من خوارم المواطنة شيوع سلوك تخريب المرافق العمومية عن قصد وسبق إصرار

ونحن على موعد يوم غد مع ذكرى عيد الاستقلال المجيد ،وهي ذكرى موعظة لمن ألقى السمع وهو شهيد  يجدر بنا استحضار مفارقة يؤسف لها شديد الأسف ،وهي أن مواطنين استرخصوا أرواحهم  ودماءهم من أجل استقلال البلاد لصدق وطنيتهم بينما لا يستنكف آخرون ممن استمتعوا بنعمة الاستقلال دون تضحية من أجله  عن سلوك تخريب مرافقه العمومية ، وهو تخريب له تجليات شتى يطول الحديث في استعراضها إلا  أننا سنركز على بعضها، علما بأن هذا السلوك المشين والمؤسف يشترك فيه المثقفون وأشباه المثقفين والعوام على حد سواء ،  ويمكن القول أنه أصبح جزءا من ثقافتنا إذا صح أن تنسب إلى الثقافة حتى الأمور السلبية  مثل التخريب .

بالأمس مر بنا أحدهم يمتطي سيارة تابعة لمصلحة من المصالح العمومية وهو يسوقها بسرعة جنونية في طريق غير معبد ، والعجاج يكاد يخفيها من فرط السرعة ، فأوقف العجاج كل من كان بعين المكان ، وسمعت أحدهم يخاطبني : أيها السيد: لو كانت هذه السيارة ملكا له أكان يفعل بها هكذا ؟ فأجبته : لا أعتقد ذلك إلا إذا كان الفاعل معتوها .

وصباح هذا اليوم مررت بحاوية زبالة وقد أحاط بها مواطنون يستفرغون حمولتها قبل وصول عمال النظافة لسبر ما فيها مما يريدون استعماله أو استغلاله ، وكان فيهم من يبحث عن علف لماشيته ، وفيهم من يبحث عما يسوقهم من سقط المتاع ، وفيهم حتى المجنون الذي ألف التنقيب فيها عسى أن يجد ما يسد به الرمق . وإذا كان القلم مرفوعا عن هذا الأخير لجنونه ، فإن القلم لن يرفع عمن يعبث عن عمد بحاويات الزبالة ، وهو سليم العقل يطعم منها ماشيته لتصير موبوءة اللحم  مهلكة لمن يستهلكه ، أو يعيد تلويث البيئة والمحيط بما انتهت صلاحيته من سقط المتاع ، وكلاهما يسيء إلى هذا الوطن الذي ضحى من أجله مواطنون ليسوا سواء معهما في الوطنية المنزهة عن خوارمهما .

لقد ذكرنا  هنا من خوارم الوطنية أدناها علما بأن أعلاه أدهى ،ذلك أن من استرعاهم الوطن رعاية  أو مسؤولية مهما كان نوعها، فلم يرعوها حق رعايتها سلكوا في زمرة أصحاب خوارم الوطنية بما يلحقونه بالمرافق العمومية على اختلاف أنواعها  من تخريب . فمن استعمل مرفقا من المرافق  أو سيارة أو أجهزة أو امتيازا غير مستحق ...أو غير ذلك مما هو تابع  لمصلحة من المصالح العمومية في غير ما وضعت له ، فهو مخرب لها باستعمالهما من أجل مصالحه الشخصية عوض المصلحة العامة . ومن لم يصنهما كما يصون  مرافقه ومراكبه وأجهزته ... فهو مخرب لها التخريب العمد عن سبق إصرار ، وإن نجا من حساب الدنيا ، فلا مفر له من حساب الآخرة ولو سبح ،وصلى ،وصام ، وحج ،واعتمر.

وإنه من الجهل أو من الغفلة أو من التهور أن يظن مخربو المرافق العمومية أن  ما يفعلونه خارج التدين والمراقبة الإلهية وأن  الكرام الكاتبين يدونوه تدوينا وكلهم يمر بقول الله تعالى : (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )) ،ولا يجود في تخريب المرافق العامة ما هو في وزن مثقال الذرة بل أصغرها هو كجبل أحد أو أكبر .

ألا يجدر بإعلامنا الرسمي يوم غد وهو يستحضر ذكرى مناسبة الاستقلال ، ويستعرض لقطات من تضحيات من ضحوا من أجل هذا الوطن أن يقوم بمقارنة بين ذلك وبين صور من سلوك تخريب ما ضحوا أولئك من أجله ؟

ألا يجدر بنا جميعا أن نسأل أنفسنا ألا توجد فينا خوارم الوطنية ؟ ألا يصدر عنا ما يسيء إلى هذا الوطن الغالي مهما كان نوع الإساءة تخريبا أو تقصيرا أو إهمالا أو استغلالا لمصلحة شخصية أو تشجيعا على ذلك أو سكوتا عليه ...؟

ونختم بالقول إذا كان حب الوطن من الإيمان ، فإنه لا إيمان لمن يسعى في خرابه مهما كان نوع سعيه  ولو كان مثقال ذرة .

وسوم: العدد 903