الخروج من بطن الحوت

محمد علي شاهين

كنا ثلاثة رجال من مدينة واحدة، التقينا ذات يوم وكأننا على موعد، تعرف بعضنا إلى بعض بصعوبة لكن بسرعة، توجهنا باتجاه المحطة بخطى رجل مسرع منا، لم تكن تبدو علينا علائم الإعياء ولكن علامات الشيخوخة، كانت جيوبنا خالية من المال، وكانت الثياب التي نلبسها رثة متعفنة تدل على تعاستنا، والناظر إلينا يحسبنا من المشردين أو من رواد الحانات إذا أحسن الظن بنا.

نسينا أرقام هواتف منزلنا وعناوين أصدقائنا وأسماء شوارع المدينة التي نحن قاصدوها.

كل الشوارع كانت خالية هادئة وكنا نسمع وقع أقدامنا على الأرصفة ونحن نطؤها بأحذية تكاد تعصر أصابعنا المهترئة.

عندما خرجنا من المعتقل خرجنا بدون قراركما دخلنا بدون قرار من المحكمة، كل السنوات قضيناها على ذمة التحقيق، وكل الذين سقطوا في التعذيب وعلقوا على خشبات السجن، قضوا نحبهم دون أن يصل التحقيق إلى أين نتيجة، ولم تعلق الراية السوداء في ساحة السجن عند كل إعدام لأنها ارتفعت على سارية الوطن مرة واحدة باسم القانون الغائب حتى مزقتها الريح. الأسوار العالية وطبقات الأسلاك الشائكة كانت كافية لفصل بعضنا عن بعض ونحن الثلاثة في سجن واحد، وعن أهلنا ونحن في سجن واحد.

اكتشفت ونحن نترنح على الرصيف أننا قد أصبنا بضعف شديد في النظر عندما أوشكنا على السقوط في إحدى الحفر المنتشرة في الشارع، وكدنا نتعثر ببلاطه المحطم، أما حاستا الشم وتذوق الطعام فمن المؤكد أنهما قد دمرتا تماماً.

اتفقنا على أن شيئاً ما قد حدث ولكننا لم نعلم ما هو!

قلنا: كانت أبواب السجن مفتحة، ولم نجد على أبوابها الحرس، هرب السجانون، ومدير السجن..!! لا ندري نتلفت خلفنا ولم نكن خائفين، لقد نسينا شيئاً اسمه الخوف وشيئاً آخر اسمه الجوع، أما الابتسامة فلقد ودعناها يوم دخلنا بطن الحوت، هذا الشبح الذي يطاردنا من خلفنا.

قال صديقي: لا أدري ماذا يحدث! فتحت أبواب السجن، وهرب السجانون ومدير السجن.

وقال الآخر وقد وصلنا إلى مشارف المحطة وهي تعج بأفواج سبقتنا وعلى ثيابها الزرقاء الأرقام بعد أن ظل صامتاً طوال الطريق:

لقد جُنّ رئيس السجن ومات، وخرجنا من بطن الحوت.

وسوم: العدد 841