تونس في الفخ الإيراني… ومغن فلسطيني يتوعد إدلب

تستحق تظاهرة سينمائية تنطلق قريباً في تونس، عاصمة الربيع العربي، أن تسمى «تظاهرة السينما الإيرانية»، بدلاً من «تظاهرة أفلام المقاومة والتحرير»، فمن بين ثمانية أفلام تعرض في«مدينة الثقافة» في العاصمة، هناك، بحسب خبر صحافي نشر في أكثر من صحيفة، خمسة أفلام إيرانية: «حبل الوريد» لمسعود أطيابي، و«33 يوماً» لجمال شورجة، و«السرّ المدفون» لعلي الغفاري، و»حوض الألوان» لمازيار ميري، و«بتوقيت الشام» لحاتمي كيا. والأخير حاز تكريماً استثنائياً، فقد بكى له الجنرال قاسم سليماني عند حضوره، وقبّل رأس مخرجه متأثراً ومباركاً، كذلك فإن مخرجه كُرّم في دمشق من «المؤسسة العامة للسينما» عن مجمل مسيرته السينمائية.

إذا كانت تظاهرة لأفلام المقاومة بحق، فأين هي كل تلك الأفلام التي أنجزتها السينما الفلسطينية، أم أن الفيلم يجب أن يكون بتوصية من زعيم «حزب الله»، كما صرّح أحد المخرجين الإيرانيين بخصوص فيلم له، أو أن يكون مصنوعاً في غرفة العمليات الحربية أو الاستخباراتية، كما يظهر في بعض أفلام السوريين.

أما الأفلام الثلاثة الباقية فهي لجود سعيد وباسل الخطيب ونجدة أنزور، وواضح أن المخرجين الثلاثة هم أبرز من يمثّل بروباغندا النظام السوري. عنوان «المقاومة والتحرير» ليس سوى ذريعة بائسة لتقديم بروباغندا النظام الممانع في لبوس تظاهرة سينمائية، وكان بإمكانهم تمويه هذا الغرض باستضافة أفلام تتناول موضوع المقاومة من جنسيات أخرى، فالأمر لا ينحصر بمنطقتنا وحسب. مع ذلك لا بدّ من السؤال، إذا كان موضوع المقاومة يذهب باتجاه واحد فقط هو إسرائيل، فأين هي كل تلك الأفلام التي أنجزتها السينما الفلسطينية، أم أن الفيلم يجب أن يكون بتوصية من حسن نصرالله، زعيم «حزب الله»، كما صرح أحد المخرجين الإيرانيين بخصوص فيلم له! أو أن يكون مصنوعاً في غرفة العمليات الحربية أو الاستخباراتية، كما يظهر في بعض أفلام السوريين! ثم إذا كانت سينما النظام السوري، أو السينما الحربية الإيرانية تصنّف تحت بند المقاومة والتحرير، فأين يمكن تصنيف أفلام السينمائيين السوريين المعارضين لنظام الأسد وإيران؟! لا نفهم كيف يرتمي بلد يمثل «الربيع العربي» في أحضان إيران والنظام السوري على هذا النحو، وليست وحدها تظاهرة سينمائية الدليل على ذلك، لا نفهم كيف يقبل بلدٌ تذوّقَ الحرية هذا الخضوع لأكاذيب لم تعد تنطلي على أحد.

فلسطين داري

في وقت يجهد بعض الفلسطينيين لإثبات أن «أبو مازن» يستحق لقب «ملاك السلام» في مواجهة إسرائيل (كما ظهر في الأوبريت إياه)، فوجئ جمهور مواقع التواصل الاجتماعي بفيديو لحشد آخر، اجتمع حول مطرب يغني في رام الله: «لنصرالله ودّيها ولا تنسى القائد بشار، على إدلب هاي جايين نحرق الدنيا بالنار». غير مفهومة هذه المحاولات المتكررة للتَقَنُّع بوجه ملائكي تجاه إسرائيل، والكشف عن وجه دموي متوحش تجاه أبرياء السوريين!

غير مفهومة هذه المحاولات المتكررة للتَقَنُّع بوجه ملائكي تجاه إسرائيل، والكشف عن وجه دموي متوحش تجاه أبرياء السوريين

أما كان الأصح، والأدنى للفطرة البشرية أن يدعو المغني وصحبُه نصرالله والقائد بشار إلى مكان أنفع، حيث يعاني شعبه من وطأة الاحتلال، أي إلى فلسطين؟ لماذا هو مهتم بقتل السوريين على هذا النحو وبهذا الإلحاح؟ هل صدقت حقاً أن الطريق إلى بلادك يمرّ من إدلب؟ لقد سمعنا مراراً وتكراراً دعوات للذهاب إلى القدس عن طريق «جونيه»، عبر الشعار الشهير، الذي أطلق في عزّ الحرب اللبنانية «طريق القدس تمرّ عبر جونيه»، إلى طريق القدس التي تمرّ من دمشق والسيدة زينب والقصير ودير الزور وإدلب.. لكن أغرب ما يمكن أن نسمعه أن ينادي ابن القدس نفسُه محرّريه بأن يأتوها عبر إدلب! ألستَ هكذا تطيل الطريق؟! هل تحسب حقاً أن السوريين هم من يقف عائقاً في طريق القدس؟

أغرب ما يمكن أن نسمعه أن ينادي ابن القدس محرّريه بأن يأتوها عبر إدلب!

إن من أكثر ما وقع في سنوات الربيع العربي الفائتة غرابة أن يقف فلسطينيٌّ في صف النظام السوري، ليس فقط لأن الفلسطينيين وقياداتهم، على اختلاف فصائلهم، ذاقوا الظلم مراراً على يد النظام قبل الثورة، وليس فقط لما ارتُكب من فظائع تشيب لها الرؤوس بعدها، بل لأنك إن أجريتَ فحص دم للسوريين الطيبين، لوجدتَ في أعمق خلاياهم تلك الأهزوجة المدرسية الخالدة: «فلسطين داري، ودربُ انتصاري..». أولئك من تتوعدونهم بالذهاب إليهم بالنار، يا بعض الفلسطينيين!

وسوم: العدد 858