أساسيات في نظام الحكم في الإسلام

أ.د. عبد الكريم بكار

المؤلف : أ.د. عبد الكريم بكار

إن مسألة الحكم من المسائل المهمة في حياة كل الأمم، ولا سيما في زماننا هذا حيث اتسع المجال الذي يمكن أن تتحكم فيه الحكومة، وتعكس عليه بالتالي ما لديها من صلاح وفساد وكفاءة وسوء إدارة، والحقيقة أن البشرية ظلت قرونًا طويلة حائرة في ترتيب الشأن السياسي وفي إدارة الشأن العام؛ وتجارب الإخفاق في ذلك أكثر بكثير من تجارب النجاح، وحين بزغت شمس الإسلام في ديار العرب كانت خبرة القوم في إقامةالدول و نُظم الحكم شبه معدومة، وخلال مدة وجيزة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم  وجد الصحابة  أنفسهم مسؤولين عن إدارة عدد من الأقاليم التي فتحوهافي أنحاءمختلفةمن الأرض،وقدشكل ذلك عبئًاكبيرًاعليهم بقدر ما أتاح لهم من اكتساب الخبرة في المجال السياسي والإداري. إن الوظائف السياسية هي وظائف عليا، وذات جاذبية كبيرة، فالصالحون من المسلمين يحرصون على المناصب من أجل اتخاذها أداة لحماية الدين وخدمة المسلمين من جهة 

ولمنع الفاسدين من استغلالها لمصالحهم الخاصة من جهة أخرى، أما أصحاب المطامع  فإنهم يسعون إلى السلطة لأنها تشكل طريقًا عريضًا إلى الثروة والنفوذ والجاه ... ويمكن القول: إن التاريخ الإسلامي حافل بالثورات على الحكومات وانتفاضات التمرد على النظم السياسية السائدة، فما تكاد الحكومة تتمكن من إخماد ثورة أو حركة احتجاجية حتى تنفجر ثورة جديدة في مكان ما من أرض الدولة الإسلامية، وهذا يعود إلى الكثير من الأسباب، والتي قد يكون من أهمها عدم الاهتداء إلى نموذج في إدارةالشأن العام يؤّمن استقرارالبلد دون الجور على حقوق الناس وكرامتهم،كما أن الأرض التي يبسط الحاكم المسلم سلطانه عليها كثير ًا ما كانت تتسع بسبب حركة الفتوحات الدائبة، مما جعل تراكم الخبرة السياسية والإدارية في التعامل مع الجماهير

غاية في الصعوبة بسبب تغير المعطيات على نحو مستمر. 

في السنوات الأخيرة تفجر الوضع السياسي في عدد من الدول العربية، وسقطت أنظمة حكم وقامت أنظمة جديدة، وقد ثار جدل عريض بين قطاع واسع من الشباب والكهول حول شكل الدولة التي ينبغي العمل على إقامتها، وما زال ذلك الجدل محتدمًاحتى هذه اللحظة،وقدتبين من خلال ماُ ينشرعلى مواقع التواصل الاجتماعي ضآلة ما لدى معظم الناس من معرفة بأسس الحكم ومبادئه الكبرى وأدواته وأشكاله،بل كثيرًا مايكون ذلك مختلطًاومشوهًا،وقدرأينافي بعض البلاد من نّصب نفسه خليفةللمسلمين من خلال مبايعةبضعةألوف من الناس له،كما رأينا من يعملون على إنشاء إمارة إسلامية على رقعة ضيقة من الأرض، وهذا كله إن دل على شيء فإنما يدل على حاجة الناس إلى قدر كبير من الثقافة السياسية المبصرة حتى لا يقتتلوا، وحتى لا يدمروا أوطانهم ومقدرات بلادهم. 

من خلال هذا الكتاب و هذه المقاربة يطمح الكاتب إلى تبّسيط المفاهيم السياسية المعقدة وازالة اللبس والغموض عن عدد منها بغية تخفيف التوتر الاجتماعي الذي وّلدها الجهل بطبيعة الدولة ووظائفها في العصر الحديث وبغية توليد رؤية مشتركة تجاه النظام السياسي الملائم لعصرنا.

وسوم: العدد 801