المسلمون والحج في الأزمات

حيدر الغدير

ما معنى أن يتكاثر الحجاج في هذه الأيام العصيبة التي يتعرض فيها المسلمون لأشد النكبات!؟

معناه أن المسلمين من حيث يشعرون أو لا يشعرون، يُهْرَعُون إلى مكمنِ قوتهم، ويتذكرون.. يتذكرون أن مكة المكرمة هي قلب العالم الإسلامي، ورمز وحدته وقوته وتجمعه. ويتذكرون أن اجتماعهم فيها ينبغي أن يقوي فيهم روابط الأخوّة، وأواصر المحبة والتعاون والتناصر، ليتجاوزوا كل العقبات أمامهم، ويبدؤوا عهداً جديداً من النصر والغلبة والظفر، وقيادة العالم وهدايته. ويتذكرون كذلك أنه من المدينة المنورة، مدينة رسول الله ﷺ، مَأرِزِ الإيمان، وملاذه وحماه، انطلقت دولةُ العقيدة والفكرة، دولة العدل والنور، دولة الهداية والفضيلة، دولة الشهادة على الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

انطلقت هذه الدولة من بين جاهلية عاتية، مظلمة متخلفة، وتحديات كبيرة ضخمة، وأعداء في غاية القسوة والمكر والحقد، يحيطون بها من كل جانب، كما يحيط بنا الأعداء اليوم من كل جانب، انطلقت شابةً جَلْدَةً فتيّة، شجاعةً طموحةً أبيّة، يتقد فيه العزم، ويتدفق فيها الرجاء، وتعظم فيها الهمة، وتستوطن فيها البطولة، ويقوى فيها الأمل أن تقضي على ليل الجاهلية، وتدك عروش الطواغيت المُعادين لدين الله ومنهجه، الصّادِّين عن دربه، المحاربين مَنْ آمن به. انطلقت كالنسر ينقض، كالليث يتنزّى، كالسهم يُصْمي، كالعُقاب تدوِّم، فإذا بها في أقلَّ من نصف قرن من الزمان تصل كتائبها المظفرة المنصورة، إلى الصين شرقاً، والأندلس غرباً، وإلى جنوب فرنسا شمالاً، ووسط أفريقيا جنوباً.

المسلمون اليوم يحدوهم الأمل العريض أن ينطلقوا من غبار التخلف وحواجز الفرقة، وليل الجاهلية، وقسوة التحديات، وينجوا من ذلك كله وما يشابهه، كما انطلق المسلمون الأوائل ونجوا مما كانوا يواجهون، ويأملون أن ينتصروا كما انتصر أسلافهم من قبل، ويبنوا المجتمع المسلم كما بناه أجدادهم، ويقيموا دولة الإسلام كما أقامها الجيل الأول، وهم في أملهم العريض هذا يعرفون أن سر نجاحهم هو في الإيمان، لذلك يحملهم هذا الإيمان على تصرفات شتى؛ من بينها أن يأتوا إلى الحج، وها هم يأتون، وها هم يتزايدون. ولعل في زيادتهم هذه مؤشراً لا يخطئ إلى الدرب الذي بدؤوا يسلكون، والنهج الذي أخذوا إليه يفيئون.

وسوم: العدد 982