قراءة – 18– فن تشكيلي

عن الخط العربي والفن التجريدي

clip_image002_fa586.jpg

  لوحة : للفنان التشكيلي السعودي ناصر الموسى

clip_image004_a96da.jpg

 ما بين يدينا الآن مثالاً فنياً فريداً متألقاً  وأصيلاً يرتكز  على رباطة الجأش فيما يقدمة الفنان ناصرالموسى من أعمال قوية البناء بثلاثيات ثابتة الاركان ( الفرشاة واللون والموضوع ) راسخة واضحة في كل عمل يولد من بين يديه ، وهي مصممة لاداء الوضوح الرسولي الفني التشكيلي، واستطيع أن أشبهها هنا بهذه اللوحة وحتى غيرها بالجسور في مدينة تعيش أوج مخاضها الحواري في تصاميم متلائمة بوضعيتها ومتانتها وأشكالها وبنيتها البنائية والانشائية مع وظائفتها من جهة ومع الرابط التطوري الحضاري والمدني من جهة أخرى ،ما بين الطرف الاول والثاني وما بين المتقدم والمتأخر وما بين الماضي والحاضر والمستقبل وهكذا

و ناصر  والدليل  بين ناظرينا وايدينا استطاع أن يتناول الحرف العربي ، مثل ما تناول سلفادور دالي الوقت والزمن انذاك وجعلها مادة ملموسة وجسده في لوحة ، وجعل له أبعاد واقعية . ولم لا والأزمة الاجتماعية والثقافية والمادية في كل أوروبا آنذاك على أشدها خاصة والعالم عامة .

وأما ما يخطر على ذهن أي متلقي من تساؤل ،عندما يحاور أعمال الفنان ناصر عامة وفي هذا العمل خاصة ، ويرى تلك البصمة الفنية التشكيلية للحرف (الله أكبر) فلا يجد لها تفسيرا سريعاً ميسراً وترتسم على محياه اشارة الإستفهام عن سؤال محير مفاده: لماذا لجأ الفنان ناصر إلى إخراج كلمة الله أكبر بهذا الرسم ( المعقد) ان جاز لنا التعبيرعنها..؟ لم لم يخرجها بقاعدتها المعهودة سواء كانت بالثلث أو النسخ أو الديواني مثلاً ..؟ وبالتالي تصبح سهلة القراءة ،لينة التناول ويترك للألوان  ومساحة اللوحة اضافة الجمالية فيبهر بها عين المتلقي فيخرجان معاً وهما متبادلان حسن الإعجاب  وربما ينتهيان معاً إلى صحبة مؤقتة لايتعديان فيهما ساعات يوم واحد لا أكثر .! ..هنا يخطر على بالنا إجابة أو إجابتان وربما أكثروكل إجابة ننطقها نيابة عن الفنان ربما تقودنا إلى تأويلات تبتعد بنا عن عالم الفن التشكيلي هذا إذا لم يغضب الفنان ..ولكن شفاعتنا هنا تعود بنا إلى ذلك العهد الذي أبدع فيه السلطان العثماني مراد الثالث  وكان خطاطاً ملماً خاتمه الفني المميزالخاص باسمه ألا وهو ( الطغرة) الذي أصبح رمزاً ابداعياً ومدرسة للخط العربي فيما بعد وإلى يومنا هذا.

تناول فناننا ناصر الحرف العربي بالكلمة الجامعة (الله أكبر) بحسها المعنوي وتاريخها الثقافي وجسدها في لوحة فنية ولم يكن ينقصه أبداً قوة اللون وقوة وديناميكية ومهارة طرح الموضوع ومسيرته الفنية العريقة توضح ذلك.

 وها هي أمامنا نراها متجسدةبأبعاد تكاد تخرج من حاضنة اللوحة إلى المتلقي من دون أي مواربة. ومما يزيدني تفاؤلاً لمن  يجول في النظر بأي جزء منها ويتعمق في تحليل عناصرها أظنه سيخرج بصداقة حميمية ذات قيمة طويلة العمر...!

عمل الفنان ناصر الموسى هذا :

يرجعنا كذلك إلى زمن ما من حركة تطور فن الخط العربي،حيث أن ( الخطاط المبدع ) استطاع أن ينفذ بمهارته ذات العمق الثقافي والفني، من دائرة رسم التشخيص الممنوع الى تطويع( حرف الهجاء) من دون أن يفقد خصوصيته في علم الخط العربي ، وشكل به رسماً لوجه أو جسم أو شكلاً ما ، مما منحه تطوراً نوعياً وابداعياً ثقافياً في تاريخ تطور الخط العربي ككل ونستطيع أن نرصد هذا الابداع في عدة مناحي :

-         المنحنى الثقافي : وهو محصلة تاريخية في استلهام تراث الامة في ذهن الخطاط والآن في  ذهن الفنان ناصرالموسى أنموذجاً .

-         المنحى الفني التشكيلي : حيث هو محصلة كذلك حديثة ( الجسرية ) وجديدة في قواعد وأصول الرسم .

     -  المنحي الجمالي : في مواجهة الواقع من الانعزال والانسداد الفني الى الانفتاح والتطور ، أي قبلته فطرة النفس بأحاسيسها الداخلية والخارجية .

فالفعل الجمالي الباهر الذي تحتاجه  لوحة فنان تشكيلي ، أي فنان ،لا زال خاضعاً  لثقافة الفنان التشكيلي ذاته ، الحسية والمعنوية معاً ، وذلك باستخدام كل الادوات والحواس الانسانية العضوية .

وإذا ماتوفرت وتعاضدت واعتملت هذه المناحي في موقف مسجل في لحظة شعورية انسانية ، فإن الإبداع سيولد في أي عمل لفنان تشكيلي ما ، فلا يزال هو من يحسم خلق الابداع وذلك بتفاعل عين المتلقي مع (الجسور )التي تعبر بالرأي غادية ورائحة ،من الماضي الى الحاضر والى المستقبل ، وهي لا تتقاطع إلاّ بعمل إبداعي . 

وسوم: العدد 757