الإخوان المسلمون .. عن .. الشراكة الوطنية .. والمنطقة الآمنة .. وأمور أخرى

زهير سالم*

أثار البيان الذي أصدرته جماعة الإخوان المسلمين عن المنطقة الآمنة في الشمال السوري ، وعن شروط أمنها والأدوار الدولية المرفوضة والمطلوبة فيها ، وكذا عن أهمية دور الثورة السورية .. ردودَ فعل متباينة ومتكاثرة على الساحة الوطنية السورية ..

تفهم بعض أولي الرأي البيان وضرورته والباعث عليه والحاجة إليه . وغاب وجه الحكمة عن آخرين فقالوا أو تقولوا فكشفوا فيما قالوا وتقولوا عن ثغرات في ثقافتهم الاجتماعية وفي ثقافتهم السياسية وفي فهمهم لمبادئ العمل السياسي والشراكة الوطنية .. ليس كل من تخالفه الرأي خائن وعميل للامبريالية والصهيونية ... اصح يا صاح !!

وإنما أسقط بعض النخب من أعين الناس هذا الاستعلاء والادعاء والأستذة على الناس !!

 إن الدرس الأول في العمل السياسي ، الدرس الذي لا يغيب عن الوطنيين الأصلاء ، أن الاختلاف في تقدير المواقف السياسية أصل . وأنه أي الاختلاف حق .. ، شرطه أن يعرف صاحبه كيف يخالف ، وإلى أين ينتهي به سقف الاختلاف . فلا تكفير ولا تخوين ولا تهوين بين المتخالفين . وأقصى ما قاله مسلم لمخالفيه على مستوى الدين : لكم دينكم ولي دين " . وأجمل ما قال : " قُل لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ."

يثير العجب أن تجد بعض الناس يتحدثون عن الوطنية وعن شراكتها وكأنها عباءة ورثوها عن آبائهم ، شأن بشار الأسد ، بل على الذي هو أقبح . فيبسطونها على من شاؤوا ويقلصونها عمن شاؤوا وكأنهم أهلها والأحق بها دون المواطنين أجمعين ، وفي عنوانها أوضح الدلالة على حقيقتها ..!!

إن ألفباء الشراكة الوطنية أن السهم فيها ، سهم يكتسبه كل مواطن مع لحظة ولادته. لا يمنحه إياه أحد ولا ينزعه عن صاحبه أحد . إن ما يخرج الإنسان من دائرة الشراكة الوطنية فقط هو نكرانه لحق الآخرين فيها . وهو ما تفعله الزمرة الأسدية وظلها وتظلها في الحياة السياسية السورية منذ نصف قرن.

 وحين يقصر عقل البعض أو فهمهم أو تقتضيهم مصالحهم الشخصية والفئوية ، أن يضيقوا هذا الرحب الوطني السابغ بكلمات تدعي الغيرة على الوطن ، والتخوف على السيادة الوطنية ، وقاموس معجم الادعاءات الكاذبة التي مجها شعبنا بعد أن ملها من الأفواه الأسدية ..فلا نملك أن نقول لمثل هؤلاء إلا : أولى لكم فأولى ..ثم أولى لكم فأولى.. وإنها لدعوة عريضة أن يدعي الفرد أو الفئة أنه مالك الوطن ، أو المتحكم في شراكته ، أو المهيمن على قراره أو على مواقف الشركاء فيه ، بله عن السيطرة على عقولهم وقلوبهم وضمائرهم ... دعوى نستعيذ بالله منها ونعيذ منها من كان في رأسه مسكة من عقل أو في قلبه بقية من يقين .

لقد كانت جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها ركنا ركينا في العمل الوطني . تجتمع على الخير العام مجلبة للمصالح مع كل من يمد للخير يدا ، وتنأى عن الشر الكالح درأ للمفاسد مع كل من خاف الشر وحذره ، وشواهد التاريخ أكثر من أن يحيط بها مقال .. ولعل هذه الشواهد تكون عنوانا لمقال قادم يؤصل ويفصل ويضع الحقائق بين يدي طلاب الحق من أولي الألباب ..

وظل سهم جماعة الإخوان المسلمين في قاعدتها الوطنية العريضة ممهورا بجهود قادتها ومؤسسيها ، حتى إذا وقعت سورية في قبضت الاستبداد مهرت الجماعة سهمها بدماء أبنائها وتضحياتهم وصبرهم ومصابرتهم . فأحقية الجماعة في سهمها الوطني لا يمن به عليه أحد ، كما أنها تأبى أن تمن على أحد في سهمه وفي حقه . ولكل قوم هاد .

والحقيق من أخلاق هذه الجماعة ونبلها أننا لا نرد على النكران بنكران ، ولا على الاتهام باتهام ، ولا على السفاهة بمثلها ، ونقول للذين سبقتهم ألسنتهم هونا ما على أنفسكم ، ونقول لصيادي الجوائز اذهبوا فاقبضوا جوائزكم ....

أما بيان جماعة الإخوان المسلمين عن المنطقة الآمنة ..

فقد صدر تعبيرا عن مصلحة وطنية عليا ، حقٌ للجماعة التعبير عنها . حقٌ لا يصادر حق الآخرين ، ولا يمنعه ، ولا يستهين به لو عبروا عن غيره ، ولا يتهمهم إن خالفوا . كما لا يمنع الجماعة من تأييد أي موقف جماعي سديد تقتنع بها لو بادر إلى ذلك من أمسك بزمام المبادرة .

بيان جماعة الإخوان المسلمين انطلق في لحظة زعم فيها الأمريكي أنه وشركاءه أولى بالمنطقة الآمنة ، وادعى فيها الروسي أن شرطته العسكرية أولى بالمنطقة الآمنة على الطريقة التي أمنت فيها هذه الشرطة شرق حلب والغوطة وحوران !!

وبدا فيها الظهير والجار التركي ، الذي ثبت خلال سني الثورة الطوال أنه الأقرب مودة للشعب السوري ، والأكثر حرصا على مصالح المستضعفين من السوريين يؤويهم ويحميهم ويرفق بهم ويدفع عنهم. ولا يمنع أن يكون كل ذلك على قاعدة المصالح المشتركة .. التي هي جزء من القاعدة الربانية في دفع الناس بعضهم ببعض .

لقد بني بيان جماعة الإخوان المسلمين على :

أولا – أن المنطقة الآمنة لن تكون آمنة في ظل الاحتلال الأمريكي وعملائه ..

ثانيا – أنها لن تكون آمنة في ظل الاحتلال الروسي بكل ما ارتكبه بحق السوريين ..

ثالثا – وأن المنطقة الآمنة لن تكون آمنة في ظل الاحتلال الإيراني المفضي إلى تسليم المنطقة للمستبد الأسدي ..

رابعا وركز البيان على أن حقائق التاريخ والجغرافيا والمشترك الحضاري ، والواقع الجيوسياسي ينشئ تحالفا استراتيجيا بين الشعب التركي والشعب السوري . تحالف يرتكز على الحضارة والتاريخ والثقافة والمصلحة المشتركة . ولا ينكر مدخلات هذا التحالف وآفاقه ومحدداته إلا قاصر أو مريب .

إن لوك الكلمات الجوفاء عن الوطنية والسيادة والاستقلال هي المضغة التي تلقفها البعض ممضوغة من فم بشار الأسد . بشار الأسد الذي لم يجد وضاعة وهو يمسك بخناق الدولة السورية أن يجلب إليها الروسي والإيراني ..ثم يدعي كما يدعون ، ويهذي كما يهذون .

إن الشعب السوري اليوم أحوج ما يكون إلى المنطقة الآمنة وبأوسع مدى من الجغرافيا والديمغرافية ..

المنطقة الآمنة التي لا تكون مدخلا لتقسيم فوحدة الأرض السورية والمجتمع السوري هي من مقدسات هذه الثورة ومحرماتها .

ورسالتنا إلى الجار التركي وإلى الشقيق التركي – وإن رغمت أنوف – هي أن هذه المنطقة لن تكون آمنة إلا بالتعاون بيننا على أسس وخلفيات قد لا ترتقي إلى أفقها الأبصار الكليلة للذين لا يبصرون .. !!

وقد أكد بيان الجماعة بكل الوضوح أن إقامة هذه المنطقة هي حق لهذا الجار بحكم الجيوسياسي وهي واجب عليه بحكم علائق الحضارة والثقافة ومقتضيات الغد القريب .

بيان جماعة الإخوان المسلمين فيما أقدر لم يكن رسالة إلى الجار التركي فقط وإنما كان أيضا رسالة لكل المحتلين الذين يزعمون أن بشار الأسد قد شرعن وجودهم على الأرض السورية ، أو أن قوتهم تعطيهم الحق أن يصادروا على الشعب السوري إرادته .. وأن يقسموا جغرافيته وديموغرافيته .

إن ادعاء الطهورية الوطنية الكاذبة هو نوع من التهرب من تحمل المسئولية التاريخية إزاء ما يجري على الوطن وعلى مواطنيه الحقيقيين. وإن من حق السوريين كل السوريين في محنتهم التي يعانون أن يطلبوا العون من كل الشرفاء الذين يحيطون بهم من عرب ومن مسلمين .

وإن جماعة الإخوان المسلمين في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ الأمة التي تنشب فيها الصراعات العربية – العربية ، والعربية الإقليمية لتحب أن تؤكد أنها فوق كل أشكال هذا الصراع . وأن ثلاثية خطوطها الحمر هي مع المستبد الأسدي وزمرته من شركاء حرب الإبادة تنفذ ضد الشعب السوري . ثم مع المشروع الصهيوني المحتل للأرض المهدد للوجود ، ثم الخط الأحمر الثالث مع المشروع الصفوي بأبعاده السياسية والمذهبية والاقتصادية ..

وحين يتوجه النداء للجار التركي في الشمال ، فإن هذا لا يغني عن جهود بقية الأشقاء على كل الجبهات الأخرى . فالمشهد السوري بحاجة إلى مؤازرة كل الأشقاء العرب الذين هم السند والحاضن والظهير . الأشقاء الذين ننتظر منهم أن يعتبروا التطبيع مع جزار سورية مهددا للقومي الأمني العربي كما التطبيع مع كل المجرمين والمحتلين .

كلمة أخيرة أختم بها هذا المقال أوجهها لهؤلاء الذين انطلقوا في حملتهم ضد جماعة الإخوان المسلمين على غير وعي وبلا ريث : لماذا بشار الأسد لم ينس في أي خطاب من خطاباته منذ انطلاقة هذه الثورة أن يوجه الاتهام إلى هذه الجماعة دون غيرها من قوى المعارضة السورية ، كما تفعلون أنتم تماما .. حذو القذة بالقذة كما تقول العرب .

هل هو لا يراهم ..

أو أنهم ... وكيف ينطق من في فمه ماء

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 815