دول كبرى بينها صراع محموم على مجال سباق التسلح لكنها تقف عاجزة عن مكافحة الفيروس المتوج كورونا

كنت قد قررت ألا أعود إلى الحديث عن فيروس الساعة الذي ملأت أخباره الدنيا وشغل الناس ، وأفاضوا في الأحاديث عنه، فمنهم  خائف جاد  في الحديث عنه ومنهم  عابث يتندر به ، وقد  وجدت سائل الإعلام في الحديث عنه ما يغنيها عن الحديث عن غيره من الأحداث ، وإن كانت خطورة بعضها أكبر من خطورته، لكنني قررت أن أتحدث عنه مرة أخرى لأن الأمر يتعلق  بعجز الدول الكبرى عن مكافحته في الوقت الذي يشتد فيه تنافسها في مجال سباق التسلح وكأن حربا كونية على الأبواب لا قدر الله  .

وأنا أفكر في هذا الأمر، حضرتني قصيدة الشاعر الإنجليزي توماس ستيرنز إليوت  الشهيرة " الأرض اليباب " التي مر على نشرها اليوم قرن من الزمان وسنتان  ، حيث كان ذلك سنة 1922 . وهي قصيدة طبقت شهرتها الآفاق، وألهمت الشعراء قصائد كثيرة حاولوا فيها  محاكاتها أو النظم على نمطها حتى أن الشاعر والناقد السوداني الكبير الدكتور عبد الله الطيب رحمه الله كتب مقالا تحت عنوان " افتتان الشعراء العرب بالشاعر ت .س . إليوت " .

هذه القصيدة تعكس خيبة أمل العالم الذي كان يتطلع إلى حياة الرفاهية بسبب التطور التكنولوجي إلا أن  نتيجة الحرب العالمية الأولى أبانت عن الوجه البشع لهذا التطور الذي جعل حياة العالم  عبارة عن أرضا يبابا .

ولو بقي إليوت حيا  بيننا ، وقد مات  في ستينيات القرن الماضي لأضاف فصلا جديدا في أرضه اليباب يصور فيه ما آل إليه الوضع اليوم بسبب توحش الرأسمالية التي صارت تتاجر بالكوارث حروبا وأوبئة... وغيرها في زمن إفلاس  منظومة القيم الإنسانية .

فها هي الدول الكبرى التي تعرف صراعا محموما في مضمار سباق التسلح تبدو عاجزة عن مواجهة فيروس كما صرحت بذلك أمس الأول المنظمة العالمية للصحة التي عبرت عن مخاوفها من اتساع رقعة الإصابات به ، ووصفته بالوباء العالمي العابر للقارات  .

ويحتار الحليم في أمر هذه الدولة الكبرى التي اخترعت من الأسلحة المتطورة جدا ما يقضي على الفرد الواحد من أعالي الجو وهو في مكمن يظنه آمنا ، وتكون إصابته بدقة متناهية ليس لها هامش خطإ . فكيف تغيب هذه الدقة المتناهية في مواجهة فيروس ؟ وهل يتعلق الأمر بعجز هذه الدول في مواجهته أم أن الأمركما  ذهب إلى ذلك الصحفي الأسترالي صاحب  كتاب "  رأسمالية الكوارث " ؟   ويبدو أن وجهة نظره هذه قد بدأت في الرجحان خصوصا بعد ما  انتقلت عدوى  هذا الفيروس من الإنسان إلى  أسواق المال والبورصات وحقول البترول... وغير ذلك  ؟

والملاحظ أن إفلاس  منظومة القيم في هذا العالم في تزايد مستمر ، ومن يدري لعل هذا الفيروس أن تكون دقته  في الفتك كدقة  فتك الأسلحة المطورة إن كان قد صنّع في مختبرات الأسلحة الكيماوية كما تصنّع الأسلحة المعروفة  إذا ما صحت وجهة نظر الصحفي الأسترالي وذلك  من أجل الحد من وتيرة زيادة عدد سكان العالم لتعيش الفئة المترفة حياة ترف وبذخ بزوال الفئة الزائدة عن الحاجة .

ومن يدري قد تصرح الدول الكبرى قريبا  باكتشاف تلقيح ضد هذا الفيروس الفاتك ،وهو أمر جد محتمل إذا صحت فكرة المتاجرة به  باعتباره كارثة ، ولكن من يضمن بأن  هذا التلقيح بغض الطرف عن كلفته لن  يحقن بما يحقق زوال الفئة الزائدة في هذا العالم  ؟

إن إفلاس منظومة القيم في هذا العالم تجعل الإنسان يشك  في كل شيء ، ويسيء الظن بكل شيء ،ولا يثق  في شيء مما يحدث فوق الكوكب الأزرق الذي صار بائسا  يئن من كثرة الكوارث والأزمات والحروب والصراعات ... ،وهي أمور صارت وتيرتها كوتيرة التطورالتكنولوجي .

فإلى متى ستظل أرض ت ، س، إليوت يبابا ؟ وهل بقي في عمر الكوكب الأزرق بقية ليزهر من جديد بعد أن صار يبابا ؟

وسوم: العدد 867