الزمان الزاهي مرَّ...

سليمان عبد الله حمد

واليوم يا أحبة أدعوكم للركض حفاة على روعة العشب الأخضر في حدائق الصديق الحبيب كامل عبد الماجد.. وكامل عبد الماجد ما أن تلون حروف اسمه الفضاء حتى يأتي مسرعاً «الجابري» وتأتي مسرعة «درية»  رفيقة دربه وتوأم روحه، وتأتي مشرقة لوحات من الترف والمتعة  والروعة والعظمة مرسومة في «سيد الاسم» التي كتبها كامل في «درية».. اليوم يا أحبة أنتقي لكم لوحات رسمها كامل عن «السودان» عندما كان جميلاً ووسيماً وفخيماً.. عندما كان مضيئاً  وبديعاً.. عندما كان مارداً وعملاقاً وشاهقاً.. وقبل أن تدهسه خيول «الأخوان» وأياديهم التي أطفأت المصابيح مصباحاً.. مصباحاً.. وكامل يكتب.

 الزمان الزاهي مرَّ.. وعدت أيام المسرة..

وفضلت الذكرى الحبيبة.. ناره توقد مرة مرة.. حار خلاص الكون ده أصبح .. وخوفنا بكره نشوف أمرَّ واسه ما طايقين مرارتو..

كيف مع الجاي الأمرَّ.. كانت أم درمان وديعة.. وليله عامر بالحدائق.. البصادفك كلو ضاحك.. والبقابلك كلو رائق.. والحبايب اللينا فيها.. بالجمال لفتو الخلائق.. إلا ما قطعوا العلائق.. كانت الخرطوم جميلة..

وليله يلصف بالكهارب.. المتاجر الضخمة تفتح.. لما فجر اليوم يقارب.. الشجر ظالي الشوارع.. النوافير النجايل والملاعب المحطة الوسطى كانت.. ملتقى الناس والحبايب..

ناس تناقش وناس بتضحك.. وناس تقالد وناس تطايب.. جاطت الدنيا الجميلة..

وأصبحت ساحة مآرب.. ناس بدون مجهود تحصل فوق.. وتصفا له المشارب.. وناس تقول ما في البطولا.. وفجأة نجمها يمشي غارب.. وناس تكابد وناس تجابد.. وبرضو ما سادة المطالب.. الخليل الكان يزورنا.. صد مننا مالو هارب.. والحسان الكانو غزلان.. كيف تحولو لي عقارب.

البلد كانت رخية لا كلاش لا بندقية القروش تكفي وتفضل حتى لو كانت شوية مافي زول ساكي المعايش والأكل ما كان قضية كانت الناس بالعواطف والمشاعر جد غنية لا بتجيك من زول أذية لا بتواجهك يوم أسية ظلل الابداع زمانا وطالت اشجارو الطرية كانت المزيقة طاعمة  صادحة منسابة وشجية كانت الجامعة في زمنا واحة زاهية وشاعرية الثقافة قطوفه دانية والشعر كان بالسجية كل يوم أشعار جديدة كل يوم نكتب قصيدة ...

تلويح ..... سفر الاطباء ..

رمادي: الربكة التي حدثت للأطباء بسبب القرارات المتضاربة بين وزارة الصحة من جهة ووزارة الداخلية من جهة أخرى والخاصة بمنع سفرهم..

تسببت لعدد منهم في خسائر وتأخير غير مبرر.. إلا أن القرارات قد أسيء فهمها.. كما أوضحت وزارة الصحة والتي تنصلت عن المنع الكلي للسفر وقالت إن المقصودين هم من تلقوا تدريباً من الدولة وعددهم لا يتجاوز أربعمائة طبيب..

بينما طبقت وزارة الداخلية القرار ومنعت سفرهم تماماً إلا بإثبات خلو طرف من الوزارة..

القرار أثار جدلاً كثيفاً وسط الأطباء حتى تم إلغاؤه مؤخراً من وزارة الداخلية وأكدت أنها ستتعامل مع الأطباء بشكل فردي وأن المتعاقدين سيتعاملون مع جهاز المغتربين..

إذن لم يكن هناك داعٍ لكل هذه الإجراءات والقرارات غير الواضحة التي استثنت فئة واحدة من العاملين في الدولة لتمنعهم من السفر بينما يسافر العشرات يومياً للعمل بالخارج.. الأرقام التي يخرجها جهاز المغتربين لعدد الكفاءات السودانية التي تهاجر للعمل بالخارج مخيفة.. هناك فرص عمل كثيفة للكفاءات السودانية بسببها استقال أمين عام مجلس الصحافة ومعتمد الحصاحيصا..

كأساتذة الجامعات هاجروا رغم أهمية وظائفهم.. فهل منع الدستوريين الأطباء الذين وجدوا فرصاً أحسن وضاقت أمامهم سبل الحياة بالداخل والشروط المجحفة  التي تواجههم مما اضطرهم للبحث عن فرص عمل أفضل هو الحل.. المعالجة لا تتم هكذا..

يجب أن تعالج مسألة شروط الخدمة لجميع العاملين بحيث تغريهم بالبقاء وهذه مسألة تحتاج إلى وقت.

ما علينا هو أن ننظم الهجرة عبر أجهزة الدولة وتشجيعها بدلاً من وضع العراقيل أمامها.. فعائدها عملات أجنبية عبر كل الوسائل.

تلويح .. فصدمة الحب ...

هي في السنة النهائية من كلية الطب، كان خطيبها عندما تقدم لخطبتها موافقاً على أن تعمل بعد التخرج، ولما حان الميعاد تراجع عن الكلمة قال إنه على استعداد أن يدفع للأب تعويضاً عما صرف في دراستها، فصرخ الأب هل يمكن أن يعوض لابنته سنين دراستها قال لها الخطيب، ما رأيك العمل أم أنا..

قالت ليس أمامي اختيار مادمت وضعتها صريحة كلمة اختيار، فصدمة الحب تشفي مع الوقت أما صدمة المبدأ والكفاح لا شيء يعوضها في الحياة، بالكلمة تبني أسرة وبالكلمة تهدم أسرة، يقول بعض الناس أن كثيراً من الكلمات فقدت رونقها لفرط ما لاكتها الألسن..

تعد كلمة (أحبك) تحمل هذا الواقع الساحر نشتاق لسماعها وعندما تقال لا نصدقها، الكلمة هي التي تحدد مصير الإنسان، تصنع سعادته وشقاءه، تصنع أصدقاءه وأعداءه، فهل يفهم كل الناس خطورة وأهمية وضرورة الكلمة، يقول الكاتب والشاعر الروسي المسلم رسول حمزة نوف، ربما نتساءل لماذا أعطى الإنسان عينين وأذنين ولسان واحد، فالسبب لابد أنه قبل أن ينطق اللسان بكلمة.. لابد أن تقوم العينان ببعض الرؤية والأذنان ببعض الاستماع، لكن هنالك بعض الناس يتكلمون لا لأن لديهم أفكار جيدة أو كلمات صادقة لكن ألسنتهم تأكلهم.

تلويح .. مواطن الجمال والشوق..

كلنا يشعر بتراجع معدلات التواصل الحميم داخل مجتمعنا السوداني لا سيما سكان المدن.... فقد تغولت المدنية اللاهثة على مواطن الجمال والشوق والتراحم والتسامح بأعماقنا، حتى كادت القسوة فينا تتمدد لتنال من أقرب علاقاتنا الإنسانية حتى داخل إطارنا الأسري الصغير. ويقال إن عجلة الحياة هي التي تدور بنا بسرعة، والخوف من المجهول جعلنا نخرج التواصل من قائمة أولوياتنا، ونجعل منه أمراً ثانوياً إذا قام به أحدهم مرة في الشهر سقط عن الباقين !!  فمتى كانت آخر مرة قمت فيها بزيارة خالك أو عمتك أو قريب لك في ضيق أو مريض أقعدته علة مزمنة من بني رحمك أو حتى جارك في الشارع الخلفي؟؟..أعلم أن كثيرين سيفندون ادعائي هذا ويتشدقون بكونهم على تواصل دائم مع المذكورين أعلاه وقد يكون.. ولكني أتحدث من منطلق مشاهداتي ومعايشاتي وحالاتي الشخصية... فأنا أعترف بالتقصير الشديد في هذا الأمر، وقد لا أجد عذراً منطقياً مقنعاً لكل العاتبين عليَّ كون السبب الوحيد المتاح بذريعة الانشغال الدائم والمسؤوليات الجسام والزمن (الممحوق) لا تقنعني أنا شخصياً ناهيك عن بقية الأطراف. # وبالنظر لواقعي المتواضع وجدت أن هذا المدعو (المحمول أو الجوال أو الموبايل او الهاتف السيار) واحد من أقوى أسباب (جفانا) !!! فقد بدأنا نعتمد عليه كلياً في التواصل.. ونكتفى بمجرد اتصال قصير حالما سمعنا أنباءً مفرحة أو محزنة أو طال أمد غيابنا عن أحدهم... ربما في حالات الحزن وحده يخضع الأمر لشيء من التقدير الذاتي فبعض الأحزان نكتفي فيها بمكالمة والآخر يستدعي تكبد مشاق الوصول شخصياً لموقع الحزن... وذلك يتوقف عن حجم الفقد والألم ودرجة القرابة. أما الأفراح والتهاني والأشواق فنكتفي –غالباً- ببثها عبر الأثير مع وعد قاطع بزيارة مرتقبة لا يلبث الوعد بها أن يتلاشى في خضم الأحداث اليومية المتلاحقة والمتسارعة. # إذن... وبرغم الفوائد العظيمة التي متعنا بها الهاتف المحمول، إلا أنه شأنه شأن العديد من أجهزة التكنولوجيا الحديثة أثر بصورة واضحة في أرواحنا وأحاسيسنا وأسلوب حياتنا....لهذا تجدنا نتفق على أن القرى الوادعة البعيدة نوعياً عن الحداثة لا تزال تتمتع بالكثير من عاداتها وتقاليدها الاجتماعية العزيزة, فتجد أهلها متضامنين كالعهد بهم في جميع المسرات والمضرات... ويغمرونك بكامل الدفء والمحبة حالما أتيتهم زائراً حتى إنك تشعر بأن روحك أشبه ما تكون بأرض خصبة شققها الجفاف ثم هطل عليها فيض تحنانهم فرواها ورطبها ليفوح منها عبير الطين المنعش. وكلما اجتهدنا في التحايل على سطوة الاتصالات بمختلف تقنياتها على علاقاتنا الإنسانية تجدها ترغمنا على النكوص.... بعض العائلات العريقة التي فطنت لاتساع هوة الشقاق بدأت في تحديد يوم معين من الشهر للتلاقي الأسري الجامع داخل أحد البيوت أو خارجها في واحد من الأماكن العامة المفتوحة يكون ملزماً للجميع بالحضور... ولكن بعض تلك التجارب يبوء بالفشل لأن أعضاء المجموعة يبدأون شيئاً فشيئاً بالاعتذار عن الحضور الراتب لأسباب قاهرة حتى يبدأ ذلك التجمع بالتلاشي لتحل محله بعض الاتصالات الهاتفية القصيرة والرتيبة، وكأنها لا تتجاوز أداء الواجب.... أما السبب الأكبر في ما يحدثه الجوال من جفوة أن تتصل على أحدهم فيرن جرس هاتفه مراراً ولا تتلقى رداً... وبتكرار العملية تصل لقناعة مطلقة بأنه يتعمد تجاهلك ولا تجد له أسباباً منطقية لعدم الرد لا سيما وأنه لم يعد ليتصل بك في وقت لاحق معتذراً عن انشغاله, وبهذا تستسلم لاعتقادك الجازم بتعمده عدم الرد كونه لا يريد التحدث معك وتقرر عدم الاتصال به مرة أخرى ويتطور الأمر ليتحول لجفوة كاملة تشمل البرود في التعامل حالما قدر لكما اللقاء وعدم التزاور والتلكؤ في القيام بالواجبات الاجتماعية وقطع جميع الصلات، وكل ذلك فقط لأنه لم يرد على تلفونك يوم تكرمت بالاتصال عليه!!! خسئت أيها الجوال.

وسوم: العدد 648