هل بالفعل تعبر البرلمانات العربية عن إرادة شعوبها ؟

يقال أن كلمة برلمان مشتقة من فعل " تحدث أو تكلم " باللغة الفرنسية ، ويدل على هيئة تشريعية عليا في البلاد التي تعتمد  نظام الحكم الدستوري الديمقراطي ، ويسمى أيضا مجلس الأمة أو مجلس الشعب  أو مجلس نواب الشعب أو المجلس الوطني . ويقال أن الاسبان سبقوا الانجليز في ابتداع البرلمان . ويتكون البرلمان إما من مجلس وحيد أو من مجلسين  أحدهما أعلى و الآخر أدنى .

وينتخب أعضاؤه عن طريق الاقتراع العام السري ،ويسمون نواب الأمة أو نواب الشعب .  وللبرلمان  مهمتان  حسب الدساتير هما : التشريع وفق مبدإ فصل السلط في نظام الحكم الدستوري الديمقراطي  ، و مراقبة عمل الحكومة التي تكون من نصيب الفريق البرلماني الذي يحصل على أكبر عدد من المقاعد .

 ولا ندري كيف تكون الأغلبية البرلمانية خصما وحكما في نفس الوقت ، تكوّن حكومة وتراقبها وهي نفسها المشرعة في نفس الوقت .ولا يكون ذلك مقبولا منطقيا إلا إذا صح أن البرلمان  بالفعل يعبر حقيقة وفعليا  عن إرادة الشعب ، فيكون حينئذ الشعب هو من يشرع ومن يحكم .

ويتقدم المترشح للبرلمان بوعود  يحرص على أن تكون مرضية للمصوتين عليه ومدغدغة لمشاعرهم تغريهم بالتصويت لأنهم يرون أن  تلك الوعود تعبرعن إرادتهم . ولئن كان هذا ما ينطبق على برلمانات الدول ذات  نظام الحكم الدستوري الديمقراطي ، فإن البرلمانات العربية بحكم واقعها تختلف عن غيرها من تلك البرلمانات ، لا نقول ذلك بنية المزايدة عليها أو بخسها، وإنما هي من يحكم على نفسها بأنها عند التحقيق لا تمثل في واقع الأمر إرادة الشعوب التي تنتدبها لذلك .

ويدرك ذلك بالوقوف عن طريق وأسلوب اختيار نواب الأمة في البلاد العربية ،حيث يتقدم إلى الترشح للبرلمان صنفان من الناس : صنف أصحاب أموال ومشاريع يدفعهم الخوف من تشريعات تتهددها إلى هذا الترشح لصيانتها بترسانة من القوانين التي تحميها ، وهذا الصنف  يعتمد أسلوب شراء الأصوات حيث يساوم أصوات الفقراء بثمن بخس دراهم معدودات ، وصنف آخر لا مال له ، وهو يرى أن الوصول إلى البرلمان هو الطريق إلى الحصول على  ذلك المال ، وهذا الصنف لكونه لا مال لها لشراء الأصوات يبيع للفقراء أحلاما ، ووعودا ، ويخدعهم بذلك مموها عن هدفه تماما كما يموه صاحب الثروات والمشاريع عن هدفه مع أن هدف هذا الأخير لا يخفى عليهم ، ولكنهم يفضلون كما يقول المثل العامي المغربي : " نترة من حلوف ولا يمشي سالما " أي : " يصاب من الخنزير القليل دون أن يعود سالما " وغالبا ما لا تنال الإصابة شيئا من البرلمانيين أصحاب الثروات والمشاريع لأن ما ينفقونه من أجل شراء الأصوات  أقل من القليل الذي يعوضونه بالكثير الذي لا يخطر على بال  في فترة انتدابهم.

ولما كانت أهداف ممثلي الأمة في برلمانات  البلاد العربية  لا تخرج عن مصالح خاصة بهم ، فإنهم لا يمثلون إرادة شعوبهم ، لهذا يشرعون خلاف تلك الإرادة ، فتعاني الشعوب  الأمرين مما يشرعونه وهو مخالف لإرادتها . وغالبا ما تكون الشعوب مسؤولة عن ذلك لأن فيها من يشترك مع نوابها البرلمانيين في اعتناق فلسفة  تغليب المصلحة الخاصة ، ذلك أن العوز والفقر ، وفقراء البلاد العربية هم الشريحة الكبرى يدفعهم فقرهم إلى بيع أصواتهم بدارهم معدودات ،فيمكنون بذلك من الحكم والتشريع من يعاقبهم على تصويتهم بقوانين تذيقهم طعم العلقم لفترات لا تنقضي حتى يصيب منهم العنت والضيق والشدة في المعاش ،وذلك  في انتظار تصويت آخر لفائدة مخادعين آخرين  إما من أصحاب مشاريع آخرين أو من الطامعين الذين يبيعون الأحلام  والوعود من أجل إيجاد سبيل إلى الخلاص  من العوز والفاقة عن طريق ريع مشبوه  يختلط فيه الحلال بالحرام ، وهكذا تلدغ  الشعوب العربية من جحرين جحر الموسرين ، وجحر المعوزين الطّماعين علما بأن الأمة المؤمنة لا تلدغ من جحر مرتين  .

وتتفرج الأنظمة العربية  الفاسدة والمستبدة والمحتمية  بجيوش لا تقاتل أعداء ، وإنما تقمع الشعوب حين يدفعها الألم إلى الخروج إلى الشوارع لبث الشكوى على المسرحيات الهزلية  الدائرة بين الشعوب المخدوعة بمن تصوت عليهم للتعبير عن إرادتها فيخدعونها ، وتنتشي بذلك وتراه العقوبة المناسبة لشعوب رافضة لاستبدادها وفسادها .

ولما كان الأمر هكذا في البرلمانات العربية كان من اللازم أن تتنبه الشعوب إلى أسلوب يقطع الطريق على  ارتزاق البرلمانيين  بنوعيهم : الموسرون الذين يكون هدفهم صيانة وحماية ثرواتهم ومشاريعهم من القوانين المضرة بها  ، والمعوزون الطامعون في الثراء عن طريق ولوج البرلمانات . وهذا الأسلوب يكون بسن قانون في الدساتير يمنع كل ذي ثروة ومشاريع من ولوج البرلمان ، وقانون آخر يمنع الطامعين من ولوجه أيضا بمنع إعطاء مقابل أو مرتب أو تقاعد لمن يريد منهم أن يلج البرلمان .

 بهذا الأسلوب وحده يمكن تخليص البرلمانات  العربية من كل طمّاع ومغرض كاذب ومخادع ، وبهذا فقط تصير بالفعل ممثلة لإرادة الشعوب  ، ومؤهلة للتشريع وفقها ، ومراقبة من يحكمها مراقبة حقيقية وفعلية .

ومعلوم أنه ليس من صالح الأنظمة العربية المستبدة والفاسدة أن يطبق هذا الأسلوب لأنه  فيه نهايتها وتسليمها السلطة للشعوب .

وما لم يتحقق هذا ، فستبقى الديمقراطية في الوطن العربي مجرد طنز، وستبقى البرلمانات  كما يدل عليها الفعل الفرنسي المشتقة منه مجرد قاعات مسرحيات هزلية  يلاك فيها الكلام الذي لا طائل ترجوه منه الشعوب العربية .  

وسوم: العدد 855