اللهُ أكبر

د. محمد الخليلي

لا تركبْ يا أبتِ البحر

أنا لا أخشى المخاضات

إني مشفق عليك، وأخافك أن يبتلعك اليمُّ

بل إني لسبَّاح ماهر

إذا غضب البحر~ فسيلتقمك ومن معك

ألم تر يا بنيَّ ألاَّ مُقام لنا في هذا البلد؛ فأرزاقه محدودة؟

لو عشنا على كسرة خبز ~ وشربة ماء خير لنا من أن تجازف في هجرة جديدة غير شرعية عبر امتطاء البحار~ ثم تجلس ما شاء الله لك أن تجلس~فنمسي نحن أبناءك في غربتين ~ ويكفينا في هذا البلد الذي أضاف هجرتنا أننا نسمع الأذان خمس مرات في يوم وليلة

مضطر

ولكننا قد نفقدك

سأتوكل على الله

كانت الأمواج العاتية تزمجر كالجبال ~ وهم على قارب مطاطي يحتمل عشرة في الوضع الطبيعي،، ولكن جشع المهربين اضَّطرهم لتحميل ثلاثة وثلاثين ~

إن النتن الذي تفرزه آباط الأفارقة المهاجرين على الزورق التهريبي ~ من شدة التصاق الأجساد بعضها ببعض جعلت ناجي يتقيؤ غير مرة وهو على ظهر هذا القارب المطاطي البغيض.

ناجي هزيل الجسم، لا يتجاوز وزنه تسعة وخمسين كيلوجراما، وعضلاته شبه ضامرة؛ فتراه يُعتصر بين العضلات المفتولة السوداء، ولو أن قارورات وُجدت مع الأفارقة لعبؤوه بها.

وهي تجري بهم في موج كالجبال~ كان لا بد أن يستهم السود؛ كيما يخففوا من وطأة الوزن على هذا القارب المسكين، ولو أن القسمة كانت عادلة لا اختاروا أسمر يزيد عن مئة كيلوجرام منهم؛ فيحفف وطأة زيادة وزن عن سفين يئنُّ بسوادهم، ولكنها كانت قسمة ضيزى؛ فقد دارت عيونهم على خمس من المشارقة ذوي البشرة الفاتحة.

شعر ناجي بالاختناق غير مرة ~ وكم ذا تشهد ظانَّاً أن عزريل قد وفد~~ وبالفعل فقد ابتلع اليم ثلاثة من المهاجرين غير الشرعيين الذين تراموا ليحصلوا على الجنسية الغربية التي هي جنه دنياهم.

لم يشعر ناجي إلا وصاحبه الذي يئن من الونى بجانبه يُمرَضان في مركز إسعاف؛ فقد انتشلتهم قوات خفر السواحل الليبية~~ وكُتبت لهم حياة شقاء جديدة~~~ أما الثلاثة الآخرون ؛ فقد كانوا طعاما لقرش أو هامور.... يا لربك لقد هربوا من هوامير البر؛؛ فالتقمتهم هوامير البحر.... كم هي حياة تعج بالمفترسات!!

تذكر ناجي، والمسعفون يقومون بعملهم خير قيام من ضرب وشتم، كيف نجَّى الله نبيَّه يونس~~ ولكنْ ما من يقطين.

بُعيد الانتهاء من الإسعافات الأولية العزرائيلية ، كان الترحيل إلى بلد المنشأ.

وفي المطار عندما سمع ناجي تكبيرات أذان الظهر يصدح في جنبات صالة مطار عمّان الدولي ... خرَّ مغشيَّاً عليه من شدة الفرح؛ متذكرا قيا ابنه اليافع عن نعمة سماع الأذان خمس مرات يوميَّاً.

وسوم: العدد 982