هذه قصة «أيا صوفيا».. والوعد الصادق لأردوغان

في بريطانيا تم تحويل الكثير من الكنائس إلى مساجد خلال السنوات الماضية، وما زالت هذه الظاهرة تتنامى باستمرار، بسبب أن أعداد المسلمين في ازدياد، ويحتاجون لبيوت عبادة، وفي الوقت ذاته فإن الدولة تقدم الرعاية والحماية الكاملة لبيوت العبادة، بغض النظر عن الأديان ومن دون النظر إلى أصل المبنى، وما إذا كان متحولاً أم أصيلاً.

السكان المحليون أيضاً، سواء من المسيحيين أو غيرهم يقدمون الرعاية والدعم لبيوت العبادة أياً كانت، ولم يحدث ـ في ما نعلم على الأقل- أن تم تسجيل احتجاج من مسيحيين بسبب تحويل كنيسة إلى مسجد، بل إن الكثير من المسلمين في بريطانيا يستأجرون قاعات الكنائس في رمضان لأداء صلاة التراويح، كون الصلاة تتم ليلاً والكنيسة تكون في وقت التراويح شاغرة، بما في ذلك في أيام الأحد والأعياد والعطلات.

في دول العالم المتحضر، فإن القاعدة بسيطة وسلسة، وليس فيها أي حساسيات، وهي أن بيوت العبادة هي واحدة من الخدمات التي يتوجب توفيرها للسكان، على اختلاف أديانهم، كما أن من حق الناس أياً كانوا أن تكون لهم بيوت للعبادة، فعندما يزداد عدد المسلمين في منطقة ما، وتصبح الكنيسة فارغة لا تجد من يصلي فيها، بينما يحتاج المسلمون لمسجد في المكان، فإنه لا يوجد ما يمنع الجالية المسلمة من أن تشتري العقار وتقوم بتحويل الكنيسة إلى مسجد، ولو تغيرت الخريطة الديمغرافية بعد مئة سنة مثلاً، وأصبحت الغالبية من البوذيين أو الهندوس أو غيرهم، فلا يوجد مانع من تحويل المسجد الذي كان يوماً ما كنيسة إلى معبد بوذي.. وهكذا.

أردوغان امتثل لبرنامجه السياسي الذي انتخبه على أساسه الأتراك، الذي يقوم على إعادة الوجه الإسلامي إلى مدينة إسطنبول

الجدل الذي اشتعل في العالم العربي، خلال الأيام الماضية، حول القرار التركي بإعادة تشغيل مسجد «أيا صوفيا» مرده سببان، الأول أن الطائفية لا تزال تُهيمن على العقل العربي في قطاع واسع منه، وبالتالي فإن الحسابات فوراً ترتد إلى أنه «إجراء من مسلمين ضد مسيحيين» وهذا غير صحيح مطلقاً لسبب بسيط وهو، أن نسبة المسلمين في تركيا هي 97% ، أما الباقون فهم إما «لا دينيون» أو من أبناء الأديان الأخرى، ما يعني أنه لا توجد أصلاً في تركيا طائفة مسيحية، وهو ما ينفي الافتراض الطائفي الذي يُعشش في أذهان وعقول بعض العرب. أما السبب الثاني والأهم، للجدل الذي اشتعل حول «أيا صوفيا» فهو سياسي بحت، إذ أنّ بعض العرب يعارض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ويعارض حزبه بشكل أوتوماتيكي، كما أنه بات معروفاً أن هناك عدة دول في المنطقة تقود عملية تحريض ممنهجة ومدروسة ضد تركيا بسبب المواقف التي تتبناها في المنطقة. ولذلك وجدنا أنّ وسائل الإعلام التي تنتمي لدول عربية تحظر بناء الكنائس أصلاً، وتمارس التمييز ضد المسيحيين، وتحاصرهم في دينهم، هي التي تولت هذه المرة الدفاع عن «أيا صوفيا» ككنيسة، والترويج الى أن أردوغان ينتهك حقوق المسيحيين، علماً بأن المسيحيين غير موجودين أصلاً في تلك البلاد!

واقع الحال أنّ «أيا صوفيا» كان كاتدرائية مسيحية قبل نحو 500 سنة، أي خلال فترة حكم الدولة البيزنطية، ثم تحول إلى مسجد حتى عام 1934، عندما قررت الدولة التركية تحويله إلى متحف في سياق تجريد البلاد من الإرث العثماني والإسلامي والتحول نحو العلمانية، ومنذ ذلك التاريخ فلا تجوز الصلاة فيه لأي دين من الأديان.

ما حدث قبل أيام هو، أن أردوغان امتثل لبرنامجه السياسي الذي انتخبه على أساسه الأتراك، وهو برنامج يقوم على إعادة الوجه الإسلامي إلى مدينة إسطنبول، وهي المدينة التي ولد وتربى في زقاقها وباع الكعك «السميط» على رصيفها، حتى يوفر لأمه الطعام ولنفسه مصاريف المدرسة.

الرئيس التركي أردوغان قال بوضوح في مقابلة أجرتها معه في عام 1994 مجلة «المجتمع» الكويتية بأنه سوف يعيد «أيا صوفيا» إلى مسجد، كان يومها قد فاز للتو بأول انتخابات في حياته، وأصبح رئيساً لبلدية إسطنبول عن حزب «الرفاه الإسلامي» الذي كان يقوده الراحل نجم الدين أربكان، وكان هذا الحزب لتوه قد بدأ يحصد أصوات الأتراك في الانتخابات المحلية والبرلمانية. وعليه فان إعادة «أيا صوفيا» إلى مسجد بعد 86 عاماً من كونه متحفاً، يشكل تنفيذاً للوعود الانتخابية التي تعهد بها أردوغان لأبناء شعبه وسكان مدينته، التي ولد فيها، وهذا ما يصعب على بعض العرب أن يفهموه، لأنهم عاشوا حياتهم، من دون أن يزوروا صندوق اقتراع أو يشاركوا في انتخابات، أو يؤسسوا حزباً، أو يعرفوا معنى أن يكون الحاكم منتخباً بأصوات شعبه، وأن يكون قد وعدهم بأمر ما، وأن يكونوا قد انتخبوه على أساس البرنامج.

وسوم: العدد 885