الحج ورابطة الدين

حيدر الغدير

يصل الحجاج إلى الديار المقدسة عرايا من كل الروابط إلا رابطة الدين التي هي الأعلى. ذلك أن رابطة الدين، رابطة قناعة عقلية قلبية، يختار المرء فيها موقفه، أما بقية الروابط فهي تقوم على اهتمامات أدنى لا اختيار فيها للمرء ولا اقتناع، عرايا من كل لباس إلا من ثوب بسيط غير مخيط لا يميز فرداً عن فرد، ولا جنساً عن جنس، ذلك أن الفوارق جميعاً سقطت في الحج، وذلك أن القادمين يجمعهم أمر واحد، هو هذا الدين الذي آمنوا به ومنحوه محبتهم وولاءهم.

وإذن ففي هذا المؤتمر الجامع لك أن تقول: إن عقيدة الإسلام هي وحدها العقيدة، ونَسَبه هو وحده النسب، وصبغته هي وحدها الصبغة.

ومن المقرر أن الإسلام لا يعرف نسباً، ولا يمجّد طبقة، ولا يقدّس لوناً أو لغة أو منفعة، مما تقدسه الجاهليات، وتمجده وتجمع الناس عليه، الناس عنده أمة واحدة سواسية كأسنان المشط؛ لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح، والخلق عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله. وهكذا يتضح في الحج معنى المساواة الذي جاء به الإسلام وأيده وأكده أشد الوضوح، ومعنى الأمة الواحدة التي لا تفرقها طبقة، ولا يفرقها جنس، ولا تفرقها لغة، ولا تفرقها عصبية، ولا تفرقها سمة من سمات الأرض جميعاً.

ويمضي موكب الحجيج الطهور في الأرض الطهور، يتنقل في أرجائها ليعمّق الولاء للدين والاعتزاز بالإسلام، والفخار بالانتماء إلى أمة محمد ﷺ.. يمضي هنا وهناك، فتراه في الأراضي المباركة فتفرح به وتسعد.

تراه في عرفة متذكراً خطبة الرسول الكريم ﷺ على صعيدها الطيب، فيستشعر بذلك أملاً كريماً، ويجدد عهداً عظيماً، وهو أن يجدد شباب الأمة الإسلامية، وجهادها المبارك على الطريق الذي حدده لها انتماؤها للإسلام، رجاءَ أن تنهض هذه الأمة لهداية البشرية من جديد، وتنقذ الإنسانية من ليل شقائها الطويل وجاهليتها العاتية، وقيادتها الغربية الضالة التي قادتها صوب الشقاء.

إن من أعظم ما يعود به الحجيج إلى بلدانهم هو تقوية إيمانهم، وجعل ولائهم كله للإسلام وحده، وعزمهم على الجهاد من أجله حتى تعلو رايته وتسود، فيسعدون بذلك أنفسهم وذويهم وأمتهم والإنسانية جمعاء.

وسوم: العدد 982