سلاف فواخرجي عندما تغني بالسريانية… وإيران كمدافع عن حقوق الإنسان!

راشد عيسى

تقدّم قناة “العالم” الإيرانية مقابلة مع صهر وابنة حميد نوري، الذي يحاكَم في السويد بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب، لتورّطه في إعدام أكثر من خمسة آلاف سجين في إيران، بناءً على فتوى للخميني. مقابلة هي جزء من جهد تبذله إيران على مستويات عدة، في محاولة لإطلاق سراح مواطنها، أو التأثير في محاكمته. ويمكن أن نضمّ إلى تلك المحاولات إعلان إعدام الطبيب السويدي أحمد رضا جلالي المعتقل في إيران، ثم تأجيل تنفيذه، على ما يبدو، للمساومة.

ماذا ننتظر من ابنة نوري وزوجها أن يقولا للمشاهد، أن يعترفا بتفاصيل الارتكابات الدموية؟ أن يسردا الوقائع والتفاصيل والدوافع التي اضطرت الرجل لارتكاب خمس آلاف جريمة؟!

سُئلت ابنة نوري وزوجها عن الأب المعتقل فأجابا بأنه شخص عطوف، رؤوف، يحبّ عائلته، أب حقيقي. وفي هذه اللحظة حدّقتُ ملياً في وجه الابنة الناحل، أشفقت حقاً لبؤس العيش وورطته، ما ذنب المرء أن يولد هكذا ولداً لمرتكب جرائم لا تحصى ضد الإنسانية، وفوقها لا مناص له من الاستِقْتَال في الدفاع عن أبيه، فلقد نشأت في ظروف (من بينها العطف والحنان الأبوي) لن تتيح لها البتّة الشك بأنها ابنة مجرم حرب جزّار.

هنا يتذكر المرء مشاهد في الفيلم الإيراني “لا وجود للشيطان”، معظمها يدور حول عالَم أسريّ دافئ ورَضِيّ، علاقة الأب بزوجته، طفلته، علاقة الأسرة بالجدّة، مفردات العيش البسيطة والرائقة، والتي تنتهي بالرجل مساء في وظيفةٍ تتلخص بعمل شديد السهولة: كبس زر الإعدام، حتى أنه قد لا يكون مضطراً لرؤية الضحايا وسماع أصواتهم، فكل ذلك يتمّ من خلال غرفته الصغيرة في المبنى، تطلّ على المشانق من نافذة جدّ صغيرة.

قد تكون الابنة هنا هي تلك الطفلة في 

، والأب العطوف هو ذاته الذي يحاكم في السويد، وطلب له المدّعون حكم المؤبد.

في المقابلة تستنكر الابنة وزوجها أن تكون حقوق الإنسان في السويد على هذا النحو؛ لقد مرت ثلاثة أيام من دون أن يعرفوا أن الأب اعتُقل من مطار استوكهولم. لم تُتْلَ عليه لائحة الاتهامات. لم تستطع العائلة زيارته في السجن قبل مرور خمسة وعشرين شهراً. استغلّ حراس السجن غيابه في ساعة التنفس لمصادرة قصاصاته الورقية المرمية في الزنزانة، بدعوى أنها يمكن أن تتسبّب في حريق. رفضت إدارة السجن تبديل نظارته الطبية.

يذكر أن سقف الحكم على نوري في السويد هو المؤبد، فلا وجود لحكم الإعدام في ذلك البلد.

جلالي، وكثر من أمثاله الأجانب (غالباً هم مزدوجو الجنسية)، الذين تتعامل معهم إيران للمقايضة، كما لو أنهم دروع بشرية، غالباً ما يواجهون أحكام الإعدام.

أما المواطن في دولة الملالي فغالباً ما يعتقل ويعذّب ويحاكم كإيراني، من دون أن يعلم أحد في العالم عن ظروف سجنه وتعذيبه.

انتقام السوريين

نفهم أحياناً أن الغناء للجميع، تعرفون تلك الأغاني التي ترنّمها الجدات، فأياً كان صوت الجدة غالباً ما تأتينا الأغنية (هدهدة على الأرجح) محمّلة بالأيام، تأتي الأغنية معتّقة، من فرط ما أعيدت، من فرط ما هي بعيدة في الزمن. لكن 

 بقالبها السريانيّ لم تلحق أن تتعتّق، وعلى ما يبدو تحوّلت، حين عَبَرَت أوتار صوتها، إلى خلّ، وكما نعلم، فإن النبيذ إذا فَسَد لن يكون بالضرورة خلاً جيداً.

يروي صديق سوري كيف أن أستاذه في الابتدائية أصرّ عليه أن يغني منفرداً، ويا للمصيبة! كان الصوت كارثياً إلى حدّ أن المعلّم تجرّأ (في دولة البعث والمخابرات إياها) وأصدر فرماناً خطراً: “حتى “حماة الديار” (النشيد الوطني السوري) لا تغنّه. على مسؤوليتي”. لم أتذكّر في صوت سلاف سواه، في صورته الطفلة، وفي طريقته متهكماً من صوته.

إنها فرصة لنتوسّل إلى سلاف: رجاءً، لا “موطني”، ولا “حماة الديار”، رأفة بمعجبيك قبل أعدائك.

كان الشاعر اللبناني الراحل أنسي الحاج من بين معجبيها الكبار. كتب عنها مراراً، وهو كان قد اختار صحيفة ناطقة باسم الممانعة ونظام القتل محطة ينهي بها حياته.

كان بصدد مديح أدائها لدور أسمهان، ولا ينكِر بالطبع 

، لكنه كتب في مديح سلاف ما لن تحظى بمثله أبداً: “لا أعرف إذا كانت أسمهان قد أوتيتْ الضحكة الطفوليّة التي تَهشّ لك في عيني سلاف، وليتها أوتيت”. ويضيف: “مثل صوتها (صوت أسمهان) كان لا بدّ له من وجهٍ بفَرَحِ وجهِ سلاف الفائح بعطر الحياة”.

يريد فرانكنشتاين الراحل أن يضع ضحكة سلاف فواخرجي ووجهها لأسمهان، هل كانت الأميرة الدرزية، ذات الوجه العذب والعينين المبلّلتين ببريق رائع، ستسعد بمن يرفض وجهها هكذا!

في مرة أخرى، أفظع، كتب الحاج مدافعاً عن تأييد فواخرجي للنظام السوري: “تأييد الفنّانة للنظام نابعٌ من احتضانه للفنّ… وفاءٌ لاهتمام النظام، ليس بها، بل لأعلى ما في سوريا، وهو الفنّ”.

من بين ما يحفظ الناس عن أنسي الحاج قوله عن فيروز: “صوت فيروز هو انتقامي من كذبة الحياة كلّها”.

لقد جاء صوت سلاف فواخرجي، في تلك الأغنية السريانية الغامضة، التي بدت على لسانها كما لو أنها كلام سَحَرة ومشعوذين، هو انتقام السوريين، ضحايا النظام في بلدهم، من أنسي الحاج، ومختلف رموز النظام الممانع.

وسوم: العدد 982