ماضي

عبد القادر رالة

بتلك الطريقة التقيت ذلك الرجل ، وقبلتُ دعوته ، ثم جالسته في المقهى نصف يوم كامل . حديثنا كان عادياً ،إذ كان هو يتحدث وأنا أنصتُ ...

لم تتجاوز مهمتي أن أستمع اليه باهتمام ، حتى أني اندهشت فيما بعد ، كيف استمتعتُ بحديثه وأنا لا أعرفه؟ ...

تحدثَ عن نفسه ؛ عن جزء من ماضيه المهني ، فقارن متأسفاً ، الماضي الجميل والحاضر المتعب! هذا الحاضر الذّي كان بالنسبة له في يوم ما مستقبل مشرق مليء بالآمال !

لم أعلق ْ ، ولا أعرف لماذا يحزن ، فهو إنسان متقاعد ، وأولاده كلهم ناجحون ، كما أخبرني ، معلم لغة فرنسية في المدرسة الابتدائية ، وأستاذ في الثانوية ، وممرضة في المركز الصحي ، فأي سعادة أجمل من أن يكون أولادك ناجحون ، فلا تقلق لأجلهم!

بدأ العمل قبل أن أُولد أنا بسنوات. مهنته الأولى كانت سائق شاحنة ، وإنه يتذّكر جيداً بأنه تحصل على ثمانين نقطة من مئة في تربص الشاحنات العملاقة بمدينة سيدي بلعباس ، وتحدُث فأسهب في وصف البارك الّذي أجرى به التربص ، والمركبات العملاقة والسائقون الذّين قدموا من كل الولايات ...

كان محط احترام الجميع واهتمام مسئوليه فبدأ يترقى حتى صار مسئولا على الورشة !

قال مفتخراً بأنه كان إنساناً حازّماً لكن رحيماً شفوقاً!

تغيب أحد العمال فأغضبه ذلك كثيرا لأنه لم يملأ استمارة طلب إجازّة ، وبعد ثلاث أيام جاءه باكياً بأن ابنته الصغيرة مريضة وقد أدخلها المستشفى فأشفق عليه فاكتفى بإنذار شفاهي بدون خصم ، لكن اشترط عليه بأن يقول لزملائه العمال بأنه عُنف ، أُنذر وخُصم من أجرته بل وهُدد بالتوقيف ...

و قال ذلك العامل ما طُلب منه ، فتأكد للجميع أنه ذو حزم وتسيير قوي! و إن انتقدوه في مجالسهم الخاصة بأنه عديم الرحمة لأنه لم يرحمْ أبا ابنته ترقد في المستشفى!

ثم ما لبث أن غير الحديث ، فتكلم عن أخته التي حاولتْ أن تنتحرْ ... خطبها شاب طيب وذو أخلاق ، فوافقتْ وزُفت اليه ، لكنها سرعان ما كرهت ْ العيش معه بسبب تدخلْ والديه في شؤونها الخاصة وطلبتْ الطلاق ورفض أبوه وأمرها بأن تصبر فالزواج ليس حب فقط وإنما أيضا صبر ، لكنها تمسكتْ برأيها ، بل إنها حاولت الانتحار بأن تناولت أقراص دواء ، وكادت أن تهلك ، لو لا أن حملها أبوها الى المستشفى وجاءت الشرطة بأسئلتها الروتينية ... فاضطرَ الأب للموافقة على الطلاق، خوفا عليها من الانتحار ولغط سكان المدينة ...

وتحدث عن كرة القدم ، حديثا طويلاً ،عن الأمجاد التي صنعها فريقنا المحلي ، إذ تبجّجَ بأنه كان أهم مشجعيه ...

وسوم: العدد 1024