لماذا يتطاول دواعش العلمانيّة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في ذكرى ‏مولده؟!‏

•  المسكُ فاح

الخنفساءُ السَّوداء قبيحةُ المنظر، نتنة الرائحة، إذا وُضِعَت في باقة الورد والزهر تختنق ‏وتموت، ولا تنتعش إلا إذا وضعت في كومة سِباخٍ وقاذوراتٍ، ولا تعيشُ إلا في قلب ‏النَّتنِ والرائحة الكريهة.‏

هكذا هو صنفٌ مِن النّاس لا يستطيعُ أن يعيشَ في رحيقِ السموّ ويخنقه عبيرُ الطّهر، ‏ولا يحيا إلا في مستنقع الانحرافِ ولا يستنشقُ غير نتنِ الشّذوذ. ‏

يخنقهُ المسكُ إن فاحَ في الأرجاء، وتضوّع في هذه الدّنيا، ولذلك تراهم مع كلّ ذكرى ‏يحتفلُ فيها المسلمون برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويعبّرون عن بالغ حبّهم له، ‏ويملؤون المواقع والصّفحات بما يعبّر عن شوقهم لسيّدهم ونبيّهم وحبيبهم صلّى الله عليه ‏وسلّم؛ فإنَّ عددًا من أقلامهم التي يخنقها هذا العبيرُ الفوّاح سرعان ما تنفثُ سمومها ‏وأحقادَها عبر التّطاول على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت ستارٍ بائسٍ من النّقد ‏الفكريّ والتّقييم الثّقافيّ. ‏

•  سياسة "التبوّل في بئرِ زمزم"‏

يذكرُ ابنُ الجوزيّ في المنتظم: "بينما الحُجّاجُ يطُوفون بالكعبةِ ويغرفُون الماءَ من بئرِ ‏زمزمٍ، إذ قامَ أعرابيٌّ فحسَرَ عن ثوبه، ثمّ بالَ في البئرِ والنّاسُ ينظُرون!‏

‏ فما كانَ منهم إلا أن انهَالُوا عليه بالضّربِ حتى كادَ يموت، فخلّصه حُرّاسُ الحَرَمِ منهم ‏وجاؤوا به إلى أمير مكّة فقال له: قبّحَكَ الله، لِمَ فعلتَ هذا؟!‏

‏ فقال: حتى يعرفني النّاسُ فيقولون هذا الذي بالَ في بئرِ زمزم"!‏

هذا ما فعله تمامًا أحد الكتّاب والنّشطاء المحسوبين على الثّورة السّوريّة والذي يقدّم ‏‏نفسه مثقّفًا من شريحة النّخبة الثّوريّة من عرينه الذي يقبع فيه في واشنطن إذ نشر في ‏‏ذكرى المولد النبويّ يشبّه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ببشّار الأسد؛ فيقول:‏

‏"بشار الأسد خوّن كل من لم يؤمن بحكمه وفكر البعث، وتوعّدهم بالعذاب والعقاب، ‏‏وأرسل لهم جيشه، وغزا ديارهم، ودمّر بيوتهم، وعفّش أرزاقهم، وقتلهم، ويتّم أطفالهم، ‏‏واغتصب نساءهم، وأخضع الباقين منهم بالقوة؛ إما يقبلوا به ويهتفوا له ولو قهرًا، أو ‏‏يفعل بهم كما فعل بالآخرين.‏

لكنه رغم ذلك حنون كريم معطاء مع أتباعه وأصدقائه وشبيحته، ووعدهم بالجنان ‏‏والرزق والنساء، وأعطاهم إياها فعلًا على حياة عينهم ولم يؤجلها، وبارك كل ما فعلوه ‏‏في القرى والمدن السورية، وكرّمهم، كما أنّ جميع من حوله يؤكّدون أنه لطيف المعشر، ‏‏وهو يظهر فعلًا في كل لقاءاته متبسّمًا ودودًا متواضعًا.‏

ورأيناه يزور جرحى الجيش في بيوتهم المتواضعة، ويأكل من طعامهم ويشرب من ‏‏شرابهم.‏

‏ كما أن له مقولات مشهودة ومثبتة في الأخلاق والكرامة والحقوق، وهو أيضًا ودود ‏‏مع زوجته وأطفاله، ويحبهم كثيرًا، ووقت يكون رايق بيحكي كلام زي العسل بنفس ‏‏الوقت الذي يأمر فيه طائراته بتدمير بيوت الناس فوق رؤوسهم. ‏

تعالوا لنقتدي به ونحتفل بعيد مولده في كلّ عام!!"‏

إنّه داء الرّغبة في الشّهرة الذي يدفع هؤلاء إلى سلوك سياسة معارضة النّاس والإساءة ‏لهم حين يكونون في أشدّ حالات إقبالهم على فكرةٍ أو شخص فسرعان ما يقتنصون ‏الفكرة للظّهور كحال هذا الأعرابيّ؛ فيشمّرون ويقذفون دنسهم في البئر الزلال حتّى إذا ‏رأوا غضبة النّاس علت أصواتهم بالتّباكي على حريّة الرّأي والتّعبير.‏

وهذا الكلام الذي يردّده العديدون من دواعش العلمانيّة ويمثّل هذا "النّاشط الثّوريّ" ‏نموذجًا فجًّا لهم لا يعدو كونه انتهاج لسياسة التبوّل في زمزم لإثارة غضب النّاس ‏وسخطهم بغية الانتشار والاشتهار والإشارة إليه بالبنان.‏

•  التّباكي على حريّة التّعبير

وما إن يحقّق هذا النّموذج شهوته في أن يُشارَ إليه بالبنان، ويغضب النّاس لأجلّ نبيّهم ‏وأسوتهم ويعبّرون عن غضبهم ويهاجمونه بسبب تطاوله على رسول الله صلّى الله عليه ‏وسلّم فإنّه يرفع على الفور راية الدّفاع عن حريّة التعبير ويتباكى على قمع الحرّيات ‏الذي يعانيه من المسلمين وغياب النّقاش الفكريّ لما يطرحه!!‏

وهذه شعارات رنّانة يمتطيها هؤلاء من أجل تبرير هجومهم على مقدّسات المسلمين ‏ومنها التّطاول على حبيبهم محمّد صلّى الله عليه وسلّم.‏

وهنا لا بدّ من تجديد التّأكيد على الدّوام بأنَّ هناك فرقًا كبيرًا وبونًا شاسعًا بين حريّة ‏التعبير وبين حريّة السبّ والشّتم والسّخرية والاستهزاء.‏

إنَّ التّطاول على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتشبيهه بالمجرم بشّار الأسد لا يمكن أن ‏يندرج تحت لافتة حريّة التّعبير؛ بل هو إغراق في الإسفاف والابتذال والتّشهير الذي لا ‏يرتضيه أحد سواء أكان شخصًا أو مؤسّسة أو دولة بحقّ رموزه ومقدّساته.‏

وهذه الاستهانة بمشاعر المسلمين في السخرية والإساءة المباشرة لأعظم شخصيّة ‏عندهم على الإطلاق ليست سوى جريمة أخلاقيّة وفكريّة تستوجب على المسلمين ‏التحرّك لإعادة وضع الأمور في نصابها من حيث التّفريق بين حريّة التعبير والتّشهير، ‏وبين ازدراء المقدّسات وبين نقد الأفكار وتدافُعها لبلوغ الحقائق.‏

كما أنَّ من حقّ المسلمين أن يتحرّكوا قضائيًّا لرفع دعاوى في الدّول التي تعدّ ازدراء ‏الأديان والتشهير بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم جريمة يعاقب عليها القانون.‏

إنّ دواعش العلمانيّة هؤلاء هم وجه آخر للدّعشنة التي ترفض الآخر وتكفّره وتزدريه ‏وتقصيه وتعمل على محوه؛ غير أنّها دعشنةٌ أنيقة تلبس ربطة عنق وتلبس ثوب الحريّة ‏والفكر زورًا وبهتانًا.

وسوم: العدد 850