نموذج الصين طريق للأمل العالمي المنشود

محمد علوش

جمهورية الصين الشعبية تخطو بثبات وعناد وتحقق المنجزات تلو المنجزات وتحقق النصر الراسخ في مواجهة " فيروس كورونا " وما كانت هذه المنجزات العظيمة لتتحقق لولا ثبات وجاهزية الصين ولولا الخطوات الواقعية الملموسة التي أعلنت عنها الصين في مجابهة الوباء استناداً إلى نموذج صيني يحتذى عالمياً في التعاطي مع القضايا الكبرى كما هو حال العالم اليوم الذي يواجه وباء كورونا في ظل عدم انفراج الوضع حتى الآن وعدم الوصول إلى حقيقة ما اتجاه وقف تفشي هذا المرض الفتاك .

انشرحت قلوبنا ونحن نتابع أخبار الصين في لحظة تاريخية صعبة تواجه العالم ككل ، حيث تبين للعالم قدرة الصين على المواجهة وتخطي الدروب الصعبة رغم كل ما حيك من مؤامرات وإشكاليات وعرقلة للجهود الصينية ومحاولة تشويه الموقف الصيني ، وتسييس الفيروس من قبل الإدارة الأمريكية التي تعاملت مع الفيروس وكأنه وباء صيني مفتعل كما وسمته باسم " فيروس الصين " أو " الفيروس الشيوعي " أو " فيروس ووهان " ، وكأن لهذا الفيروس اللعين هوية مكانية أو أيديولوجية !!

 الإجراءات والتدابير التي قامت بها الصين إجراءات كان لها أهمية كبيرة لمعالجة تداعيات انتشار فيوس كورونا ، حيث شملت الاتصال والتواصل الفعال مع الشعب الصيني والمقيمين على أرضه على مدار الساعة ، وبث الطمأنينة في قلوب الجماهير من خلال الثقة والشفافية العالية وذلك عبر عرض معلومات حيّة عن الإصابات في أماكن تواجدها بدقة .

وكل تلك الإجراءات كان لها أثرها الكبير في وضع حد لهذا الفيروس وتحقيق الانتصار الشامل في مواجهته ، تماماً كما هو الحال في دولة فلسطين المحتلة التي أعلنت حالة الطوارئ وقاومت الوباء بإرادة عالية وإدارة حكيمة حفاظاً على سلامة وأرواح المواطنين ، حيث كان للتجربة الصينية تأثيرها البالغ على التجربة الفلسطينية في مقاومة الفيروس ومنع انتشاره بين أوساط الفلسطينيين في ظل تفاقم الأوضاع حول العالم بسبب الاستهتار والانتظار وعدم المسؤولية لدى كثير من الحكومات الغربية وبشكل خاص في الولايات المتحدة التي تفشى فيها الوباء ورئيسها ينتظر وينظر على دول وشعوب العالم ، عليه أن يستخلص الدروس والعبر بسبب سياساته الفاشلة وإدارته المتهورة للأمور .

إننا في فلسطين في مجابهة لنقيضين أساسيين الاحتلال الإسرائيلي أولاً والفيروس المنتشر ، ولكن لدينا إرادة قوية في المواجهة وتجاوز هذا الظلام الدامس وتحقيق الحرية والمصير اللائق لشعبنا في ظل دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة وعاصمتها القدس .

لقد سبقنا في إجراءاتنا الاحترازية العديد من دول العالم وقد أشادت منظمة الصحة العالمية بذلك مثمنة جهود الصين وفلسطين وما قامتا به اتجاه وضع كل الجاهزية والاستعداد والإجراءات الاحترازية والوقائية في النضال ضد هذه الجانحة المظلمة في تاريخنا الحديث .

الخطاب الأمريكي الذي يفوح برائحة الكراهية والعنصرية والحقد التاريخي الذي عبر عنه ترامب ووزير خارجيته فضح تماماً التحيز الإيديولوجي المترسخ لدى الولايات المتحدة الأمريكية وإدارتها الغبية التي تتجاهل كل الحقائق القائمة على الأرض وتتصرف بوقاحة وعنجهية ، متناسية الوجع الإنساني العام بسبب انتشار فيروس كورونا الذي لا يميز بين شعب وآخر أو بين أي إنسان على أساس الدين أو اللون أو الجنس ، فها هو  الرئيس الصيني شي جين بينغ يؤكد بشكل واضح  بأن أزمة الصحة العامة تمثل تحدياً مشتركاً للبشرية ، وإن التضامن والتعاون هما أقوى سلاح للتعامل معها ، مجدداً الموقف  أن الصين مستعدة لبذل جهود منسقة مع دول العالم لتعزيز التعاون الدولي في الوقاية من مرض " كورونا " والسيطرة عليه ودعم الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية للقيام بدور جوهري في تحسين الحوكمة العالمية للصحة العامة وبناء مجتمع يتمتع بصحة جيدة للبشرية.

الجانب الأمريكي يعرف جيداً أن الصين دولة اشتراكية يقودها الحزب الشيوعي الصيني منذ إقامة البلدين العلاقات الدبلوماسية قبل أكثر من 40 عاما ، فلماذا تسمح أمريكا لنفسها في هذا الغباء والعبث وهي تدرك الواقع الصيني جيداً ،  وكما قال المتحدث باسم الخارجية الصينية قنغ شوانغ " إذا كانت الولايات المتحدة تؤمن بتفوق نظامها وبالانتصار النهائي للديمقراطية والحرية الغربية ، فلماذا إذن تخشى الحزب الشيوعي الصيني والإعلام الصيني؟". .

نعم لماذا تخشى الولايات المتحدة الصين وحزبها وإعلامها ؟؟

لان الصين دولة شيوعية ، تقوم على أسس ومبادئ العدل والمساواة وحقوق الإنسان ، ولان الصين ترتبط بعلاقات دولية قوية ومتينة ، ولان الصين قوة اقتصادية هائلة على مستوى العالم ، ولان الصين دولة تحترم نفسها وتبني كل علاقاتها الداخلية والخارجية على أساس " الاشتراكية ذات الخصائص الصينية " ، وتقوم على " صيننة الماركسية " التي تجسد هوية الصين العظيمة وحاضرها ومستقبلها في ظل الانهيارات الكبرى لكل القيم الدخيلة البعيدة عن نبض الشعوب وحقوقها المكتسبة .

ونحن في جبهة النضال الشعبي الفلسطيني ونحن نحتفي بعلاقاتنا التاريخية الوطيدة والمتجددة مع الحزب الشيوعي الصيني والتواصل الدائم بين قيادة الجبهة وعلى رأسها الرفيق الأمين العام د. أحمد مجدلاني مع القيادة الصينية والرفاق الصينيين ، فقد تحملنا كامل المسؤولية إزاء الظرف التاريخي العصيب الذي مرت به الصين ووقفنا بكل عزيمة مع الصين لأننا نريد الخير والسلام والازدهار لهذا البلد الصديق ونريد للصين أن تكون بمركز العالم بسبب مواقفها المبدئية ودعمها اللامحدود للقضية الفلسطينية .

ومن جديد ونحن نستلهم التجربة الصينية ونتعلم منها الدروس والعبر ونسترشد بما حملته من قيم ومبادئ إنسانية فإننا نؤكد ضرورة هذه التجربة وهذه الاشتراكية بخصائصها الصينية التي نتمنى ان يصل بنا المقام لبناء الاشتراكية ذات الخصائص العربية او الاشتراكية ذات الخصائص الفلسطينية .

فما هي الاشتراكية ذات الخصائص الصينية ؟؟

ما هي هذه الاشتراكية التي ألهمت الشعب الصيني وجعلته قادراً على العطاء والتميز والصمود في وجه كل التحديات ، إنها اشتراكية منيعة وقادرة على الثبات وقادرة بان تكون راية كل الشعب الصيني ، بل راية كل الشعوب الباحثة عن العدل والمساواة والديمقراطية الحقيقية .

تحتوي الاشتراكية ذات الخصائص الصينية على ثلاثة جوانب مهمة ومضيئة ، هي : الطريق والمنظومة النظرية والنظام ، ويعد الطريق مسار تحقيقها ، والمنظومة النظرية دليل عملها ، والنظام هو الضمان الأساسي لها ، تتوحد هذه العناصر الثلاثة في الممارسة العظيمة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية.

تقدم " الاشتراكية ذات الخصائص الصينية " إجابة منهجية من حيث الجمع بين النظرية والممارسة ، للسؤال الأساسي المتمثل في ماهية الاشتراكية التي ستبنيها جمهورية الصين الشعبية باعتبارها دولة شرقية كبيرة ذات تعداد سكاني هائل وقاعدة اقتصادية ضعيفة إلى جانب طرح كيفية بنائها.

إن الأساس العام لبناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في الوقت الحالي ، هو المرحلة الأولية للاشتراكية ، والتخطيط العام يتمثل في ” العناصر الخمسة المندمجة ” التالية: البناء الاقتصادي ، والبناء السياسي ، والبناء الثقافي ، والبناء الاجتماعي وبناء الحضارة الإيكولوجية ، أما المهمة العامة فتتمثل في تحقيق التحديث الاشتراكي والنهضة العظيمة للأمة الصينية.

ويعد نموذج الاشتراكية ذات الخصائص الصينية من أنجح النماذج في السياسية والاقتصاد وفي السياسات الاجتماعية وبموجب هذه التجربة شقت جمهورية الصين الشعبية طريقها بقوة لتصبح اليوم نجمة وعنوان الاقتصاد والتنمية والتطور والازدهار على مستوى العالم ، وقد استطاعت الصين القابضة على شعلة الاشتراكية أن تتخطى الصعاب وان تحاصر تفشي جائحة كورونا بثبات ورباطة جأش وقدرة خارقة أذهلت كل العالم خلال الشهرين الماضيين في تعاطيها المسؤول والصارم في مجابهة الكورونا  .

 ولا شك بأن النظام الدولي يشهد منذ سنوات تحولات سريعة على المستويين الاقتصادي والسياسي في السنوات الأخيرة ، وإن كان من الصعوبة بمكان التنبؤ حول نتائج هذه التحولات في الوقت الراهن ، إلا أن اتجاهات هذه التحولات تشير إلى صعود قوى ، وتراجع القوة العظمى التي أدارت ما سمي بنظام " الأحادية القطبية " منذ سقوط الاتحاد السوفيتي.

من هنا ، فإنه من الملاحظ أن قدرة الولايات المتحدة الأميركية على قيادة النظام الدولي بصورةٍ أحادية لم تعد متوفرة ، وبالمقابل ، فإن تأثير دول أخرى بدأ بالظهور إلى حد يمكن اعتبار بعضها مشاريع أقطاب في النظام الدولي الناشئ حالياً.

وعلى رأس الدول التي يتنامى دورها بسرعة ، تأتي الصين الشعبية ، التي تحوي عدد السكان الأكبر بين دول العالم ، وقد تمكنت هذه الدولة الشقيقة من تحويل عدد سكانها الهائل هذا ، من عبءٍ اقتصادي إلى أفضلية لها.

ولا شك أن صعود دور الصين في النظام الدولي يظهر من خلال تصاعد هذا الدور في قضايا الشرق الأوسط ، وهي المنطقة التي تشهد منذ عشرات السنوات صراعاتٍ وحروب عديدة ، كان للقوى الكبرى على المستوى الدولي دوراً أساسياً فيها.

ونفترض أن الصين الشعبية قادرة على لعب دور أساسي في قضايا المنطقة ، وأنها قادمة للعب هذا الدور في فترة ليست ببعيدة ، أرادت ذلك أم لم ترد ، والأسباب لذلك كثيرة ، أبرزها أن واشنطن لن تترك بكين بعيدةً عن الأزمات الدولية ، بل ستسعى إلى إقحامها في مجموعة من هذه الأزمات وأن يكون بعضها على تماسٍ مباشر مع الجغرافيا الصينية ؛ إضافةً إلى أن الدور الصيني في الشرق الأوسط أصبح مطلوباً أكثر من قبل دول المنطقة التي تتطلع إلى بكين على أنها قوة مفيدة ومؤثرة بشكل ايجابي .

وكما قال الرئيس الصيني الرفيق شي جين بينغ خلال كلمته الشاملة في المؤتمر العام التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني : إن دخول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية إلى العصر الجديد يدل على أن الأمة الصينية التي عانت الكثير من المحن الطويلة الأمد منذ العصر الحديث قد استقبلت طفرة عظيمة من النهوض ثم الاغتناء وصولاً إلى تعزيز القوة ، واستقبلت آفاقاً مشرقة لتحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية ؛ ويعني ذلك أن الاشتراكية العلمية أظهرت حيويتها ونشاطها الجبارَيْن بالصين في القرن الـ21 ، حيث ترفرف الرايةُ العظيمة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية عاليةً في العالم ؛ ويشير ذلك أيضا إلى أن طريق ونظرية ونظام وثقافة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية تتطور بلا انقطاع ، إذ أنها وسعت سبل توجّه الدول النامية تجاه التحديث ، وأتاحت خياراً جديداً كل الجدة لتلك الدول والأمم التي لا تأمل في تسريع تنميتها فحسب ، بل ترغب أيضاً في الحفاظ على استقلاليتها ، كما قدّمت الحكمة والحلول الصينية في سبيل تسوية مشاكل البشرية  .

أخيراً فان الاشتراكية ذات الخصائص الصينية تنم عن ثورة سياسية وفكرية واقتصادية واجتماعية وحضارية تقدم نموذجاً لتجربة ، ليس على المستوى الوطني للصين ، بل سيكون لها شأنها العالمي في ظل كل التحولات الكبرى التي سيشهدها العالم .

وسوم: العدد 869