لماذا يقف «حزب الله» وبيئته ضد الحراك اللبناني؟

منذ انطلاق الحراك اللبناني في 17 أكتوبر/ تشرين الأول، بوجه السلطة، اعتراضا على الأوضاع المعيشية والفساد المستشري بالدولة، وقف الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله صراحة ضد الحراك وحذر من إسقاط الحكومة وعهد الرئيس اللبناني ميشال عون بالشارع، من ثم اتهم نصرالله المتظاهرين أنهم مموّلون من السفارات الغربية، وظل متمسكا «بخصمه السياسي» سعد الحريري رئيسا للحكومة بعد استقالته.

شبهة العمالة

الحراك بدوره حاول منذ اليوم الأول أن يبعد عن نفسه شبهة العمالة، فرسم علم إسرائيل على الأرض ليدوس عليه المتظاهرون، وتجنب الخوض في قضية سلاح «حزب الله»، ورفض فيما بعد تدخل السفير الأمريكي الأسبق جيفري فلتمان في لبنان، الذي وضع الحراك بوجه «حزب الله»، ونددت الانتفاضة الشعبية علانية بذلك في ساحات بيروت، وبالرغم من ذلك لم يسلم الحراك من شيطنته والتحريض عليه من «حزب الله» وإعلامه، ما جعل أنصاره يعتدون عدة مرات على ساحات الاعتصام بالضرب وتكسير الخيم وحرقها، في اليوم الأربعين على انطلاقة الانتفاضة الشعبية، نزل مناصرو «حزب الله» بالمئات إلى وسط بيروت واستهدفوا الثوار بعصي والحجارة، وبدأوا يهتفون «شيعة شيعة..» وكادوا أن يحتلوا وسط بيروت ويقضوا على المتظاهرين لولا أن حال بينهم الجيش والقوى الأمنية اللبنانية.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا يقف «حزب الله» وبيئته ضد الحراك المطلبي المعيشي، على الرغم من أنهم من أكثر الطوائف فقرا وحرمانا، ومنطقة الضاحية الجنوبية لبيروت وبعلبك الهرمل ذات الأغلبية الشيعية الأكثر تهميشا وحرمانا، حيث تكاد تنعدم فيها أبسط خدمات الدولة من كهرباء ومياه ونظافة؟

ترسانة أسلحة

لماذا يعتبرون أن الحراك موجه ضدهم؟ مما يخافون؟ و«حزب الله» يملك ترسانة أسلحة ضخمة، ومشاركة عسكرية وصلت حتى اليمن، من يستطيع أن يقف بوجههم بالداخل اللبناني؟

مما يخافون ومنذ أن قرروا المشاركة في الحكومات المتعاقبة اقتصرت مشاركاتهم على بضعة وزراء لا تمثل حجمهم الحقيقي، كان الهدف منها تسجيل الحضور، وأيديهم لم تتلوث بالفساد على عكس بقية الأحزاب اللبنانية؟ يمكن القول أنهم أقلية تدافع عن نفسها وأطلقت شعار «شيعة شيعة» لتعبر عن عصبيتها تجاه الآخر، ولكن كل الطوائف في لبنان أقليات!

من الواضح أن هناك سببين جعلا «حزب الله» يقف بوجه الثورة: الأول تكتيكي، حيث يعاني الحزب من عقوبات أمريكية ودولية، وعدم وجود حكومة يعني انكشافه أمام المجتمع الدولي، خصوصا أن الحريري كان يبذل مجهودا مع حلفائه الدوليين بالدفاع عن «حزب الله» كونه مكونا رئيسيا من المجتمع والحكومة اللبنانيين، كما أن «حزب الله» لا يريد أن تمتد النيران إلى الرئيس عون الذي يشكل حليفا متينا له، متماهيا تماما مع سـياسة «حـزب الله» الداخليـة والإقليـمية وتـحديدا في سـوريا.

أما السبب الثاني فهو استراتيجي، وهو الأهم، الجميع يعلم أن الحراك لا يريد فقط حل الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية وإنما يريد أيضا إسقاط نظام المحاصصة الطائفية، والوصول إلى الدولة المدنية، يريد مشروعا وطنيا جامعا، يريد إسقاط الأسس التي تأسس عليها لبنان، وذلك يتناقض مع وجود حزب طائفي ديني، يملك ترسانة أسلحة، وجيشا بقدرات تفوق الجيش اللبناني الوطني، كما يملك منظومة اقتصادية واجتماعية وتربوية متكاملة، ويخضع بولائه لإيران، وهذا ما عبّر عنه نصرالله عدة مرات دون أي مواربة، كما أنه ليس هناك إجماع لبناني على مواجهة «حزب الله» لإسرائيل، فمنذ صدور القرار الأممي 1701 بعد حرب العام 2006 أصبحت هناك هدنة بين الطرفين.

وبـات رد «حـزب الله» على إسـرائيل يقتصـر على حفظ ماء الوجـه، وبالتالي ليس من المبالغة التكـهن بأن «دويلـة» «حـزب اللـه» لا يمكنها أن تتعايش مع مشروع وطني متكامل، وانصـهارها به يعني زوالهـا، والعكس صـحيح، لذلـك فـإن الثورة و«حزب الله» يعلمان أن المواجهة بينـهما حتمـية، ولـكن الـحزب «العسـكري» اخـتار الحرب الاسـتباقية، كـما ادعـى أن حـربه في سـوريا والعـراق والـيمن كانـت «استـباقية».

وسوم: العدد 855