حقناً لدماء السوريين لابد من إتاحة الفرصة لنجاح الاتفاق التركي الروسي

محمد فاروق الإمام

سورية والانعتاق من النفق المظلم

لا يسع الإنسان في هذه الظروف الصعبة التي تمر على سورية التي تئن تحت جراحها الغائرة إلا أن يبحث عن طريقة لوقف هذه الشلالات من الدماء المسفوحة، ووقف الدمار الذي أتى على معظم مدن وبلدات وقرى سورية من شمالها إلى جنوبها، وتهجير أو نزوح نصف سكان سورية بعضهم خارج الحدود أو عبر البحار إلى كل قارات الأرض، أو في مخيمات لا تقي برداً ولا تمنع حراً، أو سجون ومعتقلات يموت فيها يومياً عدداً من السجناء والمعتقلين جوعاً أو تعذيبا أو مرضاً، وقد طوت الأرض تحت ترابها ما يزيد على مليون بين شهيد في سوح الوغى في معارك غير متكافئة مع النظام الباغي، وقتيل بفعل براميل الموت الأسدية وصواريخ وقنابل الدمار البوتينية وسكاكين وسواطير الميليشيات الرافضية التي جندتها إيران لذبح أطفالنا وبقر بطون نسائنا.

وكان قدر سورية والسوريين ان يتخلى الأهل عنهم، ويتنكر الصديق لهم، ويقف العالم، كل العالم، ليتفرج على هذه الكوميدية التراجيدية الحزينة، دون أن ترف له عين، أو يختلج له قلب، أو تهتز له جارحة، أو يفيق له ضمير.

تركيا التي سخرها الله لإنقاذ سورية

وكان لابد أن يهيئ الله لهذه الأمة المغلوبة من ينتصر لها ويعمل على وقف نزيف دمائها والسعي للخروج من محنتها التي طوت تسع سنين عجاف، وتصدى لهذا الموقف النبيل والشجاع تركيا الرائعة والعظيمة، والتي فتحت حدودها لأكثر من أربعة ملايين سوري فروا من جحيم الأسد وبوتين وخامنئي، ليجدوا في تركيا الملاذ والأمن والأمان والسلام.

وسارت تركيا على صفيح ساخن وتحديات كبيرة داخلية وخارجية، سعياً لوقف شلال الدم والدمار للبشر والشجر والحجر في سورية الشقيقة والجارة العزيزة، وتنكبت في سبيل ذلك أبهظ الأثمان المادية والبشرية والسياسية والعسكرية ومعاداة القريب قبل البعيد، وسارت في سبيل ذلك في طريق مليء بالحفر والمطبات والأشواك، والكل يريد الشر لها، وتحملت وصبرت حتى أثمرت جهودها أخيراً بعقد اتفاق بين الحكومة التركية والحكومة الروسية الوصية على نظام نمرود الشام بشار الأسد، وبعيداً عن إيران وميليشياتها ومرتزقتها، وهذا بحد ذاته مكسباً كبيراً أن تكون إيران مغيبة عن مثل هذا الاتفاق، وبالتالي خروجها من المولد بلا حمص، كما يقول المثل، وهي المنشغلة اليوم بوباء كورينا الذي يحصد المئات من أهلها.

السوريون رحبوا بالاتفاق التركي الروسي

 وكان لابد من أن يرحب كل السوريين "وقد فعلوا من خلال مظاهرات التأييد التي ملأت شوارع وساحات المدن المحررة" بجهود تركيا وما وصلت إليه من اتفاقيات مع الجانب الروسي لوقف نزيف الدم والعمل على عودة النازحين والمُهجّرين إلى بيوتهم في مدنهم وبلداتهم وقراهم، مع الاحتفاظ بحق السوريين للعمل على إخراج المحتل الروسي من بلادهم في قابل الأيام بكافة الوسائل التي ستتاح لهم.

بعض الفصائل والأحزاب غير المعروفة رفضت الاتفاق

وقد تماها إلى أسماعنا أن هناك بعض الفصائل الثورية والأحزاب الصغيرة غير المعروفة، قد رفضت هذا الاتفاق التركي الروسي، وتعمل على حشد بعض العوام من الناس البسطاء وزجهم في طريق تنفيذ الاتفاق لمنع الدوريات التركية الروسية من المسير على الطريق الدولي م4 بحسب الاتفاق الموقع بين تركيا وروسيا، وهذا سيحرج تركيا ويفرح النظام وحلفائه الذين وافقوا على الاتفاق على مضض، مما يجعلهم في حل من الاتفاق والعودة إلى سفك الدماء وفرض النزوح والتهجير. ونطلب من هذه الفصائل وهذه الأحزاب أن تلتزم بما التزم به معظم السوريين حقناً للدماء ولإتاحة الفرصة لعودة النازحين والمهجرين، وإعطاء الدبلوماسية حقها لعلها تفعل ما لم تفعله البندقية.

وعلى الجميع أن يطمئن لموقف تركيا الضامن لهذه الاتفاقية، والمنافح الشرس عن القضية السورية، وقد زج بآلاف الجنود من نخب جيشه، ومئات الآليات العسكرية الثقيلة والحديثة، إلى داخل الأراضي السورية حتى مشارف مدينة حماة، وقد أقام عشرات النقاط للمراقبة والتعامل مع كل اختراق لهذه الاتفاقية من قبل النظام أو ميليشياته، وقد لقنت هذه القوات مع الجيش الوطني السوري النظام وحلفائه درساً قاسياً، وقد قتلت منه الآلاف ودمرت مئات المواقع والقواعد والمطارات العسكرية، وهذا ما لم يتكبده الجيش السوري منذ تأسيسه وحتى اليوم، في ظرف أيام قلائل من خلال عملية درع الربيع.

أخيرا نهيب بالفصائل والأحزاب المعارضة للاتفاق التركي الروسي؛ أن يتيحوا الفرصة للحل السلمي، حقناً لدماء السوريين وحفاظاً على ما تبقى من مدن وبلدات وقرى؛ يمكن أن يعود إليها النازحون والمهجرون، وسيسجل لهم التاريخ موقفهم النبيل هذا إن التزموا بما تعهدت به الجارة الشقيقة تركيا.

وسوم: العدد 868