جاموقة وطن

معاذ عبد الرحمن الدرويش

شادي شاب يعيش في أمريكا منذ طفولته، يحمل الجنسية الأمريكية بالإضافة إلى جنسية والده السورية

رغم أنه لا يملك أي ذكريات في سورية لكنه كان يعشق سوريا كثيراً من خلال أحاديث والديه و بحثه و قراءته عن سوريا في الكتب .

هذا العشق دفعه لتعلم اللغة العربية و يتحدث بالفصحى و لا يجيد اللهجات العامية.

المهم بين يوم و ليلة هاجت الأشواق بالشاب و قرر أن يعانق الوطن و يقبل ترابه .

و بالفعل بين يوم و ليلة عزم أمره و حزم حقائبه، و قطع تذكرة طيران من أمريكا إلى دمشق.

و صل المطار كان يريد أن يعانق كل من في الصالة ،كان شارداً بوجوه الناس سارحاً، بأحلامه ماذا سيفعل أين سيقضي هذه الأيام و هي الأولى له في لقاء معشوقته سوريا، كان ينتظر بفارغ الصبر الخروج من صالة المطار لكي يعانق دمشق و يشتم رائحة ياسمينها .

فجأة صحا من شروده عندما صاح به أحدهم "هي هنت وين شارد وقف ع السوا بالدور"

إرتبك الشاب رغم أنه لم يفهم مفردات ما قاله ذلك الرجل لكنه عرف المقصود .

و عندما وصل إلى شرطي الجوازات و قدم جواز سفره السوري تفاجأ بأن الشرطي قال له "وقف على جنب"، و رفع الشرطي السماعة و تحدث مكالمة، بعد دقائق جاء ثلاثة رجال شرطة و أخذوا شادي.

تم زج شادي بسيارة شرطة و تم تسليمه لفرع الشرطة العسكرية و من ثم الى مركز السوق للخدمة الإلزامية في اليوم التالي لكي يتم فرزه.

و لحسن حظ شادي جاء فرزه على القوات الخاصة في مركز الدريج في دمشق.

مركز الدريج سيء السيط بين السوريين و الذي يتعامل مع العساكر أسوء من معاملة المجرمين المحكومين مؤبد بالأشغال الشاقة، حيث الضرب بالكوابل و التطميس في الجاموقة ، و ما ادراك ما الجاموقة؟!.

و الركض عشرات الكيلو مترات يومياً أشباه عراة بالليل و النهار و الكوابل بالمرصاد لكل من يتخلف عن الركب.

لا ليلهم ليل و لا نهارهم نهار.

في مساء اليوم الأول ذهب شادي الى الضابط المناوب

صرخ الضابط يا رقيب علي ... تعال خود هالكر و بدي اياك تشوفيه نجوم الضهر

منشان يتصل بأهله عبر الاقمار الصناعية.

ياخذ الرقيب علي شادي... إشلاح بالشورت ولاك

و يبقى يعاقبه لأكثر من ساعتين بالوحل و الطين و التدحرج على الأشواك.

مرت عدة أيام و شادي لا ليله ليل و لا نهاره نهار من العذاب و الذل و الإهانة .

لم يستطع شادي تحمل تلك المعاملة الحيوانية، و أصيب بأزمة نفسية حادة، و كاد يفقد عقله، و عندما ساءت حالته نهائياً تم نقله إلى المستشفى.

في هذه الفترة كان والداه قد أجريا عدة إتصالات مع القنصلية الأمريكية في دمشق، و قد تم معرفة مكانه،

و بعد الضغوطات من قبل القنصلية الأمريكية، تم نقل شادي من مركز الدريج للقوات الخاصة إلى مركز الخدمات الطبية و الذي يعتبر مركزا جيدا مقارنة مع مركز الدريج.

تحسنت حالة شادي قليلاً وتم إرساله إلى مركز الخدمات الطبية ليكمل خدمة العلم "تبع بيت الأسد".

أخذ شادي الصعداء و بدأ يستعيد وعيه ، و بدأ يحكي لرفاقه قصة معاناته في الدريج.

و بدأ يؤلف القصائد و يكتب مذكراته المؤلمة في وطنه و الذي لطالما حلم باللقاء به.

و من النكات التي كان يقولها شادي، إذا سأله أحدهم :

يقول شادي بلغته العربية الفصحى:

شادي يقول عندما أعود إلى أمريكا سأكتب في وصيتي لأولادي و أحفادي إياكم أن تذهبوا الى سوريا

أحبوها من بعيد.

و ساكتب رواية بعنوان "جاموقة وطن"

........

الجاموقة : حفرة تجميع أوساخ الحمامات و المطابخ.... أكرمكم الله

................

هامش:

أعتقد أن شادي عرف بعد الثورة أن سوريا التي زارها هي سوريا المغتصبة و ليست سوريا الحقيقية

زار دمشق الفسد و لم يلتق بدمشق الياسمين.

وسوم: العدد 903