حزب الشعب التركي ومؤتمره بشأن سورية

محمد فاروق الإمام

ما الذي دفع حزب الشعب الجمهوري التركي ليتحول من موقفه المحايد، إلى حد ما، تجاه القضية السورية؛ ليقف بقوة إلى جانب النظام في مواجهة المعارضة المُنكل بها من قبل هذا النظام السادي المتوحش، الذي حكم سورية لنحو خمسين سنة ولا يزال؛ بسوط جلاد لا يرحم؛ وبسطار عسكري أدار ظهره للعدو الصهيوني، وتسلق جدار السلطة غدراً وغيلة، ليفرض نموذجاً من الحكم القائم على القهر والإذلال وتبديد ثروات البلاد ونشر الفساد وتسليم البلاد للأعداء.

قد يكون هذا التحول الذي سلكه حزب الشعب الجمهوري مرده إلى حنين الحزب إلى السنين السالفة؛ عندما حكم تركيا بنفس المنهج والأسلوب الذي حكم ويحكم به آل الأسد سورية منذ العام 1970،

منتشياً بما حققه الحزب من بعض النجاحات في الانتخابات المحلية الأخيرة، فبدأ يتصرف تماشياً مع نهجه القديم تجاه القضية السورية.

حزب الشعب يصر في الوقت الحاضر على أنَّ الأسد يجب أن يشارك في عملية التوصُّل إلى حلٍّ في سورية، لذلك دعا الحزب ممثلي نظام الأسد لحضور مؤتمر عقده بشأن القضية السورية.

ونظراً إلى كل هذه الأسباب، فمن الضروري تقييم التحول الأخير في سياسة حزب الشعب الجمهوري في سورية من منظورٍ تاريخي، إذ نجد أنَّ السياسة المتغيرة لحزب الشعب الجمهوري دائماً تتحدَّد وفقاً لوضعه في الساحة السياسية الداخلية في تركيا. لذلك ينبغي ألَّا نُفاجَأ إذا رأينا مزيداً من التحولات في سياسة الحزب تجاه سورية.

لقد بحث المؤتمر أوضاع السوريين في دول الجوار، وكيفية تأمين التنسيق بين دمشق وعواصم الدول المجاورة، بهدف إيجاد حل للأزمة.

وقال كمال قليجدار أوغلو، زعيم الحزب: إن "الطريق بين أنقرة ودمشق هو أقصر طريق للسلام"، لافتا إلى ارتباط السلام في سورية مع الأمان في تركيا.

وأضاف قليجدار أوغلو، في كلمته خلال افتتاح المؤتمر: أن "الشعب السوري هو الوحيد الذي يمكن أن يقرر مستقبل بلاده"، معرباً عن رغبة حزبه في إعادة الصداقة وعلاقات حسن الجوار بين البلدين، يقصد الحكومة التركية التي يحلم بتشكيلها مع النظام السوري، في أقرب وقت ممكن.

وأوضح أن الحرب بسورية أوشكت على الانتهاء، وأن هناك أسئلة تنتظر الإجابة أمام أنقرة ودمشق وخطوات يجب اتخاذها نحو السلام.

وتابع قليجدار أوغلو: "نتمنى أن يساهم الدستور الجديد في ضمان التحول الديمقراطي في سورية، وأن ينير مستقبل الشعب السوري"، كأن قليجدار نسي أن سورية عاشت لسنين طويلة في ظل دستور راق يحترم المواطن وكرامته وإنسانيته؛ إلى أن تسلط آل الأسد على حكم البلاد وصنعوا دستوراً على مقاسهم يتماهي مع تطلعاتهم الطائفية وغير الإنسانية.

وانتقد قليجدار، السياسات التي اتبعتها الحكومة التركية حيال الأزمة السورية التي تحولت إلى "كارثة إنسانية كبرى على نطاق عالمي"، معتبرا ان سياسات الحكومة كانت خاطئة وأدت إلى "تصاعد الحريق المندلع لدى جارتنا، وهو ما أثر مباشرة على تركيا"، وكأن لسان حال قليجدار يعارض في فتح تركيا لأبوابها للفارين السوريين من موت محتم على يد النظام المجرم، ورفض مد يد العون للتخفيف عن مصاب سورية والسوريين.

ليس من العيب أو المحرم أن يكون هناك أحزاب معارضة للحزب الحاكم؛ فهذا من حق الجميع في دولة اختارت الأسلوب الديمقراطي كنظام متبع، ولكن من المعيب أن تسخر بعض هذه الأحزاب، ومنها حزب الشعب مأساة سورية وشعبها وما جرى عليها، من تقتيل وتهجير وتدمير في الصراعات الحزبية، وكان الأجدر بها أن تنافس الحزب الحاكم بما تقدمه وتطرحه من برامج اقتصادية وتنافس إنساني لدعم الشعب السوري المكلوم، في مواجهة حكم سادي لا يحسن إلا القتل والتدمير والتهجير.

وحيال ما قام به حزب الشعب من عقد مؤتمر بشأن القضية السورية يتصادم مع توجهات الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي يوجه سياسة البلاد منذ أكثر من عشرين سنة، حقق خلالها أحلام الأتراك وأمانيهم في قفزة خلاقة؛ حولت تركيا من بلد متخلف ودولة نامية وفقيرة؛ وتحمل على كاهلها مديونية ثقيلة؛ إلى بلد متطور؛ ودولة تسابق الدول المتقدمة في الصناعة والزراعة والصحة والتعليم والتكنولوجيا، ورصيد من الذهب والعملة الصعبة يضاهي ما لدى الدول الكبرى والغنية بثرواتها؛ ولتتحول من دولة مدينة إلى دولة دائنة، ولتحتل مقعداً متقدماً بين الدول العشرين الأولى في العالم.

أقول حيال ما قام به حزب الشعب المعارض بكل حرية ودون أية مضايقة من الحزب الحاكم، إني لأجد نفسي أقف وأنا أرفع القبعة لحزب العدالة والتنمية، وللحكومة التركية وقائدها رجب طيب أردوغان، وهم يجسّدون المعاني الحقيقية للديمقراطية واحترام الإنسان وحقوقه في ربوع تركيا، مُكبراً فيهم هذا السلوك الإنساني الشفاف الراقي، الذي تفتقده حتى تلك الدول ذات التاريخ العريق بالديمقراطية.

أخيراً أتوجه بكلامي إلى قادة حزب الشعب لأنبه أن ما تم في سورية أمر يفوق الخيال، ولم يسجل التاريخ حالة شبيهة بما جرى ويجري في سورية، وأن ما جرى لم يكن أزمة بين نظام وشعبه بل انتفاضة وثورة شعبية تنشد التغيير السلمي والمتدرج، وقوبل من قبل النظام المجرم بالحديد والنار. لقد قدم السوريون مليون شهيد ونصف مليون سجين ومعتقل وسبعة ملايين نازح وثمانية ملاين مهجر إلى مختلف بقاع الأرض ثمناً، كي ينعموا بالحرية والكرامة الإنسانية وحق الحياة، ويصلوا إلى الحالة التي وصلت إليها تركيا وشعبها، دون قطرة دم تراق أو مواطن تركي بريء يُزج به في السجن أو المعتقل، أو تشريد أو نزوح أسرة واحدة، وتلك نعمة نغبط عليها تركيا وشعبها، ونتمنى أن نصل إليها بعد كل هذه الشلالات من الدم والقهر والعذاب والآلام.

وسوم: العدد 844