قصف عائلة السواركة: بين “أمور تحدث” إسرائيلياً وأخرى تصل لاهاي

clip_image002_1918e.jpg

من يقصف بيوتاً من طائرة في منتصف الليل دون فحص من فيها هو مجرم حرب. ومن يدعي عدم نيته قتل تسعة أشخاص من أبناء عائلة السواركة يحاول التضليل وغسل يديه من هذه الجريمة: يداه غير نظيفة، ملطخة بدماء الأبرياء. ربما لم يتعمد قتل تسعة أشخاص أثناء نومهم، من بينهم خمسة أولاد وطفلان. ولكن بالتأكيد لم يبذل كل ما في وسعه لعدم المس بهم. إن أي مبرر لن يجدي الجيش الإسرائيلي ولن يفيد الاستخبارات، وطياري سلاح الجو.

إن التصريح الوقح لقائد المنطقة الجنوبية، هرتسي هليفي، نموذج على الانغلاق وفقدان الإنسانية. “هذه الأمور يمكن أن تحدث”، قال بسذاجة وكأنه يقلد مقولة دان حلوتس “ضربة خفيفة في الجناح”. لا توجد أي كلمة عن الشعور بالذنب، ولا توجد أي جملة عن الندم، ولا أي تحمل للمسؤولية أو أي اعتذار. عن التعويض أيضاً لا يوجد ما يقال. لماذا؟ من الذي مات؟ الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، وحماس والجهاد الإسلامي تنظيمات إرهابية. ومن يقوم بقتل تسعة مدنيين أبرياء أثناء نومهم ما هو بالتحديد؟

ما الذي يجب أن يحدث أيضاً من أجل أن يبدأ الإسرائيليون في فهم أن الجيش الإسرائيلي المحبب عليهم هو جيش قاس فقد الانضباط، وأن غزة ليست بنكاً للأهداف، وأن الجيش الذي يخترع مطلوباً وهمياً من أجل تبرير قتل عائلة هو جيش مصاب بالمرض. وأنه لا يمكن مهاجمة غزة بالطائرات دون قتل أبرياء. وأنه لا يوجد في غزة المكتظة أي مكان غير مأهول بالمدنيين. وأنه لا يوجد فيها أي ملجأ للنجاة، سواء جيش أحمر أو قبة حديدية. وأن غزة ليست وكر مجانين وقواعد إرهابيين. غزة هي قبل أي شيء البيت المكتظ بشكل فظيع، يعيش فيه بائسو الاحتلال الإسرائيلي الذي لم ينته فيها في أي يوم. اللاجئون من الجيل الرابع والخامس هم صنع أيدي إسرائيل، الذين حبستهم قبل 13 سنة في القفص الأكبر في العالم، ثم تتوقع منهم أن يجلسوا بهدوء، ويستسلموا ويرشوا الأرز على الطائرات التي تقصفهم وعلى الجدار الذي يحبسهم.

إن الاكتشافات التي تقض مضاجع ينيف كوفوفيتش الآن تنضم إلى ما كشفته “هآرتس” في 15 الشهر الحالي وترسم الصورة الكاملة لأحداث دير البلح: واقع مدهش لجيش يقوم بقصف أهداف دون فحصها، وبالأساس فحص من يوجد فيها. لا يدور الحديث الآن عن خطأ، بل يتبين أن هذا روتين، لا يفحصون. انتبهوا للصيغة التي تثير القشعريرة في أقوال المتحدث بلسان الجيش “تجريم البيت”. وكأن البيت يمكن أن يتم تجريمه”. “سريان التجريم”، وكأن الأمر يتعلق بتذكرة متعددة السفرات. وبالطبع “بنك الأهداف”. من ينظر إلى مكان أصيب بكارثة “بنك أهداف”، لا يمكنه أن لا يقتل أطفالاً أثناء نومهم. الاستخبارات التي تعرف ما لون الملابس الداخلية لأي عالم ذرة إيراني في بوردو، لا يمكنها معرفة ما يوجد في كوخ من الصفيح في دير البلح قبل قصفه؟ هذا بالطبع مخجل. لو أراد الجيش لكان عرف ما في الكوخ تماماً، في كوخ الصفيح البائس. ولكن هذا ببساطة لم يكن أمراً مهماً بما فيه الكفاية بالنسبة للجيش. أولاً يقصفون، وبعد ذلك يفحصون. قنبلة “جي.دي.إي.ام” من طائرة بطريقة “أطلق وانس”.

يظهر كحادث منسي وغير مهم ولا يعني أحداً، فأغلبية الإسرائيليين لم يسمعوا عما حدث باسمهم في دير البلح. وهذا أيضاً لا يهمهم ولا يعنيهم. وباستثناء “هآرتس” وسائل الإعلام الإسرائيلية تقريباً لم تكتب عما حدث في اليوم التالي للهجوم (يوم الخميس في الساعة الواحدة والنصف فجراً). قراء “إسرائيل اليوم” لم يسمعوا أن الجيش قتل تسعة أشخاص. وقراء “يديعوت أحرونوت” كان يجب أن يبذلوا الجهود من أجل العثور على الخبر. هذه المذبحة لا تستحق أن تكون في العناوين الرئيسية في صحيفة الدولة السابقة. في الواقع، المراسلون العسكريون أيضاً، الذين هم في معظمهم من أسوأ المراسلين في إسرائيل، كانوا منشغلين بوصف بطولة الجيش في القتال.

“هذا كان.. هدف صغير، لم يكن على المدنيين التواجد فيه”، هكذا برر جهاز دعاية الجيش. ومرة أخرى.. العرب هم المذنبون في موتهم. كان عليهم ألا يكونوا هناك. أين سيكونون إذاً؟ في البحر؟ في الجو؟ “نتصرف بدقة”، قال قائد المنطقة وكأنه يعطي اسماً سيئاً للكذب. أطلقوا على العملية اسم “حزام أسود”، لا مثيل لها في الجرأة، علم أسود يرفرف فوقها.

ما الذي سيحدث مع ناريمان؟ من الذي تعنيه ناريمان؟ ناريمان السواركة هي طفلة أكواخ صفيح، عمرها عشر سنوات، لم يكن لها حاضر ولن يكون لها مستقبل أيضاً. في ليلة 14 تشرين الثاني قتل طيارو سلاح الجو والدتها ووالدها وأخوتها الثلاثة وعمها وعمتها واثنين من أبناء عمها الصغار. ناريمان بقيت وحيدة في العالم. قائد المنطقة قال إن أموراً كهذه يمكن أن تحدث. أمور كهذه كان يجب أن تصل إلى لاهاي.

وسوم: العدد 853