اللي اختشوا ماتوا

محمد فاروق الإمام

قلة من يعرف أسباب ذيوع المثل المصري الذي يقول: "اللي اختشوا ماتوا"، وللفائدة أقول: قيل المثل عندما أمر الحاكم العبيدي بمنع دخول النساء الحمامات العامة المخصصة لهم في القاهرة وفي مصر عامة، وكان صاحب مزاج متلون ومتقلب؛ وأحكام ما أنزل الله بها من سلطان، وتناهى إلى سمع الحاكم، عن طريق جواسيسه ومخبريه، أن هناك أحد الحمامات يستقبل النساء ليلاً، فأمر الحاكم بإحراق الحمام بمن فيه من النساء والأطفال الذين كانوا برفقة أهليهم، وعند اشتعال الحمام أخذت بعض النساء تفر عارية من الحمام لتنجو بنفسها، وهناك من فضلن منهن الموت على الخروج عارية، فلما تنادى الناس لنجدة نسائهم وأطفالهم من نيران الحمام المشتعل؛ لم يعثر البعض على نسائهم، فقد أتت عليهن النيران واحترقن، فقال الناس: "اللي اختشوا ماتوا".

وهذا المثل ينطبق على بعض أنظمة وحكومات الدول العربية التي أدانت تركيا ووصفت عمليتها في شمال سورية بأنها عدوان سافر على دولة عربية شقيقة.

فقد أدانت مصر، في بيان صادر عن وزارة الخارجية، العملية العسكرية التركية على الأراضي السورية. وجاء في البيان: أن "تلك الخطوة تُمثل اعتداءً صارخاً غير مقبول على سيادة دولة عربية شقيقة، استغلالاً للظروف التي تمر بها والتطورات الجارية، وبما يتنافى مع قواعد القانون الدولي". 

على صعيد متصل، ذكر التلفزيون السعودي، أن مصدراً مسؤولاً في وزارة الخارجية السعودية عبر عن إدانة المملكة لـ"العدوان" الذي يشنه الجيش التركي على مناطق شمال شرق سورية.

كما عبر المصدر عن "قلق المملكة تجاه ذلك العدوان بوصفه يمثل تهديداً للأمن والسلم الإقليمي".

وشدد المصدر على "ضرورة ضمان سلامة الشعب السوري الشقيق واستقرار سورية وسيادتها ووحدة أراضيها".

ونقلت وكالة الأنباء الكويتية، عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية، قوله إن الهجوم التركي يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة.

وطالب الأردن تركيا بوقف هجومها، و"حلّ جميع القضايا عبر الحوار وفي إطار الشرعية الدولية".

وفي اتصال هاتفي بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والرئيس العراقي برهم صالح قال الجانبان إن "العدوان التركي على سيادة وأراضي سورية يمثل تطورا خطيرا يهدد الأمن والسلم الدوليين ويفاقم الأوضاع المتأزمة في المنطقة، ويؤثر على وحدة سورية وسلامتها الإقليمية".

وفي بيان لها نددت وزارة الخارجية الإماراتية بالهجوم التركي وجاء فيه: إن "هذا العدوان يمثل تطوراً خطيراً واعتداءً صارخاً غير مقبول على سيادة دولة عربية شقيقة، بما يتنافى مع قواعد القانون الدولي، ويمثل تدخلاً صارخا في الشأن العربي". 

بدورها، نددت وزارة خارجية مملكة البحرين بالهجوم التركي، وذلك وفقاً لبيان نشرته وكالة الأنباء البحرينية.

أما الحكومة الجزائرية فعبرت عن رفضها للعملية العسكرية التركية في شمال سورية وطالبت باحترام سيادة الدولة السورية.

ودخلت الجامعة العربية على الخط وأدانت ما سمّته "التوغل التركي" في الأراضي السورية، فقد أكد السفير حسام زكي، الأمين العام المساعد بجامعة الدول العربية، "أن الجامعة تقف بوضوح ضد التحركات والأعمال العسكرية التي تقوم بها القوات التركية ضد سورية باعتبار أن هذه الأعمال تمس سيادة دولة عضو في جامعة الدول العربية وهي سورية".

أما الغرب فقد كانت ردّات فعل بعض دوله متفاوتة، ولكنه لم يصل إلى مستوى السفه الذي قامت به بعض الدول العربية، فقد وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العملية العسكرية التركية بأنها "فكرة سيئة".

في حين أعرب وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب عن "القلق العميق" إزاء الهجوم، وقال إنه "يهدد بزعزعة استقرار المنطقة، ومفاقمة المعاناة الإنسانية وتقويض التطور الحادث حيال التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية".

ودعا رئيس المفوضية الأوروبية، جون كلود يونكر، أنقرة إلى وقف حملتها العسكرية في سورية، قائلا إن الاتحاد الأوروبي لن يمول بناء أي "منطقة آمنة".

ودعت ألمانيا وبريطانيا وفرنسا إلى اجتماع عاجل لمجلس الأمن لعقد جلسة طارئة يناقش فيها ما قامت به تركيا من حملة على الأراضي السورية.

أما الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "ناتو" فقال إن تركيا لها مخاوف أمنية "مشروعة"، وإنه يتمنى أن تتحلى بضبط النفس في عمليتها العسكرية.

لعلّ هذا المسلسل المضحك من التنديدات التي تثير الاشمئزاز والقرف من هذه الدول التي تسمي نفسها شقيقة، ومن الدول التي تدعي أنها وأنظمتها وقوانينها حامية لحقوق الإنسان، لعلها تقف لمرة واحدة مع ما تدعيه وتصدق مع نفسها، فأين كانت هذه الدول والأنظمة مما جرى ويجري في سورية التي تبكي عليها اليوم، وتذرف دموع التماسيح عليها؟

أين كانت عندما صب نمرود الشام حمم الموت والدمار وغاز الكلور والسارين على الشعب السوري ومدنه وبلداته وقراه؟ وأين هي عندما جاءت ميليشيات الموت الشيعية الحاقدة من جميع بقاع الأرض التي دربها وسلحها الحرس الثوري الإيراني، والتي ترفع أكثر من خمسين راية تحت شعارات طائفية "لبيك يا حسين.. لبيك يا زينب"، والتي جاءت لتسفك دماء السوريين وتذبح أطفالهم وتبقر بطون نسائهم؟ وأين هي عندما جاء مجرم الحرب بوتين بكل ترسانته الجهنمية ليفعل في سورية ما لم يفعله نيرون بروما ولا هولاكو ببغداد؟ وأين هي عندما حصدت نيران مجرمي الحرب بوتين وخامنئي وحسن نصر اللات ونمرود الشام أرواح نحو مليون ونصف مليون سوري، وهجّرت ما يزيد على سبعة ملايين سوري، وفرضت النزوح على أكثر من ثمانية ملايين سوري من بلدانهم ومدنهم وقراهم إلى القفار والوديان والعراء، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، هرباً من براميل الموت الأسدية، وصواريخ بوتين الفسفورية والعنقودية والفراغية والانشطارية، وسكاكين المليشيات الطائفية الحاقدة؟

ليت هؤلاء الدجالون والمنافقون من دول عربية ودول تدعي صداقتها للشعب السوري، أن يتذكروا ما فعلته عصابات قوات سورية الديمقراطية (قسد) التي يذرفون الدموع عليها بسكان المناطق التي احتلتها، وهذه المناطق عربية بالكامل أو ذات أكثرية عربية:

مدينة الرقة نسبة العرب فيها أكثر من 93%، دير الزور العرب فيها 100%، الحسكة العرب فيها 80%، منبج العرب فيها أكثر من 94%، تل أبيض العرب فيها أكثر من 92%، تل رفعت العرب فيها 100%، وباقي المناطق خليط عرقي (أكراد وتركمان وجركس وآشوريين وصابئة ومسيحيين وكلدانيين)، وأن هذه الميليشيات الانفصالية هجّرت أكثر من مليون عربي من مناطق شرقي الفرات، وعشرات الآلاف من غربه، في حين مسحت العشرات من القرى المحيطة بهذه المدن عن وجه الأرض.

وهل يعلم هؤلاء الذين يذرفون دموعهم، أن الميليشيات الكردية قامت بتغيير معظم أسماء هذه المدن العربية، وفرضت على أهلها تعلم اللغة الكردية، كما فرضت عليهم التجنيد الإجباري، وساقتهم إلى جبهات القتال لمواجهة أهليهم العرب، ووضعت هذه الميليشيات صور الإرهابي أوجلان في كل ساحة من ساحات هذه المدن، رغم تصنيفه في كل المحافل الدولية كزعيم لمنظمة إرهابية، وهو مواطن تركي وليس سوري.

أذرفوا يا عرب اللسان من الدموع ما شئتم على عصابات قسد، فهذا لن يغير مسار الطريق الذي اختاره السوريون يداً بيد؛ مع أشقائهم الأتراك، الذين أثبتوا وعلى مدار سنوات تسع عجاف، أنهم الإخوة الحقيقين للسوريين، وقد فتحوا لنا صدرهم الحاني، وأنزلونا في بيوتهم ضيوف مكرمين تحت شعار المهاجرون والأنصار أشقاء، في حين أوصدتم الأبواب في وجوهنا، ورحّلتم حتى من كان يستوطن بلدانكم لسنين طويلة، قدموا خلالها عصارة فكرهم وعطائهم وجهدهم، ليعلموا أبناءكم؛ ويرفعوا من شأن دولكم في المحافل الدولية، بما كانوا يقدمونه من إبداع ومشورة ونصح، ثم تنكرتم لهم وأدرتم لهم ظهر المجن وطردتموهم، لينضموا إلى إخوانهم في تركيا التي رحبت بهم وأكرمتهم.

وسوم: العدد 847