قهقهات الموت

مصطفى عاصم

clip_image002_3db68.jpg

أسمعني ضحكاتك

أُعْلُ بها

زلزلني بقهقهاتك

لأرتقي إلى السما

بموتك تحيا

والحياة كأنها

رحلة موت

تصحبني للفنا

مصطفى عاصم

إلى الأخ العزيز .. بطل هذه القصة

مصطفى أبو العمايم

          مازالت ضحكاتهم ترن في أذني منذ ذلك اليوم ...

مازال صدى قهقهاتهم يرجرج كياني منذ ذلك اليوم ...

مازال هذا اليوم يُدوّي بهدير صوت جرسه المزعج

مازلت أذكر كآبة هذا اليوم .. وقتامة هذا اليوم

وكذلك وبدون أدنى شك ..

                   حكمة هذا اليوم ..

                             هذا اليوم

هذا اليوم المشمس .. استثناءا من شهر يناير بعد عدة أيام متقلبة بنواتها الطقسية وأمطارها الغزيرة الرعدية⸲ والأرض في هذا المكان .. كل الأرض⸲ كحوض كبير مليء ومعبأ بشيء واحد فقط .. الطين.

تذكرت أيام دراستي الجامعية .. كانت في مدينة ريفية مشابهة في طقسها لنفس المكان الذي أتواجد فيه الآن⸲ مدينة صغيرة .. ريفية في ربوع الوطن الأم الذي اغتربت عنه ولا أعود إلا لماماً.

هذا النوع من المدن في عُرف أهل الوطن يسمى مركز⸲ وهو أصغر من المدن الكبيرة المعتادة كعاصمة للمقاطعة أو الولاية⸲ وتقبع على أعتاب مفاصل الريف الحقيقي من العِزَب والنجوع .. وما شابه من كل المسميات لكل التجمعات السكنية الأفقية المنتشرة على مساحات واسعة من الأرض الخضراء.

في صدر شبابي وأثناء الدراسة الجامعية قمت بزيارة أصدقاء أعزاء في أماكن مشابهة مع اختلاف الزمن والوقت⸲ لم يكن الوقت في عنفوان الشتاء كما هو الحال الآن⸲ ولكني على أي حال أذكر تماماً معالم تضاريس الريف في الشتاء بعد يوم ممطر.

⸭ ⸭ ⸭

لم يكن بوسعي أن أتحاشى عناء تلك الرحلة⸲ فلقد وعدت أن أُسَلم الأمانة التي بيدي لأم أحد معارفي المغتربين⸲ كان قد طلبها مني رجاءاً واستعطافاً .. منذ عدة أيام وأنا أجهز حقيبة سفري في الناحية الأخرى من العالم .. ولم يكن لي أن أرفض له طلباً⸲ فأنا أعرف منذ زمن .. حاجة المغترب واستعداده للتذلل لأي عائد للوطن⸲ حتى يبعث معه .. ويقبل أن يوصل معه شيئاً هاماً حيوياً لأحد أفراد عائلته⸲ خاصة إن كان أبوه أو أمه⸲ وبالأخص عندما يكون أحدهما مسناً .. لا يقوى على الحركة .. ويصبح الأمر برمته واجباً أخلاقياً اذا عرفت أن أمه من ذوات الاحتياجات الخاصة.

لا يجدي في تلك الحالة أن أشترط على المغترب أن يبعث بأحد أفراد عائلته لمنزلي ليستلم أمانته⸲ كان عليّ أن أعرض خدماتي بكل النبل لكي أذهب لأمه شخصياً في أقصى الريف لأسلمها أمانة إبنها.

وهذا ما حدث بالضبط عندما طُلب مني إيصال أمانته⸲ أحنى رأسه على استحياء وأخفض صوته كذلك⸲ ليعقب بعد موافقتي على المبدأ .. بأن أمه عجوز .. عاجزة قعيدة⸲ وفي عينيه كانت دموعه تلمع مترقرقة⸲ ومن فوري .. وقبل أن يكمل قلت (لا تحمل أي هم .. سأذهب بنفسي إلى والدتك وسأعطيها الأمانة).

وهذا ما كان .. بمجرد أن وطأت أقدامي أرض وطني الأول بعد غياب طويل⸲ وبعد عناق الأهل والأخوات .. وكذلك الاستهجان لبعض المشاهد السريعة التي لاحظتها .. كأمراض اجتماعية مستجدة على هذا المجتمع الذي للأسف لم يستطع الاحتفاظ ببراءة طهره .. ولا خرج من عباءة جهله⸲ بل وزاد أصناف لقاموس حياته اليومية .. الكثير والكثير مما هو سيء .. مستهجن .. مقزز يبعث على الاشمئزاز.

بمجرد أن وصلت .. وفي خلال أربع وعشرين ساعة لا أكثر⸲ أدركت ما حدث من تغير .. أو طفرة جذرية في شكل هذا المجتمع .. بل وفي سلوكه أيضاً⸲ وقبل أن يسودني الاحباط تماماً .. قررت في صباح اليوم التالي لوصولي أن أستيقظ مبكراً وأن أشد رحالي .. لأذهب لتلك الولاية الريفية .. حاملاً أمانة الرجل .. وأن أقوم بهذه المغامرة الخارجة عن حساباتي⸲ على أن أؤدي المهمة وأعود في مساء نفس اليوم.

ركبت قطار الصباح المبكر .. السادسة والنصف صباحاً⸲ تماماً كما كنت أفعل أيام دراستي الجامعية .. منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً⸲ لم يتغير القطار كثيراً .. ربما لم يتغير البتة⸲ بل ساء كل شيء فيه حتى استأت وكدت أن أتقيأ من قذارته وإهمال نظافته⸲ وانحدار أي خدمة بداخله⸲ أصابتني حسرة حقيقية واغتمام⸲ إن استمر الحال هكذا بكل قتامه وانحطاط لكل ما تصطدم به حواسي في هذا الوطن⸲ فلابد أن أترحم عليه كأحد الأموات الذي قضى بفيروس خطير ولم يجرؤ أي من البشر أنيقترب منه ليودعه أو ليُصلِ عليه.

وصلت إلى محطة المدينة⸲ عاصمة الولاية .. في الثامنة صباحاً⸲ هبّ على ذكريات نفسي في تلك اللحظة شعور قديم كان يتملكني منذ أكثر من ثلاثة عقود .. في بداية دراستي الجامعية التي قضيتها خارج مدينتي .. عندما رأيت نفس محطة القطار للمرة الأولى⸲ عندما بدأ بصري يتحسس ملامحها كطفل وليد .. يفتح عينيه ليرى نور العالم لأول مرة بعد خروجه للدنيا .. بعد قيصرية صعبة.

تغيرت المحطة تماماً مع احتفاظها بأعمدتها الأساسية  وبروزات عظامها المفصلية⸲ وإن كان كل ما تغير .. لا يعدو في بصيرتي أي ارتقاء للأجمل⸲ بل رأيتها مدموغة بنعت التشوه الطاغي.

وبسهولة ركبت سيارة أجرة من خارج المحطة للذهاب للمدينة الأخرى .. الأصغر أو ما تسمى بالمركز⸲ ساعة أخرى في الطريق على الأقل⸲ وعندما بدأنا في الاقتراب من مكان الوصول .. بدأ الأسفلت في الاضمحلال والاختفاء ليحل محله موجات من الطين مع سماء ملبدة بكثافة كدليل ثابت أنها أمطرت بغزارة لعدة أيام⸲ وستنوي إمطار الأرض مرة أخرى في الساعات المقبلة .. ليزيد البلل وحلاً مع حظي الغريب الذي أبيت إلا أن أتحداه⸲ فقط لأوفِ بوعد وعهد.

عند وصولي كانت الساعة تقارب العاشرة⸲ ومع شعاع شمس هارب من بين ثقوب الغيوم .. أخرجت ورقة من جيبي مكتوب فيها العنوان تفصيلياً .. حتى نهاية المقصد (كوبري سبعة .. عزبة خمسة)

⸭ ⸭ ⸭

في منتصف موقف السيارات تماماً⸲ سيارات قديمة جداً .. متهالكة .. لا أدري كيف تسير⸲ أجزم أنها من خمسينيات القرن الماضي⸲ كل سيارة تسع كحد أقصى .. خمسة أشخاص في المقعد الخلفي والأمامي بجانب السائق⸲ سيارات ذلك الوقت كانت واسعة فسيحة من داخلها⸲ ولكن .. ما أراه أن كل سائق يحمل معه ضعف العدد .. عشرة أشخاص على الأقل⸲ وكل فرد معه ما يحمله من سلات مصنوعة من الحصير .. تحوي طيورا بأنواعها ومأكولات طازجة .. نتاج بيوتات الريف⸲ خرجت لتوها من هناك لتطعم وتكرم آخرين

(كوبري سبعة .. كوبري سبعة)

سائق ينادي ليجلب زبائنه من الركاب⸲ التفت إليه .. كان خلفي على بعدعشرة أمتار.

وبمجرد أن أدرت جسدي ولمحته بسيارته .. غمرت أنفي رائحة غريبة⸲ رائحة كتلك التي أستنشقها في المستشفى بجانب غرفة العمليات بعد عملية ولادة⸲ رائحة الميلاد .. لا .. بل هي رائحة مريض يحتضر على فراش الموت .. شممتها مرة⸲ لا .. غير ذلك تماماً .. بل هي رائحة المكان الذي يُغسل فيه الميت⸲ كذلك أدركت مشهدها وتعرفت على خاصيتها⸲ لا .. لا غير ذلك كله .. بل هي رائحة القبر عندما نفتحه ونهبط إليه لندفن عزيز لدينا.

إختلط عليّ الأمر .. لا أريد إعارته أي اهتمام الآن⸲ بعد لحظات صمت استطرادية بدأت في السير بخطوات متثاقلة ناحية سيارته .. أحدث نوعاً ما .. من موديل سبعينيات القرن الماضي .. تتسع لسبعة ركاب واشتهرت كسيارات أجرة للسفر بين المدن والمحافظات⸲ ومن كثرة حوادثها على الطرق سميت في الصحف وقتها بالنعش الطائر⸲ أطلق عليها هذا الاسم المخيف⸲ مازلت أذكر سمعتها الرديئة وأنا في أواخر طفولتي وبداية مراهقتي .. ومع ذلك لم تثن الناس عن اللجوء إليها والسفر بها لسرعتها ورخص ثمن أجرتها.

كان السائق واقفاً بباب سيارته فاتحاً بابها ومستنداً إلى سطحها .. ينادي

(كوبري سبعة .. كوبري سبعة)

وعند اقترابي لمح في عيني أني زبونه .. وأني ذاهب لمقصده⸲ وهو بطبيعة الحال فهم لغة جسدي واستشف من ملامح وجهي أني هو .. فأضاف

(واحد ونطلع .. واحد بس ونطلع)

استعجبت لدعوته الموجهة إليّ⸲ مبطنة غير مباشرة بطريقة أهل الريف عندما يتخابثون⸲ كأنه يدعوني أن أهم إليه وأن أركب داخل سيارته⸲ وبإلقاء نظرة سريعة اكتشفت أن السيارة ينقصها أربعة ركاب لتمتلئ .. وبوجودي سيكون العدد المتبقي ثلاثة .. فكيف؟

هو كباقي السائقين ولا شك .. يصطاد زبائنه واحداً بعد الآخر⸲ موهماً كل منهم بأنه آخر زبون⸲ ثم عندما يبتلع زبونه الطعم ويدخل داخل سيارته .. يعاود النداء من جديد بأن سيارته ينقصها راكب لتمضي .. وهكذا

وعندما اقتربت منه⸲ أدرك بيقين احترافي أنني زبون لن يفر .. رفع عقيرته مبادئاً مباغتاً

اتفضل يا بيه .. إنت مش رايح كوبري سبعة برضه؟أيوه .. بس العربية عندك لسه فاضيةلا يا بيه .. إنت آخر زبون⸲ لازم ألحق أوصل الزباين التلاتة اللي معايا وكمان عشان أرجع أحمل تاني من الموقف

وعندما نظرت إليه بعلامات الشك والريبة في صدق ما يقول⸲ أخذ يحرك عضلات وجهه .. فيما بدا لي أنها علامات تظهر صدق ما نطق به لسانه⸲ كالمخادع الذي ظهرت عليه سمات الصدق لأول مرة⸲ ولم يصدقها أحد أحد بالطبع إلا من كانت له فراسة باقياً على حذره متخوفاً .. قال:

أقسم لك يا بيه إنك آخر راكب وهنطلع بعديها علطول⸲ مش محتاج ركاب تاني .. واحد قدام وتلاتة ورا ومش مهم آخر كنبة .. خلينا خفاف خفاف

لمحت في عينيه الصدق التام وعلى إثره لمح هو كذلك استكانتي لرغبته وقراري الجازم النهائي بأن أركب سيارته .. فعاود

اتفضل يا بيه .. اتفضل⸲ بلاش قدام عشان الزنقة .. اتفضل في الكنبة الوسطانية مع الزبونين .. اتفضل .. اتفضل

وكأن نظراته قد جذبتني بمغناطيس شرس .. اقتربت من باب سيارته⸲ فتح لي الباب الأوسط لأدخل .. ودخلت

⸭ ⸭ ⸭

بمجرد أن استقر جسدي واعتدل بعد مزاحمته للاستكانة التامة .. شممت تلك الرائحة الغريبة مرة أخرى⸲ أجتهد وأجاهد لأتذكر أين شممتها .. لا أتذكر⸲ رائحة ترتبط بالميلاد والموت .. بالنقيضين معاً .. أو بإحداهما

وعلى الرغم من أننا ثلاثة .. لكني وجدت مساحة فسيحة لي⸲ لكن ارتطام جسد جاري بكتفي وساقي أحسسني بثقل عجيب .. كأنه لحم صلب بأنسجة تخشبت⸲ وكذلك ثقل جاره الأيمن عليه .. لأحس بثقلهما سوياً⸲ ألقيت السلام (السلام عليكم)⸲ ولم أسمع رداً من أيّ منهما ..

وفي محاولة مني للمبادءة والأخذ بناصية الموقف والشخوص .. بالوقت والمكان⸲ لأسيطر على إحداثيات تفاصيل مغامرتي الشتوية هذه⸲ سألت السائق بنبرة وأسلوب أهل الريف:

زباينك مابيردوش السلام ياسطى .. مش عيب كده؟

رد بلا مبالاة .. كأنه أمر معتاد لم أعهده أبداً من أهل الريف

ماتاخدش في بالك يا بيه

لم أقتنع بإجابته المستخفة⸲ أحسست أنه يستغبيني أو رآني غبياً أو أنه يسخر مني على أحسن تقدير

لم أستطع كبح جماح فضولي فاعتدلت لأنظر إلى كليهما .. الإثنان بعيون مغلقة⸲ جاري بفمٍ مبتسم كأنه مرسوم وكذلك جاره⸲ وكأني أرى الراكبالأمامي من ظهره على نفس الحال⸲ الإثنان بثالثهم على وجوههم إبتسامة باردة .. ميتة؟!!

الرجل يشعل محرك السيارة ويمضي⸲ ومع تقلبات عثرات هذا الطريق الريفي الغير مُعبّد ولا ممهد⸲ المغطى بالوحل بعد أمطار غزيرة .. نسيت أو تناسيت آخر ما مر بعقلي من تعليق نافذ .. (إبتسامة ميتة)

ومع عثرات الطريق الموحلة بدأت أجسادنا تترجرج وتتخبط⸲ وأحسست بجسد جاري كأنه كيس قماشي رملي صلد .. كالذي يتدرب عليه لاعبو الملاكمة⸲ ولكن ما بداخله .. ببساطة ليست رمالاً متكدسة .. إنما أحجار فولاذية منصهرة وملتحمة⸲ ومع كل ارتطامة من جسده أحس أنني ذلك الكيس الرملي وأن جسده ليس إلا قبضة لأقوى ملاكمي العالم للوزن الثقيل .. تنهال على عظامي

الموقف أنساني كل أفكاري الفلسفية المتأملة من أقصاها لأعلاها ولم أعد أفكر إلا في الوقت المتبقي لي في هذه البوتقة لأغادرها⸲ هنا فقط سألت السائق:

الوقت قد إيه لحد كوبري سبعة؟عادةً نص ساعة .. لكن مع الوحل ده يمكن ساعة

تأففت بصوت عالٍ من إجابته الصادمة⸲ هل سأتحمل ساعة زمنية كاملة مع هذه النماذج البشرية الأربعة؟ .. بدأت ألعن في سريرتي انصياعي لعاطفتي التي أرغمتني أن أقبل توصيل أمانة هذا الرجل البعيد الذي عرفته لماماً في غربتي⸲ على أيّ حال ما فعلته هو الخير بذاته وعليّ ألا أندم عليه .. فر من لساني استغفار بصوت مسموع

أستغفر الله العظيم

عاجلني السائق

أيوه كده .. إستغفر .. إستغفر كتير .. إحنا معانا ملايكة في العربية

لم أفهم مغزى ما يقول⸲ هل يعني أن هؤلاء الثلاثة .. مجازاً هم ملائكة؟ .. لماذا؟! وما هو سبب تشبيهه؟

مش فاهم ياسطىمعانا ملايكة رحمة وعذاب في العربية يا بيه⸲ بدل ما تتأفف .. إستغفر وادعي لهم بالرحمةبرضو مش فاهم ياسطىالتلاتة دول أموات يا بيه

⸭ ⸭ ⸭

ما يلكمني الآن وبضراوة ليس جسد صلب ككيس الملاكمة⸲ ولكنها الصدمة مختلطة بمشاعر عدة .. الخوف .. الهلع والرغبة في التقيؤ مع شعور عارم ببرودة تغزو جسدي وتعتريني من قمة رأسي لأخمص قدمي المشلول⸲ بالإضافة إلى هذا .. رغبتي في أن أخنق هذا السائق

عرف كيف يتصيدني لأستقل سيارته⸲ وبعد أن أوغل في طريقه تأكد أنه لا فرار لي ولا فكاك⸲ هذا الطريق الموحش رغم خضاره ليس به إنسان⸲ موحل كله بلا أي بقعة صغيرة جافة

السماء بدأت تتلبد بغيوم ثقيلة منذرة بموجة أخرى ممطرة عنيفة⸲ ليس لي أيّ اختيار إلا أن أكمل معه الطريق حتى النهاية⸲ عليّ أن أحتفظ بكل أدبي معه .. وإلا .. إذا فقدت أعصابي .. ماذا سيحدث؟

إما أن أسبه وألعنه فيبادلني السباب وأخسر وأكسر كل حاجز للاحترام بيني وبينه ,, فتضيع هيبتي⸲ وإما أن يوقف السيارة لننزل سوياً ونتبادل العراك بالأيدي والأرجل⸲ والغلبة هنا لمن تمرس على مثل تلك المعارك .. وستكون له بالقطْع⸲ وإما أن يوقف السيارة فيطردني منها وأظل هكذا عابر سبيل في معترك الوحل والسيل القادم .. بلا مُغيث⸲ وإما أن أضربه بشيء حاد لأعيق حركته وألقيه بعيداً لكي أستقل السيارة بمفردي .. لأقودها بنفسي .. ولكني لا أعرف الطريق ولا أستطيع الوصول⸲ وكذلك لن أقوى على الإلقاء بهؤلاء الأموات الثلاثة .. لن أقدر على التخلص من أجسادهم

آآآه .. كلها سيناريوهات سيئة .. كلها ضدي⸲ عليّ إذن أن أحتفظ بأعصابي⸲ عليّ أن أُشَغِل آلة ذكائي المتبقي .. أن أحرق الوقت حتى أصل بتلك الأمانة لصاحبها⸲ ولتذهب بعدها كل الأمانات بحامليها وطالبيها للجحيم⸲ وبعد أن استجمعت جوامع النطق على لساني .. استطعت أن أستعيد قدرتي على الكلام بعد المفاجأة .. وسألته:

ممكن تشرح لي القصة يا أسطى؟تحت أمرك يا بيه .. وادينا بنتسلى وباسَلّيك لحد ما نوصل

كل خوفي الآن أن يكون هذا السائق مجرماً سفاحاً⸲ وأن هؤلاء الثلاثة هم ضحاياه⸲ وأنا رابعهم القادم .. وقد اصطادني بذكائه وغبائي للأسف⸲ ليس لي إلا أن أجاريه حتى أفهم ..

إتكلم ياسطى أنا سامعكصلِ على النبياللهم صلِ وسلم عليهبقى يا بيه .. أكل عيشي العربية دي .. ماليش غيرها .. أنا ومراتي وعيالي بنعيش اليوم بيومه من أجرة المواصلات اللي باكسبها من العربية دي⸲ كل يوم باعمل من عشرة لتلاتاشر تحميلة .. وفي الوسط ساعتين راحة للغدا .. والحمد لله بترزق⸲ وفي أيام الشتا اللي زي دي .. مافيش حركة كتير .. وزي ما شفت كده يا بيه الموقَف كان فاضي .. فلازم أشغل مخي عشان أعرف أقلب عيشي⸲ إنت يا بيه شكلك مش عايش معانا في البلد .. شكلك حاجة تانية خالص .. حتى بتوع البندر اللي جايين من العاصمة مش زيك كده .. صح ولا لأ؟

أتعجب من فراسة الرجل⸲ رائحة الصدق في كلامه⸲ بدأت أستكين وبدأت فرائصي في الارتخاء .. مستمتعاً بكلامه المشوق .. منتظراً بقيته⸲ كالمُشاهد لفيلم غموض وإثارة .. يحث أحداثه أن تتسارع ليسبر غور عقدة الأحداث⸲ وإعجاباً بكلامه .. ولأستنفر نشوته بذاته ليستمر .. رددت:

صح ياسطى .. ما شاء الله عليك .. باين عليك ذكي⸲ وبعدين؟ .. كمل كلامكبقى يا سعادة البيه .. في الأيام الطين دي .. لا مؤاخذة في الكلمة يعني .. بس سعادتك شايف الأرض عامله إزاي .. كلها طين⸲ في الأيام دي الزباين شحيحة .. ولازم أرجع لمراتي وعيالي بمصروف اليوم .. وإلا لو نقص مراتي تخرب بيتي⸲ وإنت عارف يابيه نكد النسوان .. فاعمل إيه بقى؟ .. الفلاحين يا بيه أمراضهم كتيرة .. إشي بلهارسيا على سُكر على مرارة .. على زايدة .. على فشل كلوي⸲ ولما بيمرضوا قوي .. أهاليهم يبعتوهم مستشفى المركز .. وزي ما سيادتك عارف الحالة ازاي عندنا في المستشفيات .. مش زي بلاد بره عندكم .. فأغلبهم بيموت⸲ ولما أي حد منهم بيموت عشان أهله يرجعوه .. محتاج تصاريح وأختام ووجع دماغ وعشان عربية إسعاف الحكومة تنقله لجوّه .. زي كوبري سبعة اللي احنا رايحينها دي .. بيحتاجوا مصاريف وفلوس كتيرة .. والمستشفى ماعندهاش مكان تشيلهم ولا تلاجات جاهزة⸲ أقوم أنا إيه؟ .. أتفق مع أهل الميت .. نراضي الممرض المسؤل .. ونلبس الميت جلابيه .. ونحطه هنا في عربيتي وأنقل الجثة لحدهم .. بنص الأجرة اللي كانوا هيدفعوها للإسعاف⸲ وطبعا يا بيه إنت شكلك مؤمن وموحد بالله .. وعارف إن إكرام الميت دفنه .. والتلاتة دول ماتوا امبارح .. وأهاليهم ناس غلابة معهمش مصاريف الإسعاف .. واديني بوصلهم لحد الكوبري .. أهاليهم هيستلموهم هناك

وبعد أن شرح الرجل مسهباً .. وبسهلٍ ممتنع⸲ أدركت أنه ليس إلا مرتزق أقرب للأفّاق وأنه ليس بمجرم .. أو بمعنى آخر لا يمتلك شراسة وإجرام القاتل⸲ هدأت قليلاً .. ولكن بقى هذا الشعورالمجاور للهلع .. أني ببساطة أجلس في حضرة ثلاث أموات بجلاليب بيضاء .. يبتسمون ببرود الموت⸲ وأن عقابي المتبقي أن أتحمل الطريق والوقت حتى نصل بهم إلى مثواهم الأخير

أحاول أن أتخابث وأسأله لاستخرج من إجابته ما يوافق شعوري بعد صمتي الذي لفت نظره فأطال النظر في مرآته التي كشفت له ملامح وجهي القلقة

إنت مابتخافش ياسطى؟أخاف من إيه يا بيه؟يعني .. إنك تفضل رايح جي مع أموات كده؟يا سعادة البيه .. الميت زي الحي بالظبط

هذا الرجل إما أنه حكيم فيلسوف اكتسب حكمته بالسليقة من معاشرته لأصناف بشرية متعددة وأقرباء لأموات كثر⸲ وإما أنه يتذاكى عليّ ليثبت لي ولنفسه أنه وإن كان ابن الريف الذي لم يغادره .. ولا حتى بقعته الجغرافية التي يمارس بها عمله⸲ ليثبت أنه أفضل مني .. أنا ابن المدينة الذي طاف حول العالم .. وأتى بي قدري لأجلس خلفه⸲ ولأتعلم منه ومن فراسته .. التي بدأت بالفعل أصدق أنه يمتلكها .. ويطوقها بكل السيطرة⸲ ولكني أريد أن أفهم ولذلك ليس لي إلا أن أُشبع غروره .. وأعلن له إذعاني

مش فاهم ياسطى فهمنيشوف يا بيه .. البني آدم الحي .. العايش على وش الأرض .. بيقضي كل حياته في مشاكل وتعب حتى لو كان غني ومعاه فلوس ياما .. حدانا في العزبة .. الحج أبو الروس .. عنده أطيان وأراضي .. وييجي عشرين جاموسه⸲ لكن عنده مشاكل مع ولاده ونسوانه التلاتة .. جابتله المرض .. وانشل⸲ يعني الفلوس مانفعتوش⸲ وربنا قال في الكتاب (لقد خلقنا الإنسان في كبَد) .. مش صح برضو يا بيه؟

أخذني بمنطقه عن الأحياء .. وتمكنه باستشهاده بالقرآن .. الذي لا أشك في تغلغله في حياته كباقي أهل الريف لمن هم من جيله⸲ الكُتّاب وحفظ القرآن منذ نعومة أظافرهم هو قاعدة أساسية في حياتهم .. أتمنى ألا يكونوا قد تخلوا عنها أو أنهم تزحزحوا عنها ولو قيد أُنملة .. ولكنه لم يكمل .. استطرد فقط ليؤكد دعمي لمنطِقه

صح ياسطى .. طبعاً .. طب والميت؟يا بيه .. الميت زي ماربنا قال بيحصل له حاجة من اتنين⸲ يا بيتعذب في تربته والعياذ بالله .. لما بيكون عاصي وفاجر⸲ يا بيتنعم كأنه في الجنة لحد ما القيامة تقومطيب اللي بيتعذب ده عرفنا إنه هالك وبيعاني والعياذ بالله .. بس اللي مبسوط في تربته  .. ده تعبان ليه؟لأنه بيفضل قاعد مستني إن القيامة تقوم عشان يروح الجنة الكبيرة .. ومش هيروح علطول كده .. دا لسه فيه بعث وحساب وصراط هيمشي عليه⸲ يعني وقت طويل⸲ يعني هيفضل برضو قاعد في قلق .. شوف يا بيه .. الراحة كلها والصفا كله .. في الجنة بس .. مش في حتة تانية

ولا إرادياً .. نطق لساني بإطلاق الصمت (صدقت)⸲ ليتردد صدى كلمتي المكتومة داخل كياني فقط⸲ لم أجرؤ ولم يجرؤ لساني على الجهر بها رغم انبهاري ببلاغة الرجل الفطرية ونفاذ منطقه

ربما لم أُرِد إظهار تسيده لناصية حوارنا المحدود بالوقت⸲ ولكن ما زال في جعبتي الكثير لأسأله .. لا يستقصي سر استفحال تفوق منطقه الريفي البسيط .. وكذلك إجاباته التي تحمل في طياتها أبواباً متتالية .. كلما فتحت باباً وجدتُ خلفه أخر مغلقاً⸲ لتظل شهية مُستمعه مفتوحة .. شرهة لسماع المزيد .. ومناقشته⸲ وليظل هو هكذا متسيداً .. سائداً متمكناً من كل مفاصل حديث منطقه الفطري .. سألته:

طيب بما إنك خبير قوي كده ياسطى ..  قُل لي .. التلاتة اللي معاك دول .. من أهل الفجر والعذاب ولا من أهل النعيم وراحة الجنة؟يا بيه .. إنت مش شايفهم بيضحكوا؟! .. دول ناقص يقهقهوا بصوت عالي⸲ أنا عارفهم التلاتة وعارف سيرتهم⸲ واحد منهم كانت سيرته معروفة بالخير⸲ والإتنين التانيين كانوا عايشين طول حياتهم قافلين على نفسيهم .. بس حدانا في الفلاحين يا بيه .. الواحد منينا ما يعرفش يخبي دواخله كتير .. وزي مانت شايف يا بيه .. التلاتة وشوشهم منورة وبيضحكوا كأنهم رايحين يتصوروا عند مينا المصوراتي في المركز .. بذمتك يا بيه إنت مش شايفهم بيضحكوا؟

كلماته تستفزني كأنها إبرة طبية يغرسها في ذراعي لتحقنني بعقار الشجاعة⸲ لأول مرة منذ دخلتُ سيارته .. التفتُ إلى جيراني الأموات بكل رأسي .. جذعي ورقبتي⸲ إبتسامتان بإشراق خاص مضيء⸲ السائق الذكي عرف أنني أريد وجه الثالث لكي أتأكد .. لكي يزيد من لكماته الفنية إليّ .. لكمة فلسفية أخرى بالدليل الفج الذي لا يقبل فرضية حتى التفكير الجدلي لمناقشتها

وبكل الاحترافية كسائق ومُحاور صعب المراس .. يقدم دائماً دليله على صحة نظريته⸲ مد الرجل يده للمرآة الأمامية وأخذ يعدل من وضعها يميناً حتى تلتقط وجه جليسه الأيمن فيلتقطه بصري

وعندما انضبط الوضع المطلوب .. رأيت وجهه

يا الله .. الرجل وجهه يشع نوراً .. ضوء عجيب باحمرار متورد وابتسامة تختلف عن جيران مقعدي⸲ أكثر صفاءاً وطهارة⸲ تبدو لأي رائي عابر أن الرجل قد سمع نكتة ما قبل موته فظل يضحك عليها حتى الآن⸲ لابد أنه ذلك الرجل الصالح الذي ذكره في البداية

الأمر يتطور ولا أدري إن كان خيالاً أم واقعاً⸲ إبتسامات الثلاثة تتجمع وتتحول إلى قهقهات رنانة مجلجلة .. أسمعها جلية نقية واضحة⸲ تلك القهقهات التي كشفت عن المصير والمآل الأخير .. أو كما قالوا هي البعرة التي تدل على البعير

أفقت سريعاً من تلك اللحظة الميتافيزيقية على صوت داخلي يلكزني وينقر ضميري

(لابد أن أعترف لهذا السائق أنه هو الأستاذ وأني لست إلا تلميذ⸲ فقط أريد أن أتعلم منه وأستزيد⸲ لا أريد للوقت أن يمضي⸲ أريد أن أظل معه داخل سيارته مع تلك الصحبة الثلاثية .. أرتشف من علمه وكلما استعصت عليّ أي مقولة له⸲ فقط عليّ أن أنظر لوجوه رفقائي الثلاثة حتى أستوعب فلسفة الأستاذ⸲ لتمضِ يا أستاذنا في تلك الرحلة .. ولتطيل المسافة والزمن ولتزدني أكثر فأكثر)

سألته بعد أن فقدت السيطرة على لساني ولم يعد بيدي القدرة على إمساك لجامه

قل لي ياسطى .. إيه الفرق بين الحياة والموت؟يا بيه كل الناس مغفلين .. في غفلة يعني⸲ زي ما مولانا في الكُتّاب علمنا واحنا صغيرين⸲ كل حاجة في الدنيا زايلة وماحدش ضامنها ولا ضامن استمرارها .. إلا الموت جيّ جيّ وهيحصل هيحصل .. ورغم كده مافيش حد بيستعد ليه ولا عامل حسابه ولا بيفكر فيه أصلاً⸲ واللي بيفكر إنه يستعد له .. بس يكبّر في فلوس وأراضي ومواشي عشان يسيبها لعياله من بعده .. غبا يا بيه بعيد عنك⸲ مولانا في الكُتّاب كان بيقول لي دايماً .. يابني إفهم .. الدنيا مهما كسبت منها هتمر من عليهاوهتسيبها⸲ والآخرة مهما تعبت عشانها هتستقر فيها .. ف خُد من دنيتك دايماً لآخرتك .. يا بيه إحنا أموات بتتحرك في وقت ضايع⸲ الذكي مننا هو اللي يعرف إنه رايح يعيش في مكان تاني .. الوقت فيه لا بيخلص ولا بيتحسب⸲ إحنا دلوقتي أموات والناس فاكره إننا عايشين وبعد مانموت هنبقى عايشين والناس بغباؤهم هيفتكروا إننا ميتين

عندها .. أطاح الرجل بي تماماً بضربة قاضية قوية ولا أستطيع أن أتحمل أكثر⸲ مجرد التفكير في منازلته أو مقارعة حُجته

السائق أفحمني كأعظم فيلسوف⸲ وفلسفته تقهر أعتى من يتحداها⸲ ومعجزتها أنها سهل ممتنع وتصل لأبسط آدمي .. إلى العمق⸲ حتى تغرس جذورها .. بلا فكاك وتستقر للأبد

كأن كلماته توخزني لتذكرني بحكمة بليغة وقاعدة أصيلة .. تناسيناها كلنا⸲ بعثني قدري لأقابل هذا الرجل الآن .. فقط ليذكرني بها (نحن الآن أموات والجميع يظنون أننا أحياء⸲ بينما الأحياء الحقيقيون هم الأموات .. وللعجب وللأسف يطنونهم أموات)

ولأتيقن من مثالية هذا الأستاذ الفائق .. سألته:

وانت ياسطى سمعت كلام شيخ الكُتّاب⸲ يعني قدرت تاخد من دنيتك اللي يخليك تستريح في آخرتك؟باحاول يا بيه .. آديني باحاول⸲ أنا بارَكّب معايا ميتين .. كل مرة إتنين على الأقل عشان لو واحد منهم نص نص .. التاني يطلع كويس⸲ كل ما الشيطان ينسيني الفرق بين الحيا والموت .. أركبهم معايا .. زي ماتقول كده بيتكلموا معايا عشان يفكروني بالحقيقةحان الوقت لأمدح الرجل صراحةً⸲ ولأُقر له وأعترف بحكمته وعمق بصيرته- والله ياسطى أنا شايف إنك فهمت سر الموت أكتر من ناس كتير⸲ حتى الحانوتي نفسه مافهمش اللي انت فهمتهمعرفش أشتغل حانوتي يا بيهإزاي؟!! .. دا إنت بتتعامل مع الميتين تقريباً زي الحانوتي مابيعمل .. قصدي مابتهابش الموتلو اشتغلت حانوتي .. هاحس إن اللي قدامي ميت وأنا باجهزه⸲ لكن في شغلتي دي .. السكة والوقت اللي باقضيه معاهم من المستشفى لكوبري سبعة بتخليني أعرف أكلمهم .. أفهم منهم واضحك معاهم كمانتضحك معاهم؟؟!!طبعاً يا بيه .. الراجل الصالح اللي جنبي ده .. بذمتك إنت مش سامع ضحكه؟

بدأت أستشعر أن الرجل مجنون⸲ رغم أني مررت بذات ما يقوله الآن منذ دقائق

الرجل يميل على جاره كأنه يهمس له .. ثم يضحك ويقهقه بصوت عالٍ ويقول:

ماسمعتوش يا بيه؟! .. دا بيضحك وبيقهقه أهه⸲ حتى زمايله اللي ورا بيضحكوا

ثم يضع يده اليمنى وراء أذنه ويمسك عجلة القيادة باليسرى⸲ كأنه يسمع جيراني ثم يعيد الضحك والقهقهة بصوت أعلى ويقول (ماسمعتش يا بيه؟) .. ثم يقهقه ويقهقه ولم أعد أسمع سوى قهقهاته

قررت أن أعود بكل إرادتي وإصراري إلى حالة الميتافيزيقا التي مرت بي منذ قليل⸲ قررت أن أتخيل واقعاً سرمدياً وأن أوقع نفسي داخل خيال ربما يكون هو الحقيقة الواقعة دون أن أدري

قررت أنا الميت أن أشارك القهقهات مع الأحياء الذين ظنوا أنهم أموات .. لعلي أقتبس من روح حياتهم ما يجعلني مثلهم

وظللت أقهقه مع السائق بصوت مجلجل وأنا أسمع من بعيد قهقهات الثلاثة الآخرين تتهادى وتتنامى وتتعالى

وكأننا قررنا واتفقنا أن نضحك ونقهقه كلنا ككورال جماعي حتى نصل .. ويصل كل منا إلى مثواه الأخير أو قبل الأخير .. قررنا أن نضحك إلى أن تموت الضحكات.

وسوم: العدد 884