بكورونا أو جوعا… العربي وحرية الموت

فيما تسخر الدول الغربية المتقدمة إمكانياتها في تأمين شبكة رعاية اجتماعية، وصرف رواتب لمواطنيها المتضررين، جراء الإغلاق التام الذي فرضه وباء كورونا، تُطرح تساؤلات مشروعة عن دور الدولة في العالم العربي، ومدى الدعم الذي قدمته لمواطنيها في ظل هذه الأزمة غير المسبوقة.

وللمقارنة وعلى سبيل المثال، خصصت الدولة في بريطانيا ميزانية خاصة لدفع رواتب الموظفين في القطاع الخاص بنسبة تصل لـ80%من رواتبهم طيلة فترة الإغلاق، كما أجبرت البنوك على تأجيل تحصيل أقساط البيوت، ودفعتها لتقديم تسهيلات لأصحاب الأعمال المتضررين، وخصصت برنامجا خاصا لإعانة ودعم من يعرفون» بأصحاب العمل الخاص» الذين يعملون فقط لحسابهم الخاص.

ورغم كل الانتقادات المشروعة، لترهل وربما تردي حال القطاع الصحي العام في بعض الدول الأوروبية، جراء الاقتطاعات المتتالية من الميزانية، إلا أن الدولة هناك سارعت لبناء مستشفيات، ووضع خطط للتعامل مع هذا الوباء وإن كان قطاع الصحة متهالك، وتلام أوروبا العجوز عليه، لكن لا يمكن انكار الدعم المالي المباشر الذي تقدمه تلك الدول لمواطنيها، والذي يعني أن الدولة هناك حاضرة في الأزمات لإعانة مواطنيها، وأمنت لهم مظلة يلجؤون إليها في كل ما يحتاجون إليه، ولو لم توجد الدولة لذلك ولهذه الأوقات.. فلماذا إذن وجدت؟ وجد الأوروبي دولة قوية واقفة إلى جانبه، دفع لها الضرائب ليجدها بجانبه وقت الأزمة، حيث لا مظلة تحمي الجميع إلا مظلة الدولة. وقد ميز تعاطي الدول الغربية كذلك الشفافية التامة في الكشف عن المعلومات وأعداد الإصابات والوفيات، ووضع المواطن يوميا في صورة آخر التطورات في جهود مكافحة الوباء، كما ميزه تصدر العلماء والأطباء لواجهة القيادة ليصطف خلفهم السياسيون.

أما لو وجهنا النظر لتجربة الدول العربية، فتبدو الدولة هناك حاضرة لكن بمقاربات متباينة، بعض الدول الثرية، وفرت شبكة أمان لمواطنيها، لكن بدون استراتيجية واضحة للتعامل مع الوباء، كما تورطت بعض تلك الدول في استعمال استراتيجية أمنية شاملة في التعامل مع الجائحة، عبر فرض قيود على نشر الأخبار، والانتقال من الإنكار إلى الاعتراف التدريجي، وعدم شفافية صاحبت كثيرا من أخبارها حول الوباء. أما الدول الفقيرة غير النفطية، فقد هبّت أجهزة الدولة فيها للتعامل مع الجائحة، لكن أيضا بدون استراتيجية واضحة المعالم، فقد طالبت مواطنيها التزام البيوت، بدون أن تجيب على تساؤل أساسي وهو: كيف سيعيش هؤلاء المواطنون، بدون مدخول مالي، كيف سيوفرون طعامهم، ومن أين سيصرفون، وهم بالكاد أصلا كانوا يستطيعون إعالة عوائلهم قبل كورونا، خاصة من يعمل بالمياومة منهم. هذه الدول الفقيرة وبعض من الدول الغنية كذلك، ذهبت للتعامل مع كورونا بالخبرة الوحيدة التي تمتلكها تاريخيا، وهي المقاربة الأمنية والقبضة العسكرية، حيث أنزلت الجيوش، وأعلنت الاستنفار وعسكرة الحياة العامة والخاصة، ولوح بعضها بالأحكام العرفية، لتشعر كأن كورونا جماعة متمردة أو جيشا معاديا وليس فيروسا.

وعلى عكس أوروبا، تصدر الأمنيون والعسكريون المشهد وغاب العلماء، وحشدت تلك الدول الجيوش والدبابات، وهمّشت أصحاب الاختصاص من العلماء والخبراء. ويبدو أبرز مثال على تلك المقاربة المتبناة عربيا، ما أشارت له صحيفة «نيويورك تايمز» من أن مشكلة الرئيس المصري، على سبيل المثال، مع كورونا «أنه لا يستطيع اعتقاله وزجه في السجون»، وهو الحل الذي دأب عليه الرجل طيلة سنوات حكمه في التخلص من كل ما يزعجه. ونشرت الصحيفة تقريرا لديكلان وولش تحت عنوان «مأزق المستبدين أنهم لا يستطيعون القبض على فيروس». وقال الصحافي في تقريره إن الديكتاتوريين حول العالم لجأوا إلى أساليبهم المعروفة لإظهار حس من القوة، مع أنها استراتيجية محفوفة بالمخاطر وقت الأزمة. لا أقول إن كل الإجراءات التي اتخذت خاطئة، لكنني أتساءل عن كلفة هذه الإجراءات وجدواها على المدى الطويل، وعن أسباب غياب إجراءات مماثلة توفر مظلة أمان اقتصادي ومعيشي للمواطن المكلوم، هذا المواطن الذي سكت طويلا على تلك الدول، التي يزداد فيها الأثرياء ثراء، وتتم سرقة المال العام على حساب الفقراء والمعوزين، أليس أقل ما يمكن أن تقدمه تلك الدول لمواطنيها تأمينهم من العوز في هذه المعركة، وإعادة بعض من الأموال التي دفعوها ضرائب، أو تلك التي سرقها كبار رجال المال والأعمال وسكتت عنهم الدولة؟ السؤال لماذا لا يدفع رجال المال والأعمال لسد عوز بقية الشعب، وهم الذين أثروا لسنوات على حسابه؟

يمكن للأسف تلخيص استراتيجية بعض الدول في التعامل مع الجائحة بأنها: تخيير المواطن بين الموت بفيروس كورونا، أو البقاء في البيوت والموت جوعا.

وسوم: العدد 873