نزاريَّاتٌ: من شمائل الدكتور نزار بطل

د. محمد الخليلي

(1)

كان الجو مفعماً بحرارة التواصل الأسري، وكل واحد من جواهر عِقد الأسرة المنتظمة في عيد الفطر السعيد يدبِّج كلماته العذبة ليزيد من رونق العيد المتأنق، ويطري على من هو حاضر في هذا المجلس المخملي.... كيف لا وهو يوم تُتوج فيه عبادة الصوم العظيمة بُعيد رمضان الأكرم؟!

ولكنَّ نزاراً بنفسه الرضيَّة، وروحه الشفيف، وبُعيد أن قبَّل الصغار يدي الكبار –كما هو معهود في المناسبات- انكبَّ على يدي زوج بنته يقبِّلهما، والكلُّ مشدوه لفعلته الغريبة!

- عمَّاهُ ماذا تفعل؟ أستغفر الله؛ فأنا من يجب أن يقبِّل رجليك؟!

- بل أنت من صان شرفي، وحصَّنَ عرضي... ونسأت لي في أثري، ورعيت كريمتي حق الرعاية؛ فحقيقٌ عليَّ أن أقبِّل يديك...... وانخرط الاثنان في جوقة نشيج....

(2)

(3)

...غادر أبو محمد الغرفة لستِّ دقائق، ثم قفل راجعا ومعه بناته كلُّهنَّ، وقال يا حجة أم غسان: "هؤلاء بناتي، فلتتخيري؛ ما يطيب لكم"!!

...أُسقط في يدها ، وذهلت من روعة ما سمعت، وتلجلج لسانها ، وحارت جوابا!

...... تناهى إلى سمع بعض الطُفيليين الكاشحين قيلة أبي محمد ، وانتشر الخبر بين الناس؛ فقال بعض العذال: "إنما يريد الدكتور أن يبيع بندوره، ويكأنه لا يفلح المتقون"....و قال الذين يريدون وجه الله: "لم يك ذلك بدعا من المؤمنين ؛ فقد فعلها نبي الله شعيب مع كليم الله موسى!!

(4)

   كانت بهجة العيد تغمر المكان، وقد جلس الأطباء في منزل الدكتور أبي محمد مهنئين بعيد الأضحى المبارك، وأحبوا أن يطروا عليه بما يحمل بين جنبيه من نفس رضيَّة وسلامة طويَّة....و بُعيد أن أنهى الطبيب الزميل مديحه، وشرع الثاني بالإطراء، هتف بهم: ناشدتكم الرحم أن تكفوا، ولا تقصموا ظهري.... فنظروا إليه جميعا وقد اخضلَّت لحيته البيضاء بجمان عينيه، وهو يردد قيل الرسول صلى الله عليه وسلم: " اللهم لا تُؤاخذني بما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون، واجعلني خيرًا مما يظنون" .... فبكى ، وبكى كل الحاضرين، ثمَّ طَفِقَ يردد بيتي الإمام الشافعي رضي الله عنه:

أُحِبُّ الصالِحينَ وَلَستُ مِنهُم

لَعَلّي أَن أَنالَ بِهِم شَفاعَه

وَأَكرَهُ مَن تِجارَتُهُ المَعاصي

وَلَو كُنّا سَواءً في البِضاعَه

وانفضَّ المجلس عن جوقة عناق ممزوجة بماء العيون!!

(5)

-لقد تأخرتَ يا دكتور عن موعد العيادة، والقاعة مُلئت بالمراجعين، وبعضهم كاد يرجع لولا أنْ صبَّرتُهم، قالت الممرضة.

-عفوا؛ فقد شغلتني بعض المهام التي أقضيها يوميا عن الموعد الصباحي للكشف على المرضى.

-وماذا عسى يكون شغل يؤخر الطبيب عن مرضاه؟!

- سأقص عليك نبأه بُعيد أن ننتهي من المعالجات...............

- أي بُنيَّة: أصحو قبيل الفجر لركعتين، ثم أوقظ زوجي وأولادي؛ فمن أدرك معي ركعتين نفلا، فنعمَّا، ومن لم، ففرض أن يقوم لركعتي فجره... ثم نتلو جزءً من القرآن، فإذا ما شعشعت الغزالة أدينا الضحى تنقلا.... ثم يبدأ الأولاد بالذهاب إلى المدارس والجامعات؛ فأعين من يلزمه مساعدة... ثم تأخذني سَنَة قيلولة.. ثم أنسلُّ من مهجعي كي لا تستيقظ زوجي، وأعد إفطارا خفيفا؛ لنتناوله معا؛ فأنطلق إلى صبيحةٍ لا بد أن يكون فيها صلة رحم... وصدقة... ومعونة محتاج وووووو... واليوم كان البرنامج حافلا ؛ فتأخرت عنكم.

-أيُّ خيرٍ أنتَ؟!

-كان الصِّدِّيقُ عبد الله بن أبي قحافة يفعل تلكم المكرمات قُبيل صلاة الفجر، أما نحن فكسالى؛ فقد نؤديها بُعيد الضحى، لقد فسد الزمان يا بُنيَّتي!!

نزاريَّاتٌ

(6)

حَمْدَلَةٌ

قيل له لقد مات صهرك

فقال: الحمد لله

،ثم قيل له تُوفي الثاني

فقالَ الحمدُ لله والشكرُ لله

،،ثم قيل له قضى ابنك الأصغر

فقالَ: الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه

،،،فقيل له: قد استُشهد الثاني: فحَمِدَ واسترجع

.......ثم استُشهد حفيدان له بعد مماته، وصهرٌ ثالثٌ؛ فحَمِد آلُهُ واسترجعوا؛ فقد ورثوا منه قوله: "اللهم لك الحمد حمدا لا سخط بعده"

؛ فأمر الله ملائكه أن يبنوا لعبده بيتا في الجنة، ويسموه بيتَ الحمد

وسوم: العدد 959