الدقيقة الأولى

عبد الله عبد الرحيم

هي التي تلت الدقائق العشرةَ عندما سحبتني عيناي لأُريحهما على الوِسادةِ قُبيلَ قدوم الطبيب، حتى اكون مستعداً لأفعل ما يقولهُ، خصوصاً انهما لم تغمضا منذُ ليلتين تقريباً.

عشرُ دقائق كانت كفيلةً بأن تَمزِجَ الواقعَ المُنهكَ بالأملِ الذي أبحثُ عنهُ دائماً عندما يأسرني النوم.

صوتُ خطواتِ أخي المسرعِ إلى غرفتي بعثرَ الأمل، وصوتُ حنجُرتهِ المرتجفِ أعادني إلى الواقعِ المنهكِ عندما قال:

*" اخي ابي قد مات"*

بدأت الدقيقة الأولى بعد هذه الجملةِ مباشرةً...

كم كان الطريقُ طويلاً لأصل إلى الغرفةِ الأخرى، التي استقبلتني فيها أعينُ الطبيبِ وشفاههُ بقول:

*" البقاء لله"*

بين الحروفِ المُبعثرة رد لساني قائلاً:  "إنا لله وإنا إليه راجعون"

شعرتُ أنني ولساني شيئين منفصلين كأن لم نلتقِ من قبلُ ابداً.

"أنا المشتتُ" دنوتُ من وجهِ أبي أتحسسهُ أريدُ أن أوقظهُ لانه نائم! سينهضُ حالاً عندما أُقبلُ وجههُ.. هكذا عوّدني، ولساني ما زالَ غير آبهٍ بي.. ويرددُ: إنا لله وإنا إليه راجعون.

صوتٌ من أعماقي لم يسمعه غيري يصرخُ قائلاً: أبي أبي قُم يا أبي استيقظ يا أبي.. ولساني ما زالَ منفصلاً عني ويرددُ: إنا لله وإنا إليه راجعون.

بينما كانَ "أنا المُشتتُ" و"لساني المُردِدُ" يتصارعان، جائني "أنا الموقِنُ" وقال: إن الموتَ حقٌ والكلُ ذائقهُ..

رد "أنا المُشتتُ" : نعم نعم ولكنَ أبي لم يمت بعد.. إنهُ نائم..

واستمر لساني يُردِدُ: إنا لله وإنا إليه راجعون.

الدقيقةُ الأولى طويلةٌ جداً لدرجة أنها كانت كافية *لأشتاقَ لأبي

وسوم: العدد 908