قيادي إصلاحي: إن شعار "لا غزة ولا لبنان" هراء! والحرس الثوري لا أحد سوانا مخول بالتفاوض مع أميركا!!

د. نبيل العتوم

انتقد"محمد عطر يانفر" -وهو صحفي وسياسي إصلاحي إيراني، والذي يشغل حاليًا منصب رئيس "مجلس صنع السياسات" في صحيفة الشرق اليومية. وهو عضو في المديريتين التنفيذيتين لحزب كوادر البناء، وكان مستشارًا سياسيا كبيرًا للرئيس السابق هاشمي رفسنجاني والنائب السياسي لوزير الداخلية -شعار "لا غزة ولا لبنان" معتبرا هذا الشعار؛ مجرد هراء، وأنه لا فائدة منه حيث بات للاستهلاك المحلي فقط، وبموازاة ذلك أشارت صحيفة خراسان إلى أنّ هناك صوتًا واحدا في إيران يسعى للتفاوض مع الولايات المتحدة، وأن الشعب الإيراني لن يعطي مثل هذا التفويض لأي أحد سوى "الحرس الثوري".

هذه التسريبات تأتي بعد إعلان استعداد "دونالد ترامب" للتفاوض مع إيران. معتبرة أن تصريحات "ترامب" للقاء روحاني على هامش الأمم المتحدة لا تخرج عن أمرين؛ إما أن تكون دعاية انتخابية داخلية، وإما حربا نفسية تستهدف إيران وشعبها المقاوم.

والتسريبات على أشدها بدأت تتوارد من العاصمة" طهران" هذه الأيام تباعاً عن التفاوض مع الولايات المتحدة، ومن سيشرف على التفاوض معها، حيث بات الحوار عبر الإعلام الإيراني ساخناً جدًا، ولكن كالعادة يتم سماع آراء مكرّرة ومتناقضة، بل ومتضاربة لدرجة كبيرة من كلا الجانبين. فلا شك بأن الوضع اليوم مختلفا تمامًا عن الوضع في 2014 عندما تم التفاوض مع إدارة "أوباما" الأخيرة، حول الاتفاق النووي الذي تم إبرامه في حزيران من العام 2015م. بالنظر إلى الوضع الداخلي المشتعل في إيران، وبالنظر إلى المسافة الكبيرة الموجودة بين النظام والمجتمع الذي بدأ يطرح شعار محاسبة "لخامنئي" و"اتهام روحاني بالصهيوني" واعتبار شعار روحي فداء "لسوريا "و"فلسطين" و"غزه " مجرد هراء، وافتراء جهاراً نهاراً...

في الواقع، إن تكلفة هذه الضغوط الخارجية على إيران وبخاصة من الولايات المتحدة ستكون باهظة التكاليف على النظام الإيراني هذه المرّة، فقادة طهران يواسون أنفسهم، ويقولون: إنهم قد مرّوا في ظروف مشابهة في الماضي، لكنهم خرجوا منها منتصرين، واستطاعت بشكل أو بآخر التعامل معها من خلال المقاومة البطولية، وبذلك كانت تتمكن من الخروج بسلام من الأزمة ولكن يبدو أن ظروف الأزمة الجديدة مختلفة، وستكون تكلفتها عالية، ولا خيار أمامها سوى التفاوض والتنازل مرغمة.

الأوربيون كذلك مرتبكون، فمع بدء سريان العقوبات الأميركية؛ كثّفت دول الاتحاد الأوروبي من مساعيها لمواجهة الإجراءات الأمريكية. وحفاظا على الاتفاق النووي بين أوروبا وإيران؛ بادرت أوروبا إلى وضع سلسلة من القوانين، لحماية الشركات الأوروبية التي أبرمت عقودا مع إيران، لكن "دونالد ترامب" قال اليوم كردة فعل على هذا الإجراء الأوروبي": "إن كل من يتعامل مع إيران، لن يكون بمقدوره أن يتعامل مع أمريكا. مفوضة السياسة الخارجية الأوروبية "فدريكا موغريني" أدلت بدلوها وقالت: "إن دول الاتحاد الأوروبي قد فعلت قوانينها الرادعة، والتي تهدف إلى المحافظة على الشركات المتعاقدة مع إيران، وحمايتها من العقوبات الثانوية التي تقوم بها أمريكا خارج حدودها. نحن نعتقد أن مسألة مع من يتوجب على الأوروبيين أن يتاجروا؛ هي مرتبطة بالأوربيين أنفسهم، وليس لأي طرف القدرة على منعها ".

إن خروج هذه الشركات أو بقائها، وإجراءات الدول الأوروبية، لمواجهة العقوبات الأمريكية؛ تستطيع أن تحدد مستقبل العقوبات، ومدى تأثيرها. فقرارات دول الاتحاد الأوروبي المتمثلة بإغلاق الحسابات، أو اتخاذ إجراءات رادعة؛ قد تم تفعيلها، حيث وضعت هذه القرارات للمرة الأولى عام 1996م، وجاءت ردا على العقوبات الأمريكية العابرة للحدود التي استهدفت إيران، وليبيا، وكوبا، ولكن الأوروبيون والأمريكان تمكنوا في حينه من إبرام اتفاق سياسي، ولم تطبق القرارات الأوروبية آنذاك. والأوربيون يقولون: إن هناك مظلّة قانونية للشركات الأوروبية التي تريد متابعة أنشطتها التجارية مع إيران، إذ يمكن تجاهل العقوبات الأمريكية بناءً على هذه المظلة، وإن تضررت بعض الشركات الأوروبية من العقوبات؛ فإن من الواجب على الدول الأوربية أن تعوّض تلك الشركات التي تضرّرت. وفي جانب آخر من المظلة القانونية، هناك نصّ يلزم الشركات الأوروبية بعدم رعاية العقوبات الأمريكية، وأية شركة لا تنصاع لتلك العقوبات؛ سوف تدفع غرامة مالية. لكن هنا ينبغي التنويه، أنه تم تحديد الأشخاص التي تطالهم العقوبات بدقة؟  فالعقوبات ستشمل كل الأشخاص الأوروبيين الذين يحملون الجنسية الأوروبية ويقيمون في أوروبا.

وعلى سبيل المثال لا الحصر لو كان هناك شخص فرنسي أو بلجيكي مقيم في أمريكا يتوجب عليه احترام تلك القرارات. كما تنطبق هذه القرارات على الشركات المقيمة في دول الاتحاد الأوروبي، حتى لو كانت تلك الشركات شركات أوروبية. أما المسؤول عن تطبيق هذه القرارات، هي الدول الأوروبية الثمانية والعشرين التي تنطوي تحت مظلّة الاتحاد الأوروبي. وتقوم حكومات دول الاتحاد بالإشراف على حسن رعاية القرارات. وفيما لو تخلّف أحد عن تطبيق القرارات؛ تستطيع تلك الدول تغريمه؛ غرامة متناسبة ومؤثرة ورادعة.

ومن المستبعد أن تستطع هذه القرارات الأوروبية، الحد من تطبيق العقوبات والتخفيف من آثارها المحتملة على الاقتصاد الإيراني. حيث خلقت هذه القضية جوّا من التوتر والاضطراب، مما سيؤثر في المستقبل على نوايا الشركات الأوروبية بالاستثمار في الاقتصاد الإيراني، وسيثير لديهم علامات استفهام كثيرة أهمها هل هذا الاستثمار سيكون مجديا، وذا قيمة في ظل هذا التوتر الحاصل سواء على الصعيد الداخلي الإيراني، أم الخارجي، في الوقت الذي بات فيه الحوار مع واشنطن خياراً لا بديل عن؟!!!  مع تزايد حالة الإرباك الإيراني، والتي قد تؤدي إلى مواجهة عسكرية تعيد إيران إلى العهد الساساني؛ خاصة إذا ما ثبت تورّط طهران في هجمات أرامكو السعودية التي باتت تعتبر أحداث "سبتمبر" بنسخة شرق أوسطيه.

وسوم: العدد 842