تعديل البرامج والمقررات الدراسية في البلاد العربية مؤشر على التطبيع مع الكيان الصهيوني

بداية لا بد من التذكير بأن البرامج والمقررات الدراسية، وما يتعلق بها من كتب ومؤلفات تلعب دورا مهما في صناعة وصيانة هوية الأمم في كل بلاد العالم . ولقد دأبت البلاد العربية التي تنص دساتيرها على أن الإسلام هو دينها الرسمي على تخصيص حيز مهم له في برامجها ومقرراتها الدراسية خصوصا فيما بعض المواد الدراسية. ويكمن استقراء الكتب والمؤلفات المقررة منذ عقود خلت في تلك البلاد للوقوف على حضور الإسلام فيها ، ذلك أن معظم هذه البلاد تخص الإسلام بمادة دراسية تسمى  مادة الدين أو مادة التربية الإسلامية أو الدينية أو ما شابه وهي مادة تقدم للناشئة المتعلمة نصوصا دينية قرآنا وسنة وما يتعلق بهما  ... وفضلا عن ذلك لا تخلو مواد أخرى من أدب وتاريخ وفكر وفلسفة... من حضور الإسلام فيها ، وكلها تتداخل من أجل إمداد الناشئة ببرامج ومقررات تجعلها تعي هويتها الإسلامية ،وتحافظ عليها وتصونها من تأثير برامج ومقررات أجنبية وضعت من أجل هويات أخرى  والتي من شأنها أن تشوش  عليها ، وربما يكون تأثيرها في الناشئة المتعلمة أكثر من تأثير تلك التي وضعت للهوية الإسلامية .

ومعلوم أنه بعد نكبة فلسطين على إثر تفويتها من طرف الاحتلال البريطاني إلى العصابات الصهيونية، وجدت برامج ومقررات وكتب ومؤلفات في البلاد العربية تعرف الناشئة المتعلمة بالقضية الفلسطينية ،وهي قضية إسلامية باعتبار المقدسات الموجودة فيها وعلى رأسها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين .

وتناول البرامج والمقررات لهذه القضية يقتضى التعرض للمحتل الصهيوني في تلك البرامج والمقررات والكتب والمؤلفات تاريخيا  للكشف عن عقيدته وما تنطوي عليه من أطماع توسعية في البلاد العربية.

ومما كانت تحيل عليه تلك البرامج والمقررات والكتب والمؤلفات  سابقا بعض نصوص القرآن الكريم والحديث الشريف التي تعري الخلفية العقدية للصهاينة وهي من الأساطير المعتمدة عندهم لإقامة كيان محتل وغاصب لأرض فلسطين كما جاء في عنوان كتاب المفكر والفيلسوف رجاء جارودي : " الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل " وهو كتاب طمس، ولم يعد له وجود كغيره من الكتب التي تجدد طبعاتها باستمرار خصوص بعد رحيل صاحبه عن هذه الدنيا .

ولا توجد نصوص تفضح مكر اليهود الذي مكروه بالإسلام  منذ البعثة النبوية وإلى غاية احتلال أرض فلسطين كنصوص القرآن الكريم ونصوص الحديث الشريف ، لهذا كانت تدرج ضمن البرامج والمقررات والدراسية والكتب والمؤلفات المدرسية لتوعية الناشئة المتعلمة بذلك المكر صيانة لهويتها الإسلامية ، خصوصا وأنه لا تفوته برامج ومقررات ومؤلفات غربية لا ينفث سمومه من خلالها تمويها وتلميحا وأحيانا تصريحا .

وبعد فشل الأنظمة العربية في الحروب التي دارت بينهم وبين الكيان الصهيوني بسبب القضية الفلسطينية ،وكانت حروبا غير متكافئة لأن أقوى دول العالم كانت تخوضها إلى جانبه ضدهم ،فضلا عما كان من خيانة من بعضهم سجلها التاريخ الحديث والمعاصر، بدأ تفكير بعض تلك الأنظمة في توقيع هدنة مع الكيان المحتل بضغط من الكيانات الغربية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية خصوصا في أقطار المواجهة المسلحة معه حتى انتهى المطاف بتوقيع معاهدة كامب دافيد بين مصر والكيان الصهيوني ،تلتها معاهدة وادي عربة مع الأردن.

 وبموجب المعاهدتين فرض على الدولتين العربيتين الموقعتين عليهما إحداث تغييرات في  البرامج والمقررات والكتب والمؤلفات المدرسية التي فيها ما يتناول مواضيع تتعلق باليهود كما يصور مكرهم كتاب الله عز وجل وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهكذا حذف دروس ونصوص من البرامج والمقررات الدراسية ، واختفت كتب ومؤلفات في مصر والأردن بسبب معاهدتي السلام والتطبيع  مع الكيان الصهيوني، وقد كانتا مكسبا كبيرا بالنسبة  لهذا الأخير على حساب القضية الفلسطينية .

ولقد شجعت تلك المعاهدتين الكيان الصهيوني على السعي من أجل إبرام  صفقات أخرى مع المزيد من الدول العربية تمهيدا لما بات يعرف بصفقة القرن التي يراد بها طي ملف القضية الفلسطينية  جملة وتفصيلا أو طمسه لصالح الكيان الصهيوني .

ويعتبر تطبيع العلاقة بين الكيان الصهيوني ودولة الإمارات صفقة من تلك الصفات التي بات يصرح بأنه ستليها عما قريب صفقات أخرى ،وقد رجح أنها ستبرم في دول خليجية ، وقد بدت بعض بوادرها تمثلت فيما سمي انفتاحا وإصلاحا في بعض تلك الدول كما هو الشأن بالنسبة للسعودية التي كان نظامها ينهج إسلاما راديكاليا من وجهة نظر الغرب بزعامة الولايات المتحدة .

ومن الأساليب المستعملة لجر المزيد من البلدان العربية نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني أسلوب التهديد بوضع أسمائها على لائحة الدول الراعية والداعمة للإرهاب . و لقد كان الخوف من هذه التهمة وراء مبادرة بعض تلك الدول بإجراء تعديلات على برامجها ومقرراتها الدراسية حيث حذفت منها  دروس يعتبرها الكيان الصهيوني والغرب الداعم له مسؤولة عن تسويق خطاب الكراهية والعنف والإرهاب  ضده وضد حلفائه، وبعضها دروس في مواد إسلامية، ويتعلق الأمر بنصوص قرآنية وحديثية .

ومع انطلاق المزيد من صفقات التطبيع، سيحصل المزيد من التعديلات في البرامج والمقررات الدراسية بالنسبة للدول العربية  المطبعة ، وبهذا سيستعمل الغرب الضاغط من أجل أمن وسلام الكيان الصهيوني الأنظمة العربية لترويض شعوبها على قبول التطبيع خصوصا الناشئة المتعلمة التي سيجعل منها  تعديل البرامج والمقررات الدراسية ناشئة فاقدة لما يجعلها واعية بهويتها الإسلامية وبالقضية الفلسطينية التي هي من صميم هذه الهوية .

ومقابل ما يحدث من تعديلات في البرامج والمقررات الدراسية وفي الكتب والمؤلفات المدرسية في بعض البلاد العربية ، لا وجود لمثل تلك التعديلات في برامج ومقررات وكتب ومؤلفات الكيان الصهيوني التي تربي ناشئته على  التشبث بالهوية الصهيونية العنصرية من خلال تضمنها نصوصا ومضامين دراسية تشجع على خطاب  كراهية الهوية الإسلامية والتحريض على محاربتها.

ونختم بالقول أن الكيان الصهيوني بعد خوضه حروبا غير متكافئة مع العرب بسبب الدعم الغربي اللامحدود  له، صار يراهن على سلاح التطبيع لتحقيق  سلامه وهو يرفع شعار : السلام مقابل السلام الذي يعني في الحقيقة السلام مقابل الاستسلام ، ذلك أن سلامه هو مقابل استسلام العرب أنظمة تفرضه على شعوبها.

ولا شك أن رهان الكيان الصهيوني على التطبيع من أجل  تحقيق أمنه وسلامه، وما يليه من مكاسب مادية تمنحه الرخاء والازدهار عبارة عن حلم لن يحقق له ما يرجوه أبدا ، لأن الشعوب العربية خلافا لأنظمتها المهرولة للتطبيع  لن تقبل التخلي عن هويتها الإسلامية التي بها يتم تحرير أرض فلسطين ، وقد تلقت وعدا إلهيا بذلك في القرآن الكريم ، وفي حديث سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم .

وسوم: العدد 893