التاجر الأحمق ..
كان في مدينة بغداد تاجر يقال له أبو زياد ، وكان يتاجر باللؤلؤ والألماس ، حيث كان من علية الناس ، وبالغناء والطرب مرهف الإحساس ، وفي يوم من الأيام ذهب إلى دكانه في حي الأعلام فجاءه تاجر من مدينة عبدان وعرض عليه ترصيع أربعة من التيجان ، تصلح لملوك ذلك الزمان ، وقال له أبذل كل ما تستطيع يا أبا زياد ، وأنا أقدم لك ما تحتاجه من مال وعتاد ، و أنت ما عليك إلا أن تجمع أمهر الصناع من أصاحب الفن والإبداع ، وتقوم بصياغة التيجان ، وترصيعها باللؤلؤ والماس والمرجان ، ويجب أن تنتهي خلال أربعة أسابيع لتلبسها الشاهنشاه الجديد وأخوته الصناديد في حفلة تتويج الشاهنشاه يوم العيد .
تنحنح التاجر أبو زياد ، ونظر بشي من التكبر والعناد ، وقال لصاحبه عباد ، علي إذن بالمال والعتاد ، وما احتاج إليه من معدات ومواد ، فأنا صاحب الفن والصنائع ، وتشغيل التحف والبدائع ، فقال له صاحبه من جديد ، هيا سوق الحديد ، لنشتري منه ما نريد ، و إلى سوق اللؤلؤ والمرجان ، لنشتري منه ما يناسب السلطان ، و إلى سوق الذهب ، لنحضر منه ما وجب ، و إلى سوق الألماس لنحضر منه ما يبهر عيون الناس .
وهكذا قضى كل من التاجرين ، في أسواق المدينة يوماً أو يومين ، ينتقون أفضل المجوهرات ، وأنفس الحلي الباهرات ، ثم عادا إلى بيت التاجر أبي زيات ، محملين بكل منا يحتاجوه من مواد .
أخذ التاجر أبو زياد يزور كل البقاع ، مسافراً بين المدن والأصقاع ، حتى اجتمع له عشرون من أمهر الصناع ، وقعدوا يخططون ويفكرون ويدرسون ويرسمون ، ليبتكروا أروع التيجان ، وقد خصص لهم التاجر أبو زياد المأكل والمشرب وعن كل يوم مائة دينار .
وفي غمرة الفرح والسرور ، أخذ أحدهم يصدح بأغنية شعبية بصوت جميل ، قال له أبو زياد ، ما هذا الصوت الجميل يا سهيل ، قال له سهيل ، عفواً يا سيدي إن كنت قد أسأت إليك نحن في وقت الفراغ نشكل فرقة موسيقية فهذا على الدف ، وذاك على العود ، والآخر على القانون ، وأنا أغني والباقي يرددون ، أعجب أبو زياد بما قاله سهيل خاصة وأنه كان يحب الغناء والطرب لذلك صفق صفقتين فإذا بالخدم والحشم يفتحون الأبواب ويحضرون ما لذ وطاب ، من المآكل والشراب ، وآلات الطرب والغناء ، وطلب منهم أبو زياد أن يحتفلوا هذه الليلة بالطرب والغناء ، ويؤجلوا العمل إلى اليوم التالي ، فرح الحاضرون من كلام التاجر أبي زياد ، وقد ما عندهم من فن وطرب وغناء ، وظلوا في هرج ومرج وأكل وشرب ونكات ومزاح حتى انقضى من الليل آخره فذهب كل واحد إلى النوم بعد أن طرب القوم ، وظلوا نيام فلم يستطيعوا القيام حتى توسطت الشمس كبد السماء .
وحدث في اليوم التالي كما كان في اليوم الأول ، أكل وشرب وطرب وغناء ، منذ أن بدأ المساء ، وهكذا انقضى شهر من الزمان ، والتاجر أبو زياد ساهٍ لاهٍ مغرق في النسيان ، وجاء موعد تسليم التيجان ، وهو في الغناء والطرب غرقان ، ولم ينتبه إلا عندما جاء إليه صديقه من عبادان ، وطالبه بالتيجان ، عندها صحا أبو زياد من غفلته ، ونظر في وجه صاحبه وسكت عن الكلام ، عندما لم يجد لديه ما يقوله من الكلام .
التاجر : السلام عليك يا أخي يا أبا زياد .
أبو زياد : وعليك السلام ، أهلاً بك يا لقمان .
التاجر : أين التيجان يا أبا زياد ؟ أريد أن أنظر إليها وأمتع نظري بحسنها وجمالها وفنها .....
أبو زياد : ماذا ... ؟ تيجان ... حسنها ... جمالها !.
التاجر : مالك تتفاجأ في القول ، وتردد في الفعل والصول .
أبو زياد : ولكن ...
التاجر : ولكن ماذا ... ؟ يا صديقي العزيز ، أليس اليوم هو موعد التسليم ؟ .
أبو زياد : ماذا .. ؟! موعد التسليم ! .
التاجر : هيا بنا يا أبا زياد لنرى ماذا فعل الصناع ؟ .
أبو زياد : هه ... الصناع .. ماذا فعل الصناع ؟! .
التاجر : أجل الصناع المهرة ، الكرام البرره .
أبو زياد : إنهم يرسمون ويخططون ، وعلى التصميم هم مختلفون
التاجر : احسم الخلاف أنت يا أبا زياد ، وليتم التسليم في الميعاد.
أبو زياد : ولكن ...
التاجر : ولكن ماذا ظ فموعد تتويج السلطان وأبناءه الكرام بعد أسبوع .
أبو زياد : ولكن لم نستطع البدء في العمل حتى نأخذ رأيك في الشكل .
التاجر : ولكن ماذا يا وجه النحس والسوء ؟! لقد خربت بيتي .
أبو زياد : ماذا ... ؟ خربت بيتك ؟! .
التاجر : أجل خربت بيتي ، فإذا لم أسلم التيجان في الموعد المحدد ستكون كارثة محققة من السلطان .
وهنا سحبه من كتفه إلى غرفة الصناع فوجدهم نيام ووجد آلات العزف و الطرب والغناء منتشرة هنا وهناك فقال لصاحبه .
التاجر : أين التيجان يا أبا زياد ؟! .
أبو زياد : والله ... والله كنا ننتظر قدموك لنأخذ رأيك في التصميم والشكل .
التاجر : ( بصوت مرتفع ) التصميم والشكل ! يعني إنك لم تبدأ بصناعتها أيها المجرم الأفاك ! .
أبو زياد : نحتاج قليلاً من الوقت بعد أخذ رأيك في الموضوع .
التاجر : وماذا عن حفلة تتويج السلطان ؟ .
أبو زياد : لا أدري ..
التاجر : ( يصرخ بأعلى صوته ) خربت بيتي ، لا تدري يا مجرم .
سهيل : ( يفرك عينيه من النعاس ) ما هذا الصخب والصياح ؟! اذهبوا لتتخانقوا خارج هذا المكان ، فنحن بحاجة إلى ساعة أو ساعتين من الراحة .
التاجر : ( وقد أمسك هراوة غليظة كانت على الحائط وأخذ يضرب بها النائمين ) هيا أيها المجرمون سأمكث معكم يومياً حتى الصباح ولن أترككم حتى تنتهي التيجان .
سهيل : ولكن اطلب من صاحبك أبي زياد أن يسدد لنا أجر الشهر المنصرم فلقد بذلنا جهداً كبيراً .
التاجر : أي جهد هذا ولم تقوموا بأي عمل حتى الآن ؟! .
سهيل : أجل لقد بذلنا جهداً كبيراً اسأل أبا زياد .
التاجر : ما هو الجهد الذي بذلوه ؟ ولماذا لم تدفع لهم أجرهم يا ظالم .
أبو زياد : ( وهو خائف ) اسكت يا سهيل وهيا انهض مع زملائك للجد والعمل بعد أن أنهيتم عمل الرسومات والتصاميم .
سهيل : سنقوم للجد والعمل ولكن بعد أن تسدد لنا أجر الشهر المنصرم .
أبو زياد : ( وهو خائف محرج من الفضيحة ) حسنٌ ، حسنٌ سأدفع لكم كل ما تطلبون .
التاجر : هيا ادفع لهم حقهم يا رجل ألم يعملوا معك شهراً كاملاً ؟ هيا احضر الدنانير وادفع لهم أجرهم بالكامل .
أبو زياد : ( يذهب إلى غرفته يحضر الدنانير ويدفع لكل فرد حقه كاملاً ) .
وهنا قعد الصناع المهرة يعكفون على صياغة التيجان بدقة وأناقة وحجال ، ولم يمض يومين حتى تم اكمال التيجان على أروع تصميم ، وهنا نظر التاجر هذه التيجان وحملها معه ، ثم نظر إلى أبي زياد نظرة احتقار وازدراء .
التاجر : أمامك العمال أكمل لهم حسابهم بسرعة لقد بذلوا جهداً مشكوراً .
أبو زياد : وحقي ..
التاجر : حقك سهرة طرب وغناء على حساب صناعك المهرة وداعاً يا عزيزي .
أبو زياد : ( يصرخ بأعلى صوته ) حقي .. حقي لقد ضاع حقي لقد خسرت كل شي ..
وهكذا أيها الأحباب الصغار ن خسر التاجر أبو زياد ماله وسمعته بسبب إهماله صنعته والتفاته إلى اللهو والعبث وعدم الاهتمام بواجبه في العمل ، وعاد فقيراً حقيراً بعد أن دفع مبالغ طائلة للصناع المهرة ، وقد كان بإمكانه إنهاء عله بيومين وثلاثة وحصوله على ربح وخير بدلاً من المبالغ الباهظة التي دفعها إلى الصناع ولم يحظ منهم إلا اللهو والغناء والطرب.
وسوم: العدد 809