لا يمكن أن يكون».

علي خجا، بطل الرواية، قبيل استشهاده.

{4}

كما يقع كثيراً في تاريخ الإنسانية، أصبحت أعمال العنف والنهب وحتى القتل من الأمور التي يسكت عنها وتباح، شريطة أن ترتكب باسم مصالح عليا، وتحت ستار شعارات معينة، وأن تنزل على عدد صغير ممن يسمّون بأسماء معينة، وينتمون إلى عقيدة معينة.

الرواية: 2/149.

ورقة مُهْملة

من سيرة حيران بن الأضعف

عنْدَما كُنَّا صِغَارا

نكْتُبُ الشِّعْر جِهَارا

للعَذَارى

كانتِ الأيَّامُ حُلْماً

شَعَّ في الأفْقِ بهيجاً

لحْظَةً ...  ثُمَّ تَوَارى

لم نَكُنْ نَعْرِفُ يومَ احْتَضَنَتْنَا الجَامِعَة

فاحْتَرَقْنَا في ميادينِ الصِّرَاعِ

 أنَّ أبناءَ الأفَاعي

في الَّليالي الحالكَة

ينْفُثُونَ السُّمَّ باسْمِ الطَّبَقَاتِ الكادحة

في العروق الجائعة

عِنْدَمَا كانَ صَدِيقي

ذلك السَّاري على سَاقِ الأجَلْ

في دَيَاجِي اللّيْلِ يسْتَنْطِقُ أعْنَاقَ الْجِيَادِ النَّافرة

يومَهَا طَلَّقْتُ أشْعَارَ الْغَزَلْ

وأناشيدَ الضَّيَاعِ

واتَّخَذْتُ الحُزْنَ في الدَّرْبِ رَفِيقا

وادَّخَرْتُ الفَرَح المَوْعُودَ للشَّعْبِ..

وكَوْكَبْتُ الأمَلْ

عندَمَا كُنَّا نُغَنِّي الشِّعْرَ والثَّوْرَةَ

في سَاحَةِ ( هوشِي منْه)

والقلْبُ على الكَفِّ وَ( يومِيَّاتُ بُولِيفْيَا)  وأشْواقُ الكفاحْ

لم نكُنْ نعْرِفُ غَيْرَ" دْيَانْ بِيَانْ فُو"

                        أمَلاً يَشْفِي الجِراحْ

ويُغَنِّينَا" صُمَادِحْ"

" هُوَ شَيْءٌ مِنْهُ، مِنْ سُهْدِ التِّلالْ

فلْتَكُنْ ذِئْباً وخَلِّ الصَّابرينْ

خلّةُ الصَّبْرِ سلاحُ العاجزينْ

وبَنُو الأرْضِ ذئابٌ كلُّهُمْ

لا تَكُنْ فيها الخَرُوفَ المسْتَكِينْ"

عندما كنْتُ على حَائِطِ بَرْلِينَ أخُطُّ الأحْرُفَ الأولَى جِهَارا

ثُمَّ أدْعو: (شِي جِفَارا)

لم تكُنْ – وا أسَفَا- أنْوَالُ عنْدِي

نجْمَةً في الصُّبْحِ تَهْدِي السَّالكينْ.

عندما كانَ الفَتَى الأشْقَرُ إسْمَاعِيلُ

( ذاكَ الألَقُ القادِمُ منْ قَلْبِ سِراييفو الأبيَّة)

كلَّمَا قامَ ليتلُو سورةَ الفَتْحِ قُبَيْلَ الافتتاحْ

ضجَّتِ القاعةُ بالإعْجَابِ أو بالصَّمْتِ أو بالاِحْتِجَاجْ

عندما كُنَّا نَرَى الثَّوْرةَ منْشُوراً خُرَافِيًّا

                           يرجُّ الشَّعبَ عبْرَ البُنْدُقِيَّةْ

يومَهَا وشْوَشَنِي الشَّيْخُ الفَتَى:

إنِّي سَأُفْضِي لَكَ بالسّرِّ، فلا تجْهَرْ بهِ

 من قَبْلِ أنْ تُؤْنِسَ نَارَ الأبَدِيَّةْ

فجميلُ الصَّبْرِ مفتاحُ القَضيَّةْ

يا بُنَيّ

سوفَ يأتي- واحْفَظِ القَوْلَ- عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ

                  تُصْبِحُ اللِّحْيةُ فيهِ بُنْدُقِيَّةْ

وخِمارُ البنتِ يغْدُو قُنْبُلةْ

وظننتُ الشَّيْخَ يَهْذِي 

وبأعماقِي ضَحِكْتُ

لم أكُنْ أفْقَهُ شَيْئاً

وهْوَ يتْلو الزَّلْزَلَةْ

البَيان

( كل المشاهد تقع قرب الجسر القائم في أقصى المسرح. فعلى الجسر تعلق إعلانات الغزاة، ويعلق الضحايا، ويصلب الثوار، الخ… تقوم الإنارة بمهمة رئيسية في التعبير.)

-          علي خوجة:  سوْفَ نَقْضِي ليلةً باردةً

ليلةً أخْرى على وقْعِ الدَّمارْ

ليلةً يغْمُرُها صوتُ الرَّدى

لحْظةُ العيْشِ بها ثوْبٌ مُعَارْ

-          إسماعيلوفتش:    ليلةً أخْرى وينفَكُّ الحِصَارْ

( يتنهد) آهِ ما أقْسى الحِصَارْ

-          على خوجة: لا تُمَنِّ النَّفْسَ بالوهْمِ

-          إسماعيلوفتش: أليسَ الصُّبْحُ في الأفْقِ؟

-          على خوجة: بلى! حانَ النَّهارْ!

إنَّهُ فَصْلٌ جَدِيدٌ مُرْعِبٌ

منْ حَكَايا القصْفِ يتلوهُ انْفِجَارْ

ثُمَّ مَاذَا؟

-          إسماعيلوفتش: ( متعجبا) ثُمَّ ماذا؟!

( وكأنه يذكر صاحبه)

تمَّ توقيعُ الوثيقَةْ!

وبهَا أنَ انْبِثَاقَ الفَجْرِ ميلادٌ جديدٌ

للجماهيرِ الَّتي ما فَتِئَتْ تحْلُمُ بالشَّمْسِ طليقةْ

-          على خوجة: قد نصحتُ القومَ لكنْ لا تحبُّون النَّصيحَةْ

إنَّنَا للمَرَّةِ الألْفِ عقَدْنَا الصُّلْحَ لكنْ…

تحْتَ خَيلِ الكُفْرِ أضْحى كلُّ عَقْدٍ

مثْلَ أحْلامٍ كسيحَةْ

-          إسماعيلوفتش: لا تَدَعْ لليأسِ سُلْطَانًا عليكْ

فغداً تُشْرِقُ أنوارُ الحقيقةْ

وغداً ….

( يُسمعُ صوت انفجارٍ قويٍّ… ويظهرُ لمعانُ القصْف).

إسماعيلوفتش: قصْفٌ …دمارٌ…ضحَايا…

الكَوْنُ أصبح أبلهْ

على خوجة: ( في ثقة) تَرْكُ الجهادِ مَذَلَّةْ

          ( تعتيم، ثم إضاءة،

يظهر بعدها صبي يقرأ جهارا وثيقة معلّقة على الجسر )

الصبي يقرأ : -

نحن  " فرنسوا جوزيف الأول إمبراطور النمسا..

نعلن لأهالي البوسنة والهرسك ، ما يأتي :-

إننا لم نأت إليكم أعداء، بل أصدقاء، وإننا نعزم عزماً قويّاً على إزالة جميع الشرور التي أثقلت كاهل وطنكم خلال سنين".

"…وعلى أساس الاحتفاظ بذكرى الصِلات التي كانت قائمة منذ أزمنة بعيدة بين هذين البلدين وبين أسلافنا الأماجد الذين تعاقبوا على عرش المجر، فقد جعلنا حقوق سيادتنا تشمل البوسنة والهرسك…."

" اعلموا أن المساواة بين الجميع أمام القانون والمشاركة في وضع القوانين، وإدارة البلاد، وحماية جميع الأديان وجميع اللغات، وجميع الخصائص القديمة، على حد سواء، اعلموا أن كل هذه الخيارات العظيمة، ستتمتعون بها كاملة غير منقوصة.

حرية الأفراد، وخير الجماعة، ذلك هو النجم الهادي الذي سيقود خطوات حكومتنا في هذين البلدين "

( يتجدد القصف، وتضطرب الأمور،

... تعتيم )

الجرْح الهادر

صوت الشاعر

كبر الحُلْمُ على كفِّ اليقينْ

ثم غالتْهُ أعاصيرُ السنينْ

ها أنا أحكْي لكمْ عنْ قَرْيتي

يا أحبِّائي الصِّغَار الطَيِّبِينْ

عن طيور هَاجَرَتْ أوكَارَها

عن رجالِ القَرْيَةِ المسْتَضْعَفِينْ

هذه القرْيةُ كانتْ موْئِلا

للعَصَافِيرِ ومأوى الياسمينْ

تَقْرعُ الأجْراسُ فيها غدوةً

بابةَ الصّبْرِ على رُكْنٍ مَكِينْ

والأذانُ الغَضُّ في أرْجائِها

يَنْشُرُ البِشْرَ ويَهْدِي السالكينْ

فحَيَاةُ النَّاسِ نَبْضٌ خَافِقٌ

بيْن إنْجِيلٍ وقُرآنٍ مُبينْ

النَّدَى منْشُورَةٌ رايَاتُهُ

 والسلامُ البِكْرُ وضَّاحُ الجَبِينْ

يا قروناً خَمْسةً لألاءةً

 كرحيقِ الفجْرِ ما بيْن القرونْ

مَنْ طَوَى أعلامَكِ الخضْراءَ؟ منْ

نسجَ الأكْفَانَ للحَقِّ الرَّزينْ؟

قَدْ غَدَا نَهرُ ( دَرِينَا) ظامئاً

ولكَم كَانَ يُرَوِّي الظَّامئينْ !

والعَصَافِيرُ التي كَانتْ هُنَا

زينَةَ الرَّوْضِ وكُحْلَ النَّاظرينْ

ذَبَحُوهَا …هَدَّمُوا أعْشَاشهَا

صَادروا ألْحَانَهَا بيْنَ اللُّحُونْ ..

هَتَكُوا سِتْرَ الصَّبَايا، عَذَّبُوا

كُلَّ شَيخٍ… قطَّعُوا كُلَّ وتينْ

سَرَقُوا الأطْفَالَ مِنْ أُمَّاتِهِمْ

شَرَّدُوهُمْ.. يَا لَظُلْمِ الظَّالمينْ

قَتّلُوا كُلَّ أَبِيِّ… صَلَّبُوا

يَا سَرَايِيفُو بَنِيكِ المُهْتَدِينْ

جَمْرَةٌ مُطْفَأَة ٌشَمْسُ الضُّحَى

وفُؤادُ اللَّيْلِ بَكَّاءٌ حَزينْ

جُنَّتِ الأرْض ُمن الذَّبْحِ، فَمَنْ

يَمْلِكُ الرُّقْيَةَ من مَسِّ الجُنُونْ؟

يا دُموعَ الأرْضِ كُوني منصلا

يتَلَظَّى في صُدورِ المعْتدينْ؟

يا سراييفُو جراحِي جَمَّةٌ

ونداءُ القلْبِ مكتومُ الأنينْ

واصطباري فيك أضْحى خنجرا

كلهيبٍ يبْعثُ الدَّاء الدفينْ

يا حواريّيّ جُرْحي هادرٌ

بعْدَ صَمْتٍ، وغَضوبٌ بعْدَ لِينْ

إنَّها مسْألَةٌ واحدَةٌ:

أنْ نكون الآنَ.. أو أن لا نَكُونْ

الصَّلب

( رجل معلق ، موثق إلى الجسر )

حاصَروني

أنا لا أدْري لماذا حاصَروني

ولماذا اعْتَقَلُوني

ولماذا فوقَ هذا الجسْرِ ظُلْماً صلَبُوني

أنا لا أدْري لماذا اغْتَصَبُوا أخْتي حيالي

يا لعَاري

يا لذلِّي وانْكساري

ولماذا عذَّبُوا أمِّيَ واقتادوا أبي للاعتقالِ

أنا لا أدْري لماذا قيّدونا بالسَّلاسلْ

فأبي الفَذُّ المناضلْ

كان تحْتَ الرايَةِ الحَمْرا يقاتِلْ

يدفع النَّازيَّ في ليْلِ المحَنْ

عن ( بلِكْراد) وعن( زغْرِبَ) عن كلِّ مدينةْ

فقدتْ طعم السّكينةْ

وأبي ظَلَّ يقاتِلْ

عَنْ سراييفو التي تشْمخُ في قلْبِ الزّمنْ

نحنُ دافعنا عن الأرضِ، عن العرْضِ، وعنْ مجْدِ الوطنْ

فلماذا اليومَ صرْنا غُرَبَاءْ؟

ولماذا اليوم صِرْنا كالوبَاءْ؟

الواقِعة

-تلك غرناطةُ، أم تلك سراييفو الشهيدةْ

مثل أم حُرَّةٍ غاب بنوها

          (خَرَّ منْ خَرَّ، ومنْ فَرَّ فقَدْ فَرَّ)

وفي الأفْق نداءٌ نازفُ الجبْهةِ

يسْتَصْرخُ أبنَاء العقيدةْ

-   ليت للمسْلمِ عيناً فترى

                         ما ألاقِي من عذابٍ وضنى

قيَّدوني ..عذَّبوني.. ضربوا

                          موطِنَ العفَّة منّي بالعصا

-  آه يا أمِّ اعْذرينا

نحن أصبحنا أُسارى الذّلِّ والقهْر الشَّديدْ

اعذرينا

فلقدْ أدمتْ سجايانا القُيودْ

-  لم أجدْ عُذراً لكُمْ، بعد امتهانِ العِرْضِ والدِّينِ…

وما غبطةُ حيٍّ صار يحيا كالعبيدْ؟

لم أجدْ عذراً سوى أن تطلبوا دربَ الشّهيدْ !

الاغْتصاب

( صراخ مدمر للأعصاب، ينطلق من حناجر الصبايا اللواتي يتعرضن لتعذيب شيطاني لا يوصف)

لجسدٍ مُرْتعِشٍ

                 على سريرِ الرُّعْبْ

لصرخةٍ موءودةٍ

من طفلةٍ شرقيّةٍ شقراءْ

تجأر بالدُّعاءْ

لرافع السماءْ

لجسدٍ مُنْفَطِرٍ

                   ممَّا جناه الصِّرْبْ

وأذرعٍ مشْلولةٍ

              تهتفُ في مرارةٍ: يا ربّْ

صيَّرْتُ سيْفي قَلَمي

جعلتُ حِبْري من دماءِ القلْبْ

لعلَّ رمْحَ الصَّرخة الخرساءْ

يشقُّ قلْبَ عابِدِ المحْرابْ

بالغضبِ المغمُوس في قرارةِ الأحقابْ

ويبعثُ الدماءْ

كاسحةً من قلب هذا الشّعْبْ !

الذّكْرى

ذكر القَرْيةَ

فاشْتاقَ ..

فأغْفَى لحظَةً

ثُمَّ تَنَهَّدْ

هاهنا ربْعي الطفوليُّ

هنا حلْمي الربيعيُّ

هنا بستانُ أحلامي المنَضَّدْ

وهنا في الأفُقِ الغربيِّ شلالٌ من الضّوْءِ

                              لُجَيْنيٌّ تهجَّدْ

فوقهُ شلال عَسْجَدْ

هاهُنا نهْر تجَمَّدْ

( أيُّها النهْرُ الذي يلفظ أكوامَ الجثثْ

أيُّها النهْر الشَّهيدْ

كيف يغدو الدمُ ماءً؟..

كيف يغدو القتل، كاللعبة؟

                          سجِّلْ أيُّها النهْر الحدثْ! )

ها هنا لفحةُ شمسٍ، فوقها ظلٌّ تمدَّدْ

وهناك انتصبَ السَّرْوُ على جبهته تاريخُ شعْبٍ

هَدَّهُ القهْرُ، وضجَّ الصَّبْرُ في الصَّدْرِ..

                                      فأرغى ثُمَّ أزبَدْ

هاهنا شهقةُ بحْرٍ

هاهنا صولةُ غابةْ

هاهنا غيمةُ عشْقٍ

هاهنا ظلُّ سحابَةْ

هاهنا هاجرةٌ تنفي عن الصدر الصَّبابةْ

هاهنا أمشاجُ ذكرى :

ضِحْكةٌ،

حُلْمٌ،

كآبةْ

الرُّؤْيا

يا مُحمَّدْ

دعْ عيون القمرِ النَّاعِس تشْهدْ

دعْ شفاه النَّهَرِ الظّمآنِ تشهدْ

مولدَ الفجْرِ على ساعدِ شيْخٍ يتعبَّدْ

مثل بلقيسَ التي أبْصرت الحقَّ

        وقد لامست الصَّرْحَ الممَرّدْ

يا مُحَمَّدْ

قُمْ إلى النهْر، وصِلْ ما بين مشكاتين:ِ عِيسى ومُحَمَّدْ

إنَّ ما بين(  فشيجرادَ )  و ( إسطنبولَ ) حبلٌ مبرمٌ…

                                                 عهدٌ موطَّدْ

وغدا يعلو على نهْر دَرينا

                  جسرُ إيمانٍ منَضَّدْ

رغْم قبْرٍ يتمرَّدْ

يا مُحَمَّدْ

أُحْدُ باسْمِ اللهِ…ضعْ رجليك في عزِّ الركابْ

إنَّها قافلةُ الإيمانِ لا تخْشى الذئابْ

الخُرافة

كان مارْكُو يثِبُ الوثْبَةَ..

تَنْشَقُّ لها الأرضُ وتنهَدّْ.

اتَّقِ الغولَ!

وما الغولُ؟

خليعٌ عربيٌّ ضيّقُ الجبهة أسودْ

يطلُعُ الليلةَ من قلْبِ الجدارْ

يزرع الرُّعْبَ بأحْداقِ الصِّغارْ

مسلمٌ أنتَ؟ إذن أنت من التُّرْكِ..

أتُرْكيٌّ؟ إذن أنت غريبْ

بل عدوٌّ ظامئٌ للدّم والقَتْلِ المريبْ

الحَقيقة

أغريبٌ أنا في أرضيَ؟

هيهاتَ.. أبي روّى ثراها

كلُّ شبْرٍ فوقها يشهد أني مَنْ بناها

   ورعَاها

وسقَاها

فأنا الذي جَمّلتُ من حُلَلِ الهدى أقطارَها

ورفعتُ ألوية السلام بها وشدْت منَارها

وأبي الذي من أجلها أعطى دمهْ

ضحَّى لتبقى مُسْلِمَةْ.

بديع يتلو أشْعاره

{1}

طاول النجمَ الحجرْ

شاخت الأزهارُ..

             والبدر انتحرْ

وتمطَّت عند أعتاب القمرْ

ذئبةٌ تعزف ألحان الظفَرْ

{2}

أيُّهَا الجسْرُ الوديعْ

أيُّهَا النهْرُ العميقْ

عمْقَ إيمانِ العجائزْ

أيُّهَا النهر السَّريعْ

أيُّهَا الملهِمُ أشعَارَ بديعْ

يا رفيقي، منذ أنْ عز الرفيقْ

ما الذي يبْقى من الشّعْرِ إذا صار فماً دونَ قضيَّةْ

ما الذي يبقى إذا صار كَوَرْدِ المزهريّةْ

في بلاط المترفينْ؟

أيُّهَا الحرف الأمينْ

لتكن سيفاً بصدر الظالمينْ!

{3}

عند أصْل المنبرِ

قطّعوا رأس الإمامْ

وهْو يتلو سورةَ الكهْفِ صباح الجمعةْ

عذَّبُوا كلَّ المصلّينَ معه

وتغنَّوا بالسلامْ

يا أحبَّاء السلامْ

إنَّ كأس الغضب الغامر أضحت مترعةْ

ودنا يومُ الحسابِ الأكبرِ

{4}

أين فرعون؟

ونيرونُ؟

تماروا بالنُّذُرْ

فإذا همْ كهشيم المحتظرْ

أيها الظَّالُم مهلا..

إنَّ ربِّي أخْذُه أخذَ عزيزٍ مقْتدِرْ

وا  إسْلاماه

ولدي الحبيبْ

ماذا صنعتَ وأنت ما أدركتَ بعدْ

سنّ الفطامْ؟

ماذا أتيتَ من الذنوبْ؟

ذبحوكَ بين يديَّ، شقّوا الجيبَ، واغتصبوا دمي..

أبُنيّ ما صنع العتاة؟

كانوا أضرَّ من الذئاب الجائعاتْ !

أبُنَيَّ ما صنعت يداكْ؟

ولَدي الحبيبْ

شقُّوا الثيابْ

نقشوا بخنجر حقدهمْ

نقشوا على الصَّدْر الصليبْ

ولدي الذبيحْ!

أرأيتَ ما يأتيهِ أعداءُ المسيحْ؟

باسْمِ المسيحْ..

ذبحوكَ بين يديَّ، أعداءُ المسيحْ

أعداءُ كلِّ الأنبياءْ..

الصِّرب.. مصَّاصو الدماءْ !

ولدي.. وما صنعت يداكْ؟

والنور يطمح أن تراه وأن يراكْ!

أتت القيامةُ.. هذه أشْراطُهَا…

ساقٌ هنا.. وهناك معصمْ

عنُقٌ مضرَّجةٌ هنا..

وهناك رأسٌ قد تحطَّمْ !

والذنبُ ؟ لا ذنبٌ سوى أن قيل :

 مُسْلمِ!

بالأمس يا ولدي الحبيبْ

رغم القيودْ

رغم العواصفِ والرعودْ

رغم الرِّياح العاتياتِ السُّود..

                        رغم الزوبعةْ

رغم الحراب المشْرعةْ.

أبحرتُ كالجبَّار أهزأ بالرياحْ

وشققت قلب الصّخر ألتمس الصباحْ

ووضعتُ قرصَ الشمس في كفِّي..

  وزاحَمْتُ الجبالَ بمنْكِبي

وهتفت: سيري يا جبالُ وأَوّبي

وتدفّقي بالنور أيَّتُهَا السماءْ

فأنا سليلُ السّائرينَ على طريقِ الأنبياءْ

دربي أنا متوهِّجٌ بين الدُّروبْ..

يا.. هؤلاءْ!

لا تُسْكِتوا غضبَ الشعوبْ

لا تطْفئوا نورَ الهدايةِ في القلوبْ

هذا نشيدي شَقَّ أروقةَ الفضاءْ:

حُرِّيَّتِي هي نعْمتي

ديني أنا كينونتي

أنا نجمةُ الصبح التي تهدي الورى سُبُلَ السَّلامْ

أنا نقطةُ النُّور التي انبثقتْ

                      كمشكاةِ النبُوُّة في الظلامْ

فهوت إلى محرابها القدسيِّ أفئدةُ الأنامْ

أنا مسْلمٌ وحقيقتي

أنْ أَحملَ النُّور الذي جلاّه صوتُ الأنبياءِ إلى الوجودِ

فلتحفظوا عني نشيدي!

سأظل أندبُ يا بديعْ

ولقد يجفُّ النهْرُ..

لكن لن تجفَّ  - وإن تصبَّرْتُ - الدموعْ

أنا لست أندبُ طفليَ الغافي

                               على صدر الرصيفْ

لكنني - واحسرتاه – أندبُ الإسلامَ

                      يذوي مثل أوراق الخريفْ

وهناك في بعضِ الجهاتْ

يغفو الولاةْ

يغفو الولاة على سرير الطيِّباتْ

كلٌّ يُجالسُ عجْله الذهَبِيَّ،

يسْأله صكوكَ المغفرةْ

حينا.. ويغفو كالصنمْ

ما بينهم يوم الكريهة خالدٌ أو معتصمْ

إنَّ الولاةَ مزيَّنونْ

بالحِلْمِ، رغم تهتك الأَعْراضِ.. رغم المجزرة

يغفون، لا خوفٌ عليهمْ لا، ولا هم يحزنونْ

يا أرضَ أنْدلسٍ سلاما

ما عدتِ وحدكِ جمرةَ الذّكْرى، سلاما

هذي سراييفو تبادلكِ التحيَّةَ والختاما…

يا أرضَ أندلسٍ سلاما…

أطفال سراييفو  يتحدون الحصار...

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا. وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ

سورة الحج 39

نحنُ أطفالُ سراييفو العتيدةْ

إن حُرمنا من حنان الأمَّهاتِ

في الليالي الحالكاتِ

فلأنَّا مسْلمونْ

نحنُ أطفالُ سراييفو المجيدةْ

إن رَمَونا للسجونِ

أو سقَونا في الصِّبا كأسَ المنونِ

فلأنّا مسلمونْ

نحنُ رغم القهْر والقيْد اللَّعينْ

سوف نبقى مسلمينْ!

نحن أطفالُ سراييفو الجميلةْ

نعشقُ العصفورَ والوردةَ تزهو في الخميلةْ

نعشقُ الأرجوحةَ الخضراءَ في الحقْلِ، ونعْدُو

نَحْوَ أفْقٍ لا يُحَدُّ

نعشقُ الشَّمْسَ ولونَ البحْرِ، نلهو بالمحارْ

مثل آلافِ الصغارْ

ونحبّ النهر يشدو.. والفراشةْ

تملأ الكون حبوراً وبشاشةْ

فلماذا يا إلهي ضربَ الصربُ الحصارْ؟

ولماذا يا إلهي سرقوا منا النهارْ؟

ولماذا بالدماءِ

لطَّخوا وجه السماءِ؟

ولماذا تصبح الأحلام كابوساً؟

           ويغدو لبنُ الأمّ دماً، يا أصدقائي؟

ويصير الأملُ الأخضرُ من قبل الفطامِ

يا أحبائي حطاماً في حطامِ ؟

ولماذا يقتلُ الوردَ الرَّصاصْ!

أيُّهَا الظالمُ ما أقسى القِصاصْ!

أيُّهَا الظالمُ ما أقسى القِصاصْ!

نحنُ أطفالُ سراييفو القتيلةْ

قيَّدونا…

عذّبونا…

أحْرقوا المسجد، والروض، وأحلام الطفولةْ

صادروا الآباء منا.. والبراءةْ

والحكايات الجميلةْ

علّمونا في ربيع العمر أن نلعق جرح الكبرياءْ

علمونا أن نُغنِّي للردى الزاحف..

                             أن نعزف ألحان المنيّةْ

علّمونا أن نصلِّي..

ويدٌ تحضنُ جسم البندقيَّةْ

ما أشدّ الابتلاء!

ما أشدَّ الابتلاء!

نحن أطفالُ سراييفو الشهيدةْ

سنصلّي.. ونصلّي..

ونعيد الضوءَ، باسم الله، للشمس الطريدةْ

منْ بعيدٍ. من بعيدْ..

نحن عدْنا من بعيدْ..

من ضفاف الموت عدنا

نلعق الجرح العتيدْ

نحمل الفجر الوليدْ

يغمر الناس، جميعَ الناس، بالعدل الرشيدْ

فليمت من مات منّا

وليهاجرْ من يهاجرْ

سوف تخضرّ المنابرْ

من جديدٍ.. من جديدْ..

والمحاريب ترى الذكْر نديّاً

من جديد.. من جديد..

وستزهو الأرضُ من دفء الأذانْ

ويعمّ النورُ، يا أحبابنا، كلَّ مكانْ.

سوف نعلي راية الإسلام في الأرض وإنْ طال الحصارْ

وسنبني للحضارةْ

ها هنا ألف منارةْ

ومنارةْ..

يا سراييفو المجيدةْ

يا سراييفو الشهيدةْ

أذِنَ الله بأن تُرفع رايات الجهاد

نحن أطفالُك، حُرَّاسُ العقيدةْ

لن يطول الانتظارْ!

لن يطول الانتظارْ!

تمت في 22 / 11 / 1992

.[2]

اعترض معترض قائلا : (أطول من ماذا ؟) فسكت الفرزدق ، حتى إذا ارتفع الأذان ، وقال المؤذن(الله أكبر)،  قال الفرزدق للمعترض : أكبر من ماذا ؟!

سحْر: اسم المرأة التي آثر صريع الغواني أن تكون مدار غزله.. [4]

وسوم: العدد 733