ماهر الأخرس إذ يتضامن مع النظام السوري… أمريكا على صفيح ساخن..

د. راشد عيسى

تساءلت، فيما يتاح لي مشاهدة الفيلم اللبناني «جدار الصوت» (من إخراج أحمد غصين)؛ كيف سأشعر تجاهه لو أنه استطاع أن يكون تحفة فنية، هو الذي أثار اعتراضاً شديداً منذ حوالى العام بسبب تصويره في مدينة سورية مدمرة هُجّر أهلها، على أنها بلدة جنوبية دمرتها إسرائيل في حرب تموز/يوليو العام 2006! لكن قبل أن يكتمل السؤال جاءت الدقائق الأولى من العرض لتضعك أمام همّ وحيد؛ متى ينتهي هذا الفيلم، البطيء، وثقيل الظل؟!

لكن لا بأس، ريثما ينتهي العرض، أن يراقب المرء ماذا أفاد صنّاعه من التصوير في دمار تلك المدينة السورية؟ هل يُظهِر التصوير حقاً استحالة اختيار مكان آخر؟

في معظم مشاهد الفيلم لن يكون الدمار استثنائياً يعبّر بالفعل عن واقع التدمير في سوريا، كان من الممكن صناعته على أرض المعركة الحقيقية في لبنان. إلا في اللقطات الأخيرة التي يمشي فيها بطل الفيلم في شارع هائل الدمار، وكان يمكن الاستغناء عنها لأنها بالفعل خارج الخط الذي يقوم عليه الفيلم، أي حصار بضعة من السكان في منزل يفاجأون خلاله بأن جنوداً إسرائيليين اقتحموا الطابق العلوي فيه، ومعظم الدراما فيه ينشأ بفعل هذا الحصار. ثيمة تذكّر بالفيلم البلجيكي «عائلة سورية» (من إخراج فيليب فان لو) إذ يبرع الأخير في تصوير يوميات الحصار من دون الاضطرار إلى الذهاب خطوة خارج جدران المنزل.

يقول المرء لنفسه قد تفيد هذه المشاهد في أن تكون وثيقة مصورة بدقة عالية (ولا شك أن في جعبة المخرج لقطات أخرى مخفية) تسجّل ما فعلت ميليشيا «حزب الله» في مدينة القصير (وفي المدن) السورية المنكوبة.

أروح أتلهى بقراءة «تيترات» الفيلم النهائية، لألاحظ كمّ «التشكّرات» الملقاة هنا وهناك، من بينها لأسماء معروفة بتشبيحها للنظام السوري، لكن على كثرتها لن تجد «شكراً» واحدة لأصحاب البيوت التي صُوّر فيها الفيلم. قلنا حسناً، لن نسعد بالتأكيد بيدٍ مقطوعة، مسروقة، تلوّح لنا من بعيد.

الأسير ماهر الأخرس

الأسير الفلسطيني ماهر الأخرس، الذي أضرب عن الطعام لمئة وثلاثة أيام احتجاجاً على اعتقاله الإداري من قبل الاحتلال الإسرائيلي، خيّب كثيرين ممن تضامنوا وتعاطفوا مع قضيته، عندما حيّا، في 

 «مواقف سوريا المشرفة أمام المؤامرة» كما حيّا «جيشها وحكومتها الداعمة لقضيتنا». الأمر الذي أثار جدلاً ونقاشاً كما حدث في مواقف مماثلة، مع عهد التميمي، وسمير القنطار، وليلى خالد.

دافع البعض عن الأخرس، داعين إلى تقدير ظروف الفلسطينيين المشغولين بتفاصيل العيش المرّ والاحتلال الأكثر مرارة، بل وكذلك ظروف الأسر التي قد تحجبه عمّا يجري في سوريا، لكنها بالطبع ليست ذريعة كافية، فبإمكان العالم أيضاً، أن يتذرع بالانشغال بقضاياه لإهمال قضية الفلسطينيين. ولا ننسى كذلك أن الأخرس في الاعتقال منذ شهور فقط، ولا شك أنه كان على معرفة بما يجري خلال السنوات الفائتة.

ليست الثورة السورية هي المعيار، ولا مؤسسات المعارضة بالطبع، وفي الأساس لم يسأل أحدٌ الأسيرَ الأخرس عن موقفه من الثورة أو يشترطه، لكن ليفكّر الرجل فقط من موقعه كأسير، يستحيل على نظرائه في معتقلات نظام الأسد أن يتمكّنوا من الاحتجاج والإضراب عن الطعام والظهور على الإعلام والذهاب إلى المشفى… فكّر بخليل معتوق (محام) وعدنان الزراعي (ممثل وكاتب سيناريو) وزكي كورديللو (ممثل ومخرج) وابنه مهيار (ممثل) وعبدالعزيز الخيّر (السياسي الأكثر سلمية في العالم) وسواهم الآلاف. ولن يسعنا التعريج على الذين قضوا خلال العشرية المرعبة، وما قبلها، فهل يستحق نظام هذا حال المعتقلين لديه التضامن وتوجيه التحيات الطيبات؟!

أمريكا غير المتجانسة

سيريالية تماماً صورة ما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الانتخابات الأخيرة، كما عكسها إعلام النظام السوري، فحسب برنامج «نور خانم» على «تلفزيون سوريا» رأى محللوه أن «أمريكا ستشهد حرباً أهلية، وأن الولايات المتحدة على سطح صفيح ساخن» كما تحدّث شيخ معمم عن أن «هناك 600 مليون قطعة سلاح منتشرة بين الناس، وميليشيات تظهر بشكل علني» و«هناك سجون خاصة» و«أمريكا من الداخل مهزوزة» إلى محلل تحدث عن غياب التجانس فيها، قائلاً بأن «لا ثقافة حب ودعم للمجتمع» ورغم أن محللاً يقول إن «الشعب مغلوب على أمره» فإنه لا يتردد في تمني «أن تحدث حرب أهليه لهذه الدولة» إلى جانب تصوير الأمريكيين على أنهم الآن يتراكضون من أجل المساعدات الاجتماعية، واقتناء الحاجات الضرورية، فيما البيوت والمحال في محيط البيت الأبيض قامت بالتحصين بأبواب الحديد والخشب خوفاً من الفوضى. وصولاً إلى الحديث عن غياب الديمقراطية في ذلك البلد، بدلالة وجود حزبين فقط، الجمهوري وخلفيته وهابية، والديمقراطي وخلفيته إخوانية!

إذا تخطى المرء مرحلة التأكد من أن ذلك فعلاً لسان حال إعلام النظام، فإنه سيقع حتماً في سؤال أهم؛ هل يصدق الناس، العاديون، في ظل النظام كل ذلك؟ كيف يشعرون إزاءه؟ لكن لحظة، لم أنا مندهش إلى هذا الحد؟! إذا كان أحد ألمع كتاب النظام كتب في عزّ الأيام السورية الصعبة «دمشق آمنة أكثر من نيويورك» فلماذا أستغرب أن يصدق الناس كل تلك الأكاذيب؟!

وسوم: العدد 902