مصر في ليبيا: الهروب إلى الأمام ليس حلاً

علي حسين باكير

في كلمة له خلال تفقّده القوات المسلحة المصرية في المنطقة الغربية العسكرية بمحافظة مرسى مطروح، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إن أي تدخل مباشر لمصر في ليبيا بات يحظى بالشرعية الدولية، مؤكداً على أن «تجاوز سرت والجفرة خط أحمر بالنسبة لمصر»، ومعرباً في الوقت نفسه عن استعداد بلاده «لتسليح أبناء القبائل (الليبية) وتدريبهم».

لاقت تصريحات السيسي بطبيعة الحال ردود فعل غاضبة من الليبيين، واعتبر أعضاء من حكومة الوفاق الوطني -المعترف بها دولياً، بالإضافة إلى مجلس النواب الليبي في طرابلس- أن التصريحات بمثابة تدخل سافر في الشأن الليبي، وتهديد لسيادة ووحدة الأراضي الليبية، داعين إلى وجوب دراسة كل الخيارات المتاحة للتصدي للعدوان المصري.

لكن وبغض النظر عن موقف حكومة الوفاق الشرعية، والمعترف بها دولياً، فإن تصريحات السيسي تنطوي على لائحة طويلة من المغالطات لا تبدأ من موضوع إعطاء الشرعية لمجلس نواب طبرق، ولا تنتهي عند ادعائه توافر الشرعية الدولية للتدخل العسكري المصري في ليبيا. هناك الكثير من الأسباب التي تجعلنا نرجح عدم استعداد النظام المصري للدخول في حرب عسكرية في ليبيا، لكن في نقطة توافر الشرعية الدولية بالتحديد، يفتقد النظام المصري إلى كل المبررات المطلوبة.

أولى الذرائع هي تهديد الأمن القومي المصري من ليبيا، وهذا كلام مردود عليه بدليل أن من ينتشر على حدود مصر داخل ليبيا هم ميليشيات أمير الحرب حفتر وداعميه، ممن وثقتهم تقارير الأمم المتحدة، كالمرتزقة من تشاد والسودان ونظام الأسد في سوريا، و»الفاغنر» من روسيا وأوكرانيا وصربيا، بالإضافة إلى تشكيلة من العصابات الدولية التي يقودها أفراد من جنوب إفريقيا وأستراليا وإنجلترا، وغيرها من الدول. القول إن الأمن المصري يتهدد في سرت، أو في الجفرة، هو محض هراء، ذلك أن سرت تبعد عن المكان الذي ألقى فيه السيسي كلمته غرب مصر حوالي ألف كم، أي ما يزيد عن عرض الساحل الشمالي لمصر بأكمله.

الجيش المصري يعتمد بشكل كبير على المعونات الأميركية السنوية التي يتم إرسالها له، فضلاً عن ذلك، تكاد مصر تعتمد بشكل شبه كلي في أسلحتها وعتادها الرئيسي على الخارج، وهذا يعني أنه ما لم يكن هناك موافقة أميركية صريحة لتدخل عسكري مصري مباشر في ليبيا، فإن أي محاولة في هذا الشأن ستنتهي بفشل ذريع، لا سيما إذا تم زجّ الجيش المصري في العمق الليبي.

هذه الحقائق تعطينا مؤشراً على أن التصريح ليس جدياً، بإمكان مصر أن تقوم بحركة استعراضية على الشريط الحدودي، أو تدخل قليلاً لترضي داعميها الخليجيين، أو لتحاول بناء شعبية مصرية، أو لتنفخ معنويات في صفوف ميليشيات حفتر، لكن مثل هذا التدخل لن يكون له تأثير حقيقي، وسينعكس على الأرجح بشكل سلبي على الجانب المصري قبل أي أحد.

من الواضح أن تصريحات السيسي هي محاولة للهروب إلى الأمام بعد فشل النظام المصري لسنوات طويلة في التعامل مع أزمة سد النهضة الإثيوبي على مياه نهر النيل، والذي من المفترض أنه مسألة أمن قومي من شأنها أن تؤثر على حياة الملايين من المصريين. إثيوبيا ترفض التراجع عن حقوقها أمام الضغوط المصرية، وقبل تصريحات السيسي بأيام قليلة، أعلن الجيش الإثيوبي إمكانية لجوئه إلى القوة للدفاع عن السد في وجه التهديدات العسكرية المصرية. لكن بدلاً من مواجهة هذا الواقع يهرول النظام المصري باتجاه ليبيا، متناسياً أيضاً مشاكله الداخلية، وأبرزها المشكلة الأمنية في سيناء، وأزمة الاقتصاد المصري، وهو ما سيكون له عواقب وخيمة.

وسوم: العدد 882