صورة غروب

حماد صبح

في أفق الجنوب ، خطان عريضان من السحب الداكنة الموشاة بزرقة باهتة . الخطان يشبهان واديين . بينهما خط  فضي أدنى إلى الصفاء ، وتحت الخط السفلي امتداد شفقي رائق الحمرة تتناثر فوق صفحته أمزاق سحب في لون سحب الخطين . لو كان شاعرا لقال شعرا ، ولو كان قاصا لكتب قصة ما . لا هو شاعر ولا هو قاص ، إنما يحس جمال الطبيعة إحساسا قويا جياشا في حالاتها المتباينة ، ويؤلمه العجز في التعبير عن إحساسه مثلما يعبر الشعراء والقُصاص وغيرهم من الكتاب والرسامين بأساليب كثيرة . وهو يتذوق الشعر والقصة وفنون الكلام الجميل أقوى وأنفذ مما يتذوقها بعض الشعراء والقصاص والكتاب . غريبة موهبة القدرة على التعبير المؤثر شعرا أو قصة أو رسما . اسمها " موهبة " يكشف مصدرها . هي هبة من الله _ جل إحسانه _ لبعض خلقه ، وهبات الله كثيرة متنوعة تشمل كل احتياجات وميول مخلوقاته . وهو موهوب في الإحساس القوي الرهيف بالجمال في الطبيعة ، وفي سواها من مرائي الجمال المثير الممتع للنفس . كان راجعا من صلاة المغرب ، ولحق به ابنه راجعا مثله من الصلاة . ضحك حين رآه يرقب منظر الغروب في أفق الجنوب الذي أكمل فتنته الخلابة بعضُ أشجار النخيل التي تفرقت في عدة بساتين زيتون ، وبعضها لاصق بيوت أصحاب تلك البساتين ، فظهرت الأشجار والبساتين والبيوت لوحة ، وظهر أفق الجنوب السماوي خلفية خيالية ساحرة لها .

قال الابن : أطربك منظر الغروب ؟!

فرد كأنه يكلم نفسه : يسحر الروح .

فأخرج الابن هاتفه ، وصور المنظر ، وقال : انظر ! احتفظت لك به . أين هاتفك ؟!

_ تعرف أنني لا أدخل به المسجد ولو صامتا .

_ سأنقل المنظر إليه لتراه متى تحب .

_ صوره في استوديو !

_ غدا .

                                  ***

هو الآن ، العاشرة ليلا ، يتأمل صورة منظر الغروب على الجدار الجنوبي من غرفته . عمر الصورة ثمانية شهور وأحد عشر يوما . يستولى تأملها على كل روحه ، وتهيج الأحزان والحنين في قلبه ، ويهمس دامع العينين ، مرتجف الصوت : رحمك الله يا زين !

مت ، وعاشت الصورة  !

استشهد زين ذات  جمعة مسيرة عودة .

وسوم: العدد 854