أيها المسلم، ابتعد عني!

غادة السمان

صراخ ذلك النائب الفرنسي باهتياج هستيري على شاشة التلفزيون ظننته للوهلة الأولى مشهداً من فيلم كوميدي، فقد كان الرجل يعوي ضد النساء المحجبات، وبالذات اللواتي يرافقن أولادهن إلى المدارس جيئة وذهاباً، قائلاً: إنهن يشبهن ساحرات «الهالوين» (عيد الموتى في الغرب حيث يتنكر البعض بأقنعة مخيفة). يضيف: إنهن مرعبات المنظر بحجابهن، ولا يصلحن لتربية جيل جديد من الأولاد الفرنسيين، بل سيقمن بتسميم حياتهم وعقولهم ويتم تعليمهم «الإرهاب الإسلامي» منذ صغرهم.

صراخ هستيري كهذا ساهم في ردة الفعل، وهي خروج تظاهرة ضد الإسلاموفوبيا في باريس ضمت 13500 متظاهر، نصفهم تقريباً من غير المسلمين. (يوم الأحد 10 ـ 11).

مشهد آخر مؤثر لمسلمة

في محفل سياسي باريسي جاءت سيدة محجبة مصطحبة ابنها الصبي (حوالي تسع سنوات) بعد خروجه من المدرسة. قطع الخطيب السياسي قوله ووجه الكلام بصوت عال (عبر الميكرفون) قائلاً للمرأة بلهجة آمرة: أطلب منك أن تخلعي حجابك أو تغادري القاعة! وكرر ذلك مرتين. ابنها الصبي الصغير صار يبكي، وصُوبت عدسات مصوري التلفزيون عليها وهي تقبل ابنها وتواسيه دون أن ترد على السياسي (الانعزالي).. فالمرأة المحجبة صارت في فرنسا (مكسر عصا) لمعركة تزداد موجاتها قوة هي «كراهية المسلم» والخوف منه، لأنه مؤذ وقاتل بحكم تعاليم دينه (الشرير!)، كما يزعم كثيرون.

القتل في مركز البوليس الباريسي (البرفكتور)

موجة (إسلاموفوبيا)، أي الخوف من الإسلام والمسلم، تزداد ضراوة كلما حدث إجرام تحت شعار الإسلام، البريء منها. وذلك الموظف في مقر الشرطة المركزي الأكبر في باريس الذي (قيل إنه صار شديد التدين) انتهى الأمر بأنه طعن حتى الموت أربعة من زملائه، بحجة الامتثال لتعاليم الإسلام. وإثر ذلك، كاد وزير الداخلية الفرنسية يضطر إلى الاستقالة، كما تم تحديد قائمة بسلوك الذين يصيرون (خطرين) مثل كفهم عن مصافحة النساء! كما تم تدوين قائمة بأسماء المشكوك في تحولهم إلى الإسلام!

محاولة إحراق جامع وجرح مسلمين

وتتوالى الأفعال وردود الفعل، وها هو عجوز انعزالي (84 سنة) يقوم بالاعتداء على جامع «بايون» مؤخراً في محاولة لإحراقه، ويطلق الرصاص على اثنين من المصلين الذين ضبطوه بالجرم المشهود ومنعوه من ذلك، وأصابهما بجراح بالغة، وأعلن أنه قام بذلك انتقاماً من قيام المسلمين بإحراق كاتدرائية نوتردام! هذا مع العلم أن احتراق الكاتدرائية الشهيرة التاريخية في باريس لم يقم بها المسلمون، بل شبت النار لتماس كهربائي، أي قضاء وقدراً، وتمت تبرئة الجميع من تهمة إحراقها، كما أعلن التحقيق الرسمي الفرنسي.

رفض الدمج بين تعاليم الإسلام والإجرام

يحاول ممثلو المسلمين في فرنسا (كالأستاذ ايبيش) في لقائهم رئيس الجمهورية والصحافيين، التنبيه إلى أن تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ليست المسؤولة عن هذا الإجرام، بل سوء فهمها، وبعبارة أخرى: يحق للجميع كراهية المجرم الذي قام بالأذى زاعماً أنه تحت راية الإسلام، مع تبرئة الدين الإسلامي من ذلك.. وكارهو الإسلام صاروا يعلنون ذلك في كتبهم وفي ندواتهم المتلفزة وفي الصحف والمحاورات التلفزيونية.

سجل لجرائم (المتأسلمين) الإرهابية

إحدى الصحف الفرنسية زادت النقمة على المسلمين عامة ودينهم (الشرير)، حين قامت بتقديم سجل بجرائم المتأسلمين في السنوات الأخيرة.. ولم تنس قتل (متأسلمين) لعشرين سائحاً أجنبياً في العاصمة البنغالية.. كما لم تنس دهس الناس الأبرياء في بلدة نيس المحتفلين بالعيد الوطني الفرنسي وقتل العشرات بشاحنة، وبين المدهوسين بعض المسلمين! ومنها دخول عادل كريش (المتأسلم) إلى كنيسة فرنسية وذبحه للكاهن وهو يقوم بالتعاليم الدينية المسيحية على مرأى من المصلين يوم الأحد. ودخول مسلمين إلى جريدة «شارلي ايبدو» وإطلاق النار على المحررين الذين كانوا يسخرون من سيدنا محمد في كاريكاتيراتهم وقتل العشرات منهم، والقائمة تطول.. ويومها خرجت تظاهرة مليونية في باريس تحت شعار: «أنا شارلي»، وذلك حرصاً من الفرنسيين على الحرية الفكرية حتى ولو جرحت مشاعر ملايين المسلمين بالسخرية من نبيهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، في كاريكاتيراتها. لكن القتل تحت راية الإسلام يقتل سمعة المسلمين جميعاً، قتلاً معنوياً.

مطاعم تتحاشى استقبال المسلمين!

ذهب المسلم وزوجته المحجبة منذ أيام إلى مطعم باريسي، وزعم صاحب المطعم أن الطـــاولات كلها محجوزة! وما من طاولة فارغة لهما!

وقبل أعوام تم نشر فيديو يهين فيه صاحب مطعم سيدتين مسلمتين محجبتين ويطردهما من مطعــمه لأنهمـــا في نظــره تمثلان الإرهاب ما دام دينهما الإسلام! وذلك يحدث باستمرار في كثير من المرافق العامة، وصاحب المطعم يقول إنه ليس عنصرياً، لكنه لا يريد أن يقترب منه أحد من أتباع الدين الإسلامي؛ لأنهم يتسببون في الشر والموت والقتل.

خبر طرد المرأتين من مطعم حظي بمن يقوم بتصوير المشهد. وقول صاحب المطعم: كل المسلمين من الإرهابيين هو ما يتوهمه كثيرون اليوم ويردده العلمانيون، قائلين إن المسلم لا يستطيع أن يكون مواطناً فرنسياً صالحاً في وطن شعاره العلمانية، ويذكروننا بقتل الساهرين في مسرح (باتاكلون) قبل ذلك بسنة، الذي قام به أحدهم بذريعة الإسلام.

ابن جارتي فقد عمله، وأختُه خطيبَها!

جارتي فرنسية مسلمة من أصل لبناني، ابنها متعلم، فرح به رب العمل لمزاياه، ولكنه حين علم أنه مسلم وجد ذريعة للتخلص منه وتعيين من هو أقل كفاءة، لكنه ليس مسلماً.

أما شقيقته فكانت على وشك إعلان خطبتها مع شاب تحبه، لكنه تراجع عن الزواج منها حين علم أنها مسلمة. فقد كان اسم شقيقها أمين، واسمها ناديا، وهما لا يدلان على دين معين، وعلم بدينهما حين رفضت دعوته للغداء لأنها صائمة، وفاتحته بأنها لن تتزوج منه إذا لم يشهر إسلامه، ولا تريد زواجاً مدنياً!

وقد خرجت في باريس تظاهرة نسائية من المحجبات مؤخراً في ساحة (الريبوبليك) الباريسية اعتراضاً على اضطهاد المسلمة. ومعظم المسلمين المهاجرين إلى الغرب يعانون عاماً بعد آخر من سوء النظرة إليهم. ومن المتوقع خروج العديد من التظاهرات في فرنسا احتجاجاً على كراهية المسلمين واضطهاد المحجبة، وضد دمج الإسلام مع الإرهاب والشر. ترى، ما هو مستقبل المسلمين في الغرب وشبكة سوء فهم الدين الإسلامي تزداد تكهرباً؟

وسوم: العدد 851