“محمد علي” وقنوات الإخوان!

ظهر الفنان والمقاول “محمد علي”، على قناة “مكملين”، فقلت: “عليه العوض ومنه العوض”، وفي الوقت الذي خشيت فيه من نهاية الفتى، انتابتني حالة صوفية تحيط بي في الملمات، وتذكرت مراحل الإحباط، التي مررنا بها في السبع سنوات الأخيرة من عهد مبارك، فكلما جد جديد قلنا نهايته ستكون بواسطة ما استجد، فينتهي الجديد، ويعود اليأس يلفنا من جديد، بيد أن هذا لم يمنع من قيام الثورة، في وقت لا جديد فيه!

حدثت انتفاضة القضاة، فقلنا إنها القشة التي ستقصم ظهر البعير، لكن النظام أفشلهم، ونجح في طرد قضاة الاستقلال من رئاسة نادي القضاة، والدفع بأحمد الزند بمنحه الكثير من الامتيازات، عندما كان مرشحاً لرئاسة النادي، وتمت إعارة كثير منه إلى دول الخليج، وإذا كانوا قد طالبوا بالإشراف الكامل على الانتخابات، فقد قام نظام مبارك بتعديل الدستور والعودة إلى إشراف الموظفين. فلما جاء الدكتور محمد البرادعي من الخارج بعد انتهاء عمله الوظيفي، عاد الحماس يدب فينا من جديد، لكن سرعان ما دب الخلاف بينه وبين المحيطين به، فالرجل لم يكن مؤهلاً لشيء، ولم تكن لديه القدرة، ولو على التواصل، فأعطى هاتفه لشقيقه “علي”، فأقرب المقربين منه إذا أراد الاتصال به، فإنه يتصل بـ “علي”، وهو من يقرر إن كان الموضوع على درجة من الأهمية تستدعي أن يكلف “البوب” من أمره رهقاً ويرد على الاتصال أم لا؟ وبعد ذلك استدعى “علي” من يحمل الهاتف، فلكي يصل الواحد منهم إلى البرادعي عليه المرور عبر قناة السويس!

وهدأ الحراك، وعاد اليأس يلفنا من جديد، لتقوم الثورة، بينما معظم قضاة الاستقلال منتدبون خارج البلاد، وكان البرادعي كذلك في الخارج، صحيح أن البعض وصفه بأيقونة الثورة، لكنها كانت عملية توليد قيصرية، فهناك من كان يشغلهم تصنيع أيقونات للثورة، من تنظيم عبدة الأصنام، في ثورة كانت الحرية هي أيقوناتها، وليس الأفراد. وكانت أفكار تتزعم وليس زعيما يفكر!

ما علينا، فالإزعاج، الذي سببه “محمد علي” لأهل الحكم في مصر، يرجع إلى حد كبير، إلى أنه ليس محسوباً على قوى سياسية بعينها، وإذا كان النظام قد شيطن جماعة الإخوان المسلمين، على الأقل عند فريق من المصريين، فقد كان محمد علي من هذا الفريق وإليه، فهو يتحدث لغتهم، وهو واحد منهم، فليس مثقفاً، وليس واعظا في الدين أو السياسة، ولا يحدثهم بكلام كبير، إنه في مستواهم، وقد قامت حملة الإبادة الإعلامية، بمحاولته تصنيفه بأنه من الإخوان، ففشلت الحملة، ليس فقط، لأن من أطلقوها جمعوا بين اتهامين في وقت واحد، الأول بأه من الإخوان والثاني بأنه فاسد، ولكن لأنهم كانوا يدينون السلطة، بذلك، لأنها إن كانت الأولى فمعنى هذا أن الجماعة نجحت في اختراق الجيش به، وهو أمر يدين الأجهزة الأمنية، وإن كانت الأخرى فإنه يوصم مشروعات منسوبة للجيش والقائمين عليها بالفساد، لأن محمد علي لم يعمل خارج هذه المنظومة!

وتأثير محمد علي على هذا الفريق من الناس، لأنه ببساطة مس لقمة عيشهم واقترب من مشاعرهم، ولم يتعال عليهم بخطاب سياسي عن الثورة، والحرية، وتداول السلطة، في بلد لا تؤمن نخبتها المثقفة بالديمقراطية أصلا، فكيف حال البسطاء من أهله، ومعظم النخبة هي من انحازت للانقلاب العسكري ضد خيار الناس وضد قيم الديمقراطية!

لسنا أمة الجوع

لقد أكد خطاب محمد علي أن السيسي يكذب عندما يدعي الفقر، ويعلن أننا من أمة الجوع والعوز، وأن لديه رغبة للعطاء غير أن “العين بصيرة واليد قصيرة”، فإذا به يثبت أن السيسي يبني سلسلة من القصور، مما دفعه للاعتراف، وكان يخفي هذا والإثم هو ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس!

بيد أن محمد علي لم يكن موفقاً في أمرين، الأول عندما قدم نفسه باعتباره ناشطا سياسيا وصاحب رؤية سياسية في الحكم، فقدم رؤيته قريبة من أفكار “الكتاب الأخضر” للأخ العقيد القذافي، فاللجان الشعبية تقابلها فكرته بخمسين واحدا من كل محافظة يشكل بهم مجلسا للحكم ونحو ذلك، أما الخطأ الثاني فلأنه قبل الظهور في قناة “مكملين” مع صديقنا الإعلامي المتميز محمد ناصر، ليسهل على القوم في القاهرة عملية تصنيفه، وقد يؤثر هذا على تأثيره في محطيه، الذي لا أزعم أننا وصلنا إليه، فعوامل كثيرة تحول دون أن يصغوا لنا، من بينها أننا نذكرهم بعجزهم عن إدراك أن حكم العسكر عمل غير صالح، فكانوا في حكم من أخذته العزة بالإثم!

كنت أناقش مع أحد الأصدقاء من قوم فرعون كيف أن هناك من لا يزالون ينحازون للسيسي وقد تبين الرشد من الغي؟ فأجاب: إنها حالة نفسية، فما هو الجيد في نادي الزمالك مثلا الذي أشجعه؟ فهل تريد مني بعد ثلاثين سنة من تشجيعه أن أعدل عن هذا ليمثل العدول اعترافا بأنني كنت خلال هذه السنوات لا أفهم؟!

في الحقيقة، هو قال وصفاً لا أريد ذكره لأنه ليس في نيتي أن أخسر مشجعي الزمالك، لا سيما وأنني لست منحازاً لأي فريق آخر، وتقريبا لا أعرف نجوم هذه اللعبة منذ زمن “شطة، وعلي أبو جريشة”، وقبل سنوات حدث أن كنت أقطع طريق شارع 26 يوليو، من شارع رمسيس، بينما سيارة تمشي الهوينا، ويصر من بداخلها على رفع يده لتحيتي، بينما أضيق ذرعاً بهذا التصرف وقمت بحثه على التحرك لكي لا يعطل حركة السير، إذ اعتقدت أنه مرشح وقد تلبسته حالة انتخابية، لكني فوجئت بجلبة من الجماهير فسألت من يكون هذا؟ فتقريبا أعرف كل المرشحين في هذه الدائرة من حسام بدراوي إلى فتحية العسال، فقيل لي “أبو تريكة”، وكانت بداية معرفتي باسمه بعد اظهاره التضامن مع غزة، وكان هذا الموقف سابقاً لذلك. وربما اعتقد الرجل لعدم اكتراثي بالأمر أنني “زملكاوي” متشدد، ولم يحدث أن توقف مشجع لهذا الفريق عن تأييده، رغم الهزائم، وكذلك أنصار السيسي، فجاء من أقصى المدينة رجل، هز يقينهم، وللدقة أنه حرضهم على إعلان ما بداخلهم، فليس لهم الآن أن يستشعروا الحرج، وهناك من يمثلهم في الفضاء الإلكتروني وعبر الشاشات!

في “بي بي سي”

الخدمة المهمة التي قامت بها قناة “الجزيرة مباشر”، أنها أذاعت فيديوهات، وكذلك فعلت قنوات تركيا “الشرق بدرجة كبيرة”، ولعل برنامج محمد ناصر على “مكملين” هو الأقل في الاهتمام به منذ البداية من برنامج “معتز مطر” على قناة “الشرق”، بل أقل من برنامج “مع زوبع” على القناة ذاتها: “مكملين”، ومع ذلك كان أول ظهور له مع ناصر، ما من شأنه أن يمكن دعاية السيسي ضده بأنه إخوان، وقد يفقد لهذا تأثيره لدى من يرونه واحداً منهم، ما ضره لو كانت فيه كل عيوبهم، وإن تمتع بالشجاعة عنهم.

لقد استضافت “بي بي سي” المقاول والفنان “محمد علي”، وثارت ثائرة الأبواق الإعلامية في مصر، لكنه كان ظهوراً على قناة ليست محسوبة على قوى سياسية، وإن اندفع إعلام السيسي ليصفها بأنها إخوان، ولا تتعجب فأوباما نفسه قالوا عنه إنه إخوان، وأنه دفع لمحمد مرسي عداً ونقداً عشرين مليون دولار قيمة لأراضي سيناء، وأن شقيقه هو رئيس التنظيم الدولي للجماعة!

وإذا كانت هذه الأبواق قد فشلت في موقعة “بي بي سي”، فإن ربط “محمد علي” بقنوات تركيا، قد يسهل عليهم عملية الانقضاض عليه، لظهوره في قناة إخوانية.

بطبيعة الحال، فإن “مكملين” ليست قناة الإخوان، وإلا لتم إنهاء خدمة عدد من الإعلاميين بها، وتم وقف برنامج الشيخ عصام تليمة، لأنهم غير مقبولين من قيادات الجماعة.

وإعلام السيسي يقول إن “الشرق” قناة إخوانية أيضاً، مع أنها مملوكة للمعارض الليبرالي أيمن نور. ولم تكن قناة “رابعة” قبل إغلاقها لضيق ذات اليد قناة إخوانية، وقناة الإخوان هي الوحيدة، التي لا تذكرها الأبواق الإعلامية.

بيد أن الدعاية الرائجة أن “مكملين” تابعة للإخوان، وبالتالي فإن استضافة محمد علي على شاشتها قد تفيد في عملية تشويهه. والانتقال به من خانة الشخصية المستقلة إلى الشخص المتحالف مع الإخوان، أو حتى من يرفضون الانقلاب بشكل عام، فيقلل من قدرته على التأثير في محيطه!

أعلم بطبيعة الحال، الغواية المهنية في إجراء مقابلة مع شخصية مثل “محمد علي” حرصت مذيعة “بي بي سي” أن تكرر في حضوره أن هذا أول ظهور إعلامي له، وظنت أنها ستحصل منه على اعتراف بأنه اختصها بهذه الحوار تقديرا لمكانتها الإعلامية، لكنه خذلها!

ومهما كانت الغواية، فقنوات تركيا لها رسالة يتضاءل بجانبها تحقيق انجاز مهني.

ولقد خان محمد علي التوفيق، لكن مهما كانت الدعاية المضادة، فقد فعل ما عليه، من خلال كشفه لإهدار مقدرات الدولة المصرية على نزوات قائد الانقلاب العسكري في أن يعيش كإمبراطور ولو على شعب لا يجد قوت يومه.

لقد ضرب محمد علي ضربته، والعيار الذي لا يصيب يدوش، وقد أصاب المستهدف به، فالسيسي قبل محمد علي ليس هو السيسي بعد محمد علي!

لا بأس، فقد أدى ما عليه وزيادة.

وسوم: العدد 851