هل باتت الصين حليفاً استراتيجياً ٌلإيران؟

محمد فاروق الإمام

صحيفة جوان الإيرانية: معاهدة الأسد والتنين

لاتزال المعاهدة الاستراتيجية لـ25 عامًا بين إيران والصين والتي وصفتها صحيفة "جوان" ذات التوجه المحافظ بأنها "ميثاق الأسد والتنين"، محاطة بالكثير من الإبهام ولا توجد وثيقة رسمية نهائية توضح بنودها، وإن كان المتحدث باسم الحكومة الإيرانية قد أعلن أنها قد وافقت على مسودة المعاهدة، ونشرت بعض المواقع الإيرانية ما أطلقت عليه مسودة المعاهدة، وقد انقسمت الآراء داخل إيران بشأنها بين من يعتبرها خطوة استراتيجية مهمة، وبين من يبدي تخوفًا من أن تحمل في طياتها تفريطًا بالمصالح الوطنية الإيرانية.

(معاهدة الأسد والتنين) هكذا وصفت صحيفة "جوان" الإيرانية الاتفاق بين بيجين وطهران، فهل ينطبق هذا الوصف على الاتفاقية الإيرانية الصينية؟ وهل تعوِّل إيران كثيرًا على موقف الصين، خاصة مع معارضتها لمساعي واشنطن فيما يتعلق بحظر تصدير السلاح، وهو الموقف الذي اتضح عندما رفضت الصين مع روسيا دعوة الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي إلى تمديد حظر تصدير الأسلحة إلى إيران الذي ينتهي خلال بضعة أشهر.

حاليًّا، يأتي الحديث عن توقيع الاتفاقية الاستراتيجية بين إيران والصين في فترة تشهد فيها علاقات كلا البلدين مع واشنطن توترًا ملحوظًا، وفي وقت تعاني فيه إيران من سطوة العقوبات وتعثر الاتفاق النووي فيما طموحات الصين ومشروعها الاستراتيجي "الحزام والطريق" يهيئان أرضية صلبة لتعاون البلدين.

الاتفاقية ترتب العلاقات الصينية الإيرانية

علي ربيع، المتحدث باسم الحكومة، قال في مؤتمر صحفي في الثالث والعشرين من يونيو/حزيران 2020: إن مسودة خطة للتعاون لمدة 25 عامًا بين إيران والصين جرت الموافقة عليها في اجتماع لمجلس الوزراء.

وأشار محمود واعظي، مدير مكتب الرئيس الإيراني، في حديث تليفزيوني إلى أبعاد متعددة بشأن الاتفاق، وتناول بعض القضايا التي أُثيرت بشأنه في وسائل الإعلام والفضاء الإلكتروني، وقال واعظي: إنه في مرحلة ما، وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 50 مليار دولار سنويًّا، وخلال زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى طهران في عام 2016، جرت محادثات تناولت الجوانب الاقتصادية والقضايا الإقليمية والعلاقات الثقافية بين البلدين، وكان من الواضح لكلا البلدين أن العلاقات وصلت إلى نقطة تمكنهما من العمل معًا كشريكين مستقبليين، وخلال المؤتمر الصحفي لتلك الزيارة أعلن الرئيسان، الإيراني والصيني، عن بيان مشترك تضمن العمل على وثيقة ترتب مستقبل العلاقة ضمن رؤية استراتيجية للعلاقات بين البلدين في مختلف المجالات، وهل يمكننا القول أن هذه الاتفاقية إذا أبرمت بين البلدين سيجعل من الصين حليفاً استراتيجياً لإيران؟

مضمون الاتفاق

لم تُعلِن الحكومة الإيرانية حتى الآن عن مضمون الاتفاق بشكل تفصيلي، لكن العديد من التقارير الدولية والإيرانية، بالإضافة إلى مسودة تم تسريبها باللغة الفارسية، تتحدث عن امتيازات ضخمة ستحصل عليها الصين بموجب الاتفاق الذي يغطي قائمة واسعة من المجالات.

ووفقاً لهذه التسريبات، يتضمن الاتفاق استثمار الصين 400 مليار دولار أمريكي داخل مختلف القطاعات الاقتصادية الإيرانية خلال مدة الاتفاق، أي بمتوسط 16 بليون دولار سنوياً؛ سيتم استثمار حوالي 280 مليار دولار منها في قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية، وسيتم ضخ جزء كبير من هذه الاستثمارات خلال السنوات الخمس الأولى. أما قطاع البنية التحتية فسيحظى بحوالي 120 مليار دولار. كما يشمل الاتفاق تسهيل نفاذ الاستثمارات الصينية إلى قطاع التعدين بسبب عدم توفر التكنولوجيات اللازمة للحكومة الإيرانية لاستغلال المناجم العميقة.

وبموجب هذه التسريبات أيضاً، ستتمتع الصين بالحصول على الواردات النفطية من إيران بأسعار مُنخفِضة عن أسعار السوق، وإمكانية الدفع الآجل حتى عامين، إلى جانب إمكانية الدفع بالعملة المحلية الصينية (اليوان)، وهي مسألة تنطوي على مكاسب مشتركة للطرفين؛ إذ تزيد من فرص تحوُّل العملة المحلية الصينية إلى عملة دولية، وأداة للوفاء وتسوية المعاملات الدولية، كما تُجنِّب إيران الاعتماد على الدولار الأمريكي.

كما يشمل الاتفاق أيضاً التنمية المشتركة للصناعات العسكرية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والمناورات العسكرية المشتركة. وذهب بعض التقارير الإعلامية الإيرانية إلى أن الحكومة الإيرانية تنازلت عن جزيرة "كيش" للصين، لكن بصرف النظر عن دقة هذه التقارير، فإن الاتفاق يمنح الصين -في الأغلب-فرصة كبيرة للنفاذ إلى الموانئ الإيرانية. ووفقاً للعديد من التقارير، يسمح الاتفاق بوجود 5000 عنصر أمني صيني لحماية المنشآت والمشروعات الصينية داخل إيران، وإن كان بعض المصادر الصينية قد نفت ذلك.

وبعيداً عن مضمون المسودة، ليس من المستبعد أن تكون هناك بعض البنود السرية التي لن يتم الإعلان عنها.

مصالح طرفي الاتفاق

هذا الاتفاق هو محصلة للتطورات المتلاحقة في العلاقات الصينية-الإيرانية، وسياسة "الدَّوران شرقاً" التي تبنتَّها إيران منذ فترة. لكن هذا لا ينفي أن الاتفاق الأخير يمثل نقلة نوعية كبيرة في العلاقات بين البلدين، على نحو يثير العديد من التساؤلات حول دوافع ومصالح الطرفين من توقيع اتفاق كهذا.

المصالح والدوافع الإيرانية

هناك عدد من الدوافع والمكاسب الإيرانية المتوقعة من الاتفاق، أبرزها ما يلي:

أ. إنقاذ الاقتصاد الإيراني

لا يمكن فهم إقدام إيران على توقيع الاتفاق في هذا التوقيت بمعزل عن الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني، نتيجة سياسة "الضغوط القصوى" التي تمارسها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد النظام الإيراني، والتي استهدف الوصول بالصادرات الإيرانية من النفط إلى "صفر صادرات". وقد حققت هذه السياسة نجاحاً كبيراً، ما أدى إلى تراجع حاد في مؤشرات أداء الاقتصاد الإيراني.

وتزامنت هذه السياسة الأمريكية مع تعرُّض إيران لعددٍ من الأزمات الأخرى، كان أبرزها مقتل قاسم سليماني، قائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني في 3 كانون ثاني/يناير 2020، والذي كان يمثل أحد أهم صانعي ومنفِّذي السياسة الإقليمية الإيرانية في عدد من دول الجوار، ثم حادثة إسقاط الطائرة الأوكرانية في الثامن من الشهر نفسه، بالإضافة إلى تحوُّل إيران إلى بؤرة إقليمية لجائحة "كوفيد-19".

كل هذا المشكلات أدت إلى اهتزاز كبير في شرعية النظام الإيراني. وفي هذا السياق، جاء الإعلان عن هذا الاتفاق باعتباره رافعة إنقاذ للاقتصاد الإيراني عبر محاولة تأمين تدفقات صادرات النفط الإيراني لثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتأمين تدفق الاستثمارات الصينية في عدد من القطاعات الاقتصادية الإيرانية، وبشكل يسمح للنظام بالحديث عن إنجاز مهم، وأنه يُوجِّه "ضربة" مهمة للولايات المتحدة، خاصة في ضوء ضعف رد فعل النظام الإيراني على عملية مقتل سليماني وعمليات احتواء السياسة الإيرانية في الإقليم.

ب. تحوُّل إيران إلى مركز إقليمي على "الحزام والطريق"

تحظى إيران بوضع مهم على مسار المُكوِّن البري في مبادرة "الحزام والطريق"، من خلال ممر "الصين-غرب آسيا". ومن شأن هذا الاتفاق أن يؤدي إلى تعظيم دور إيران وموقعها على مسار المبادرة، من خلال منح إيران فرصة كبيرة للارتباط بالبنية التحتية الإقليمية وعبر الإقليمية في إطار المبادرة، بما يتضمنه ذلك من الارتباط بشبكات الموانئ والسكك الحديدية. ووفقاً للعديد من التقارير حصلت إيران على وعود صينية لتطوير شبكة السكك الحديدية الداخلية، وتطوير ساحل "مكران" Makran على بحر عمان، وتطوير ميناء "جاسك" Jask، وبناء ثلاث مناطق تجارة حرة في "ماكو" Maku و"عبادان" Abadan وجزيرة "كيش" Kish بالخليج العربي.

وبهذا المعنى، فإن الاتفاق يسهم في تحويل إيران إلى مركز إقليمي على "الحزام والطريق"، الأمر الذي لا يضمن لها فقط تحقيق مكاسب اقتصادية ضخمة في مرحلة يعاني فيها الاقتصاد الإيراني من أزمات هيكلية بسبب حزمة العقوبات الأمريكية الراهنة، لكنه ينطوي على مكاسب استراتيجية لا تقل أهمية؛ إذ من شأن تعميق ارتباط الاقتصاد الإيراني بالبنية التحتية الإقليمية وعبر الإقليمية خلق مصالح دولية في الدفاع عن إيران في مواجهة السياسات الأمريكية؛ وهذه المصلحة قد تكون صينية بالأساس في المرحلة الأولى، لكن تعميق تكامل وارتباط الاقتصاد الإيراني والبنية التحتية الإيرانية بالمراكز الإقليمية الأخرى على المبادرة سيستتبع تدريجياً تزايد حجم المصالح الدولية حول إيران.

المصالح والدوافع الصينية

هناك مصالح صينية عدة تقف وراء هذا الاتفاق، أهمها الآتي:

أ. فتح فرص نفاذ للشركات الصينية

تزداد أهمية هذا الهدف بالنسبة للصين بالنظر إلى عاملين، أولهما مشكلة الفائض في القدرات الإنتاجية التي تُعاني منها الشركات الصينية الكبرى العاملة في مجالات البنية التحتية والقطاعات ذات الصلة بها بسبب تشبُّع السوق المحلية الصينية، ومن ثمَّ وجود حاجة ماسة للأسواق الخارجية في هذا المجال. والعامل الثاني، القيود التي باتت تواجهها شركات تكنولوجيا الاتصالات الصينية (وخصوصاً شركة هواوي)، بسبب السياسات الأمريكية المناهضة لتكنولوجيات الجيل الخامس الصينية، ما خلق حاجة ماسة أيضاً لتوفير أسواق بديلة أو موازية للأسواق الغربية. ويفسر ذلك تضمين الاتفاق - وفقاً للتسريبات - التزام إيران بشراء تكنولوجيات الجيل الخامس من الصين.

ب. تأمين تدفقات النفط الإيراني إلى الصين

كما سبق القول، يتضمن الاتفاق التزام إيران بضمان ضخ النفط إلى الصين بأسعار تنخفض عن الأسعار العالمية. ومبيعات النفط الإيراني إلى الصين تنطوي على مكاسب مشتركة للطرفين، خاصة إذا استطاعت الصين كسر العقوبات الأمريكية المفروضة على الصادرات النفطية الإيرانية.

ج. توسيع دائرة الحضور الصيني في مسرح "الإندو-باسيفيك" واستكمال سياسة "عقد اللؤلؤ"

هناك استراتيجية صينية يَجري تطبيقها منذ سنوات تقوم على النفاذ إلى أكبر عدد ممكن من الموانئ البحرية، سواء من خلال الحصول على امتيازات عسكرية (مثل القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي) أو امتيازات اقتصادية وتجارية. وتعتمد الصين في هذا المجال على توقيع أكبر عدد ممكن من الاتفاقيات المنظمة لهذه التسهيلات.

وبهذا المعنى، فإن وصول الصين إلى الموانئ الإيرانية بات حلقة مهمة ضمن هذه الاستراتيجية، حيث تَضمَّن الاتفاق ضمان نفاذ الصين إلى الموانئ الإيرانية، وعلى رأسها ميناء "جاسك" القريب من مضيق هرمز على الخليج العربي. وبالإضافة إلى ما يمثله الحضور الصيني في "جاسك" من أهمية استراتيجية لحماية تدفقات النفط الإيراني عبر مضيق هرمز، فإنه يحمل أهمية رمزية أخرى من زاوية قربه من مقر الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين، وما يمثله ذلك من إنهاء الاحتكار الأمريكي للحضور الدولي في الخليج العربي.

التداعيات الاستراتيجية للاتفاق

لا تزال التداعيات الاستراتيجية للاتفاق موضوع جدل شديد بين وجهتي نظر أساسيتين؛ الأولى تذهب إلى أن الاتفاق يعكس جزءاً من تحولات استراتيجية مهمة في السياسة الصينية تجاه النظام العالمي والسياسات الإقليمية، ويُمثِّل تعبيراً عن تحوُّل محدد في هذه السياسة تجاه إقليم الشرق الأوسط، من سياسة تقليدية قامت على أولوية المصالح والسياسات الاقتصادية إلى سياسة جديدة تُعلي من أهمية المصالح الاستراتيجية والأمنية جنباً إلى جنب مع المصالح والسياسات الاقتصادية. ويُعزز هذه الفرضية توقيت الإعلان عن الاتفاق، وتزامنها مع توجُّه العلاقات الصينية-الأمريكية نحو مرحلة الاستقطاب والمواجهة الشاملة في مختلف المجالات. ووفق هذه الفرضية، فإن الاتفاق سينطوي على تداعيات استراتيجية مهمة، سواء على مستوى العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، أو على مستوى العلاقات العربية-الإيرانية، أو على مستوى التوازن العسكري في المنطقة.

في المقابل، ترى وجهة النظر الثانية أن الاتفاق لا يُعبِّر عن تحول استراتيجي في السياسة الصينية تجاه الإقليم، وأنه لا يتجاوز حدود الشراكات الاستراتيجية العديدة الأخرى للصين مع دول أخرى في المنطقة، ومن ثمَّ فإنه لا يزال ذا طابع "تكتيكي".

بنود الاتفاقية

تحدث البند الأول عن الرؤية التي تحكم هذه الاتفاقية، وتتلخص في شراكة استراتيجية شاملة بين ‏الصين وإيران، على أساس نهج مربح للجانبين في مجال العلاقات الإقليمية والدولية الثنائية.‏

أما البند الثاني، والذي يتعلق بمهمة هذه الاتفاقية، فقد حدد مجموعة من الأهداف التي سيعمل ‏الطرفان معًا لتحقيقها، وهي:‏

-توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري.‏

-التفاعل الفعال بين وكالات القطاع العام والخاص والمناطق الحرة والخاصة.‏

-زيادة التأثير في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والسياحة.‏

-الشراكة الاستراتيجية في المجالات الاقتصادية المختلفة.‏

-توسيع التعاون بين الجامعات وأقسام التكنولوجيا والعلوم.‏

-المراجعة الفعالة والمستمرة للتعاون الاقتصادي المشترك للتغلب على العقبات والتحديات.‏

-دعم مواقف بعضهم البعض والتعاون في المحافل الدولية والمنظمات الإقليمية.‏

-تعزيز تطبيق القانون والتعاون الأمني في مختلف المجالات، بما في ذلك مكافحة الإرهاب.‏

-توسيع التعاون العسكري لتعزيز القدرات الدفاعية والاستراتيجية.‏

-التعاون في المجالات الأخرى.‏

ويتحدث البند الرابع عن مجالات التعاون ويوضحها في الملحق، وفي مقدمة هذه المجالات:‏

-الطاقة وتشمل النفط الخام (الإنتاج والنقل والتكرير وأمن الإمدادات) والبتروكيماويات والطاقة ‏المتجددة والطاقة النووية المدنية.‏

-الطرق السريعة والسكك الحديدية والمفاصل البحرية لتعزيز دور إيران في مبادرة الحزام والطريق.‏

-التعاون المصرفي رفيع المستوى، مع التركيز على استخدام العملات الوطنية، ومكافحة غسيل ‏الأموال وتمويل الإرهاب والجريمة المنظمة.‏

-السياحة والعلوم الأكاديمية والتكنولوجيا وتبادل الخبرات في تدريب القوى العاملة للقضاء على الفقر ‏وتحسين معيشة الناس في المناطق الأقل نموًّا.‏

ويتحدث البند الخامس عن التدابير التنفيذية، بناءً على المبادئ والمصالح المشتركة، ووفقًا لمبادئ ‏التجارة بين المؤسسات الاقتصادية، سيوسع الطرفان تعاونهما الاستراتيجي الشامل في جميع ‏المجالات من خلال تنفيذ التدابير المنصوص عليها في الملحق رقم 3 لهذه الوثيقة.‏

ويلخص البند السادس المراقبة والتطبيق لهذا الاتفاق ضمن النقاط التالية:‏

لتنسيق ورصد تطبيق أحكام هذه الوثيقة، يجب على الأطراف إنشاء آلية تحت رعاية السلطات ‏المختصة ومن خلال ممثلين عن القادة.‏

في هذا الصدد، سيعقد ممثلون رفيعو المستوى اجتماعات سنوية، وإذا لزم الأمر، سيعقد المسؤولون ‏المعنيون اجتماعات تشاورية مع نظرائهم.‏

على وزارتي الخارجية في البلدين، بصفتهما مسؤولتين، بالتعاون مع الوزارات الأخرى، بما في ذلك ‏وزارة التجارة الصينية ووزارة الاقتصاد والمالية الإيرانية، واجب مراقبة تنفيذ أحكام هذه الوثيقة وإبلاغ ‏قادتها بالتقدم المحرز في الأوقات المناسبة.‏

وتضمن البند السابع حديثًا عن دعوة بلدان أخرى للمشاركة، وقال البند: نظرًا للمصالح المشتركة في ‏مبادرة الحزام والطريق، يشجع الطرفان التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف من خلال برامج مشتركة في ‏البلدان المجاورة أو البلدان الأخرى.‏

ويتحدث البند الثامن عن رفض الضغوط الخارجية، ودعمًا لمبدأ تعددية الأطراف، تحمي الأطراف ‏تنفيذ أحكام هذه الوثيقة ومعارضة الضغط غير القانوني من قبل أطراف أخرى.‏

مستقبل الاتفاق

رغم المكاسب الإيرانية المتوقعة من الاتفاق لكنه لا يزال يواجه العديد من التحديات، أبرزها وجود معارضة داخلية، بما في ذلك من جانب رموز التيار المحافظ، ومن بينهم الرئيس السابق أحمد نجاد، الذي ذهب إلى أن الحكومة الإيرانية "باعت" السيادة الإيرانية للصين. فيما وصفه رضا بهلوي في تغريدة له على موقع "تويتر" بـ"الصفقة المُخزية".

وهذه المعارضة لا تستند فقط إلى حجم الامتيازات التي يتضمنها الاتفاق للصين، لكنها تستند أيضاً إلى بعض النصوص الواردة في الاتفاق، مثل النص على أن الصين "سوف تُولي اهتماماً بطريقة إنفاق إيران عائدات مبيعات النفط"، وأن الصين تتوقع أن تقوم إيران باستخدام هذه العائدات "بطريقة مثالية". فهذه العبارات الغامضة تُثير جدلاً حول احتمالات تدخُّل الصين في طريقة إنفاق هذه العائدات إذا رأت في لحظة ما أن هذه العائدات يتم توجيهها إلى بنود إنفاق لا تتوافق مع المصالح الصينية، أو ستؤثر على استقرار إيران داخلياً، بشكل قد ينعكس سلباً على الاستثمارات الصينية.

وتأخذ القضية أبعاداً أكثر من ذلك، إذ ربما لم يكن الجانب الصيني هو من وقف وراء هذا النص، لكن مؤسسة الرئاسة ووزارة الخارجية الإيرانية، وهما الطرفان الرئيسان اللذان قاما بالتفاوض حول الاتفاق مع الصين، إذ يصبح الهدف هنا وضع قيود على احتمالات هيمنة الحرس الثوري الإيراني على هذه العائدات بهدف عدم توجيهها إلى المشروعات الخارجية للحرس الثوري، والمتمثلة في الأذرع الإيرانية في الإقليم داخل العراق وسورية ولبنان واليمن. وقد تكون هذه مصلحة مشتركة للطرفين (الرئاسة الإيرانية والصين)، إذا أخذنا في الاعتبار وجود مصلحة صينية في عدم إدخال إيران في مواجهات إقليمية قد تزيد من فرص الضغوط على الصين للتدخل لمصلحة إيران. ومن ثمَّ، من المتوقع في هذه الحالة أن يثير الاتفاق خلافاً في مرحلة لاحقة بين مؤسستي الرئاسة والخارجية الإيرانية من ناحية، والمرشد الأعلى والحرس الثوري من ناحية أخرى، حول طريقة استخدام العائدات المالية للاتفاق.

كما يرى البعض أن حجم التدفقات المالية الصينية لا يتناسب مع حجم الامتيازات التي ستحصل عليها الصين بموجب الاتفاق، ولا يتناسب كذلك مع حجم الاحتياجات الصينية من الاستثمار الأجنبي المباشر. فوفقاً للخطة التنموية الصينية، فإنه من أجل تحقيق معدل نمو سنوي قدره 7% سنوياً، فإن الاقتصاد الإيراني في حاجة إلى ضخ استثمارات تتراوح بين 70 و100 مليار دولار في مختلف القطاعات، يكون نصفها على الأقل استثمارات أجنبية مباشرة، ما يعني حاجة الاقتصاد الإيراني إلى حجم استثمارات أجنبية مباشرة قدرها حوالي 40 مليار دولار سنوياً، أي حوالي 1000 مليار دولار على مدى 25 عاماً المقبلة، وهو رقم أعلى بكثير من الوعود الصينية حسب الاتفاق.

لا يزال الاتفاق الإيراني-الصيني موضوع جدل شديد بسبب عدم الإعلان عن صيغته بشكل رسمي. وهناك أيضاً جدل حول تداعياته الاستراتيجية، وما إذا كان يُعبِّر عن تحوُّل استراتيجي في السياسة الصينية تجاه إقليم الشرق الأوسط، أم يُعبِّر فقط عن تحرك تكتيكي في ظل المرحلة الراهنة في العلاقات الصينية-الأمريكية. وفي جميع الحالات يمكن القول إنه ما تزال هناك العديد من الضوابط التي تَحوْل دون تحوُّل الاتفاق إلى مصدر تهديد للعلاقات الصينية بباقي دول الإقليم، على رأسها المصالح الصينية مع دول مجلس التعاون الخليجي، ومع إسرائيل.

كما أن خبرة العلاقات الصينية-الإيرانية خلال مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق النووي في عام 2015، أو بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق في عام 2018، تقول بأن المراهنات المتبادلة بين الطرفين لم تكن في محلِّها. ومن ثمَّ، فإن تحسُّن العلاقات الصينية-الأمريكية أو العلاقات الإيرانية-الأمريكية سيؤديان إلى تحجيم التداعيات الاستراتيجية للاتفاق وقد يحصرها في الجوانب الاقتصادية والتجارية.

في الوثيقة الإيرانية-الصينية، جرى رسم خارطة طريق للتعاون ولم تدخل في أية مرحلة تنفيذية.

موضوع بيع النفط المخفض والحصري للصين ليس في نص الوثيقة.

وينفع لفهم أبعاد هذه الاتفاقية العودة إلى إعلان 2016 بين البلدين؛ حيث إن الاتفاقية لن تخرج في بنودها عن هذا الإعلان، الذي يقول: يشهد الوضع الإقليمي والدولي تطورات عميقة ومعقدة. وتؤكد الصين، على سياسة التعاون مع الدول النامية في الشؤون والسعي لبذل جهد مشترك لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة والعالم. نظرًا للحاجة الحقيقية لتحسين العلاقات بين إيران والصين ضمن السياق الجديد، اتفق الجانبان على إقامة علاقات تقوم على "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" وتطوير التعاون الثنائي في المجالات التالية:

*المجال السياسي

يعتقد الطرفان أنه في حالة اتسعت فيها عملية الاستقطاب في النظام الدولي وعولمة الاقتصاد، أصبحت العلاقات بين إيران والصين ذات أهمية استراتيجية ويعتبر كل منهما الأخرى شريكًا استراتيجيًّا مهمًّا، مما يعطي الأولوية لتطوير العلاقات بين الطرفين في سياستهما الخارجية. إن التنمية السليمة والمستقرة للعلاقات تخدم المصالح المشتركة للبلدين وتساعد في الحفاظ على السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة والعالم.

من أجل تعزيز الخطاب السياسي لكبار المسؤولين حول القضايا ذات الاهتمام المشترك وتعزيز الثقة الاستراتيجية المتبادلة، يتفق الطرفان على إنشاء آلية للاجتماعات السنوية لوزراء الخارجية وكذلك اجتماعات دورية للمشاورات السياسية لنوابهم الإقليميين.

يؤكد الطرفان على ضرورة توسيع التواصل بين الحكومات بصورة مركزية والتعاون ضمن إطار (الحكومات المحلية) والأحزاب والجماعات السياسية من أجل تبادل الخبرات وتعزيز التفاعل في جميع المجالات.

مع التأكيد على الدور الفعال للهيئات التشريعية للبلدين في توسيع العلاقات وتنميتها، يدعم الجانبان زيادة التبادلات وزيادة التعاون البرلماني والهيئات التشريعية للبلدين على مختلف المستويات وفي مختلف المجالات، وكذلك التشاور في المؤسسات الإقليمية وبين المؤسسات الدولية ذات الصلة، مثل تجمع البرلمانات الآسيوية والاتحاد البرلماني العالمي.

يدعم الطرفان بقوة بعضهما البعض في القضايا المهمة المتعلقة بالمصالح الأساسية للبلدين، بما في ذلك الاستقلال والسيادة الوطنية والسلامة الإقليمية. ويدعم الجانب الإيراني بشدة وحدة الصين، ويدعم الجانب الصيني "خطة التنمية" للجانب الإيراني كما يدعم زيادة دور إيران في الشؤون الإقليمية والدولية.

*مجال التعاون التنفيذي

بالنظر إلى الإرادة القوية للطرفين لتطوير العلاقات بين البلدين والنظر في تكامل القدرات الاقتصادية ووجود مجالات التعاون المختلفة في مجالات الطاقة والبنية التحتية والصناعة والتكنولوجيا وغيرها من المجالات المشتركة، يتفق الطرفان على بدء مفاوضات لإبرام اتفاقية للتعاون لمدة 25 عامًا.

يرحِّب الجانب الإيراني بمبادرة "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" و"طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين"، التي اقترحتها الصين، وتعظيم مزاياها واغتنام الفرصة لتوقيع وثائق مثل "مذكرة التفاهم بين حكومة إيران والصين بشأن الإنشاء المشترك لطريق الحرير والحزام الاقتصادي لطريق الحرير للقرن الحادي والعشرين" و"مذكرة تفاهم للتعاون في مجال القدرات الصناعية والمعدنية ورأس المال"، و"حركة النقل بين إيران والصين". وسوف يوسعون التعاون والاستثمار المتبادل في مختلف المجالات مثل النقل والسكك الحديدية والموانئ والطاقة والتجارة والخدمات الصناعية.

قام البلدان بتحسين تعاونهما الثنائي ومتعدد الأطراف في مجالات الطاقة الأحفورية والمتجددة، وأمن العرض والطلب، ونقل الوقود الأحفوري واستثمارات وتمويل الصين لمشاريع اقتصادية تنصبُّ على مشاريع صناعة الطاقة في إيران وسيقدم الجانب الإيراني التسهيلات والدعم الضروري في هذا الصدد.

يعلن الطرفان اتفاقهما على تطوير التبادل الاستثماري والتجاري ويتفقان على "مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون الاستثماري بين جمهورية إيران الإسلامية وجمهورية الصين الشعبية". ويشمل ذلك المناجم والنقل والاتصالات والفضاء والصناعات التحويلية وتطوير الموانئ وتحسين وتطوير شبكة السكك الحديدية والسكك الحديدية عالية السرعة والزراعة والموارد المائية وحماية البيئة والأمن الغذائي والتصحر وتحلية المياه والاستخدام السلمي للطاقة النووية والمتجددة والعمل معًا لتبادل الخبرات وتكنولوجيا تدريب القوى العاملة.

يقدِّر الجانب الصيني مشاركة إيران "كعضو مؤسس" في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ويرغب الجانبان في تعزيز التعاون بينهما في المجالات ذات الصلة والعمل معًا من أجل التنمية والازدهار في المنطقة الآسيوية.

*المجال الإنساني والثقافي

يتفق الطرفان على لعب دور قيادي في اللجنة الثقافية المشتركة للبلدين وتعزيز مستوى التعاون الثقافي، بالنظر إلى القواسم التاريخية والإمكانات الكبيرة للبلدين في المجال الإنساني. وفي هذا الصدد، سيتم تشجيع مواطني البلدين على السفر إلى الدولة الأخرى، وتعزيز التعاون في مجالات السياحة والصحة والشباب والرياضة، وتوسيع التبادلات الصحفية والدبلوماسية العامة، ويواصل البلدان المشاورات بشأن إنشاء المراكز الثقافية وتوفير التسهيلات اللازمة. من خلال تعزيز آلية التعاون القنصلي، ويؤكد الجانبان على ضرورة دعم وتوفير التسهيلات اللازمة لمواطني كل من البلدين في البلد المتبادل.

يعمل الطرفان على زيادة تعاونهما في مجال التعليم العالي والجامعي، وتبادل الأساتذة والطلاب، والتعاون العلمي، ونقل التقنيات الجديدة، وتنفيذ المشاريع المشتركة.

*مجال القضاء-الدفاع-الأمن

يعمل الطرفان على توسيع التعاون القضائي في جميع المجالات ومن خلال تبادل الوفود رفيعة المستوى والتعاون المتخصص، وكذلك الاتفاق على تبادل المجرمين، والمساعدة القضائية في المسائل الجنائية واتفاقيات المساعدة القضائية في الشؤون المدنية والتجارية، والاستشارات.

يعتبر الطرفان الإرهاب والتطرف والحركات الانفصالية تهديدًا للمجتمع البشري والسلام والاستقرار العالميين، وفي الوقت الذي يؤكدان فيه على الحاجة إلى إرادة قوية وموحدة من المجتمع الدولي في مكافحة هذه الظواهر الشريرة الثلاثة، واستعدادهما لمناقشة السياسات يعلنان التعاون العملي في هذا الصدد.

تعزيز الاتصالات والتعاون بين الطرفين في مجالات مكافحة الاتجار غير المشروع وتهريب السلع والاتجار بالمخدرات ومكافحة الجرائم الإلكترونية والجريمة المنظمة، مع دعم الآليات القائمة والنظر في إنشاء آليات جديدة مطلوبة، وتعزيز التعاون في رفع مستوى قوات إنفاذ القانون، بما في ذلك تدريب كوادر إنفاذ القانون.

يعتبر الطرفان تعزيز العلاقات بين القوات المسلحة ووزارة الدفاع في البلدين أساسًا للاستقرار والأمن، ويؤكدان على زيادة تبادل الوفود والمشاورات والتنسيق على مختلف المستويات، ورفع مستوى التعاون بين القوات المسلحة من خلال آليات التعاون في مجال تدريب القوات وتعزيز مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والمعدات والتكنولوجيا.

*مجال الشؤون الإقليمية والدولية

يؤكد الطرفان دعمهما لعملية تعدد الأقطاب في النظام الدولي ويعلنان استعدادهما لمواجهة التحديات العالمية وإيجاد عالم مليء بالسلام والاستقرار، ويجددان التزامهما بالمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، ولاسيما ضرورة احترام السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول. كما يعارض البلدان أي استخدام للقوة أو التهديد باستخدامها أو فرض عقوبات غير عادلة ضد دول أخرى، وكذلك جميع أشكال الإرهاب، ويؤكدان على أن حل النزاعات والقضايا الدولية المعقدة يكون من خلال الحوار والمفاوضات السياسية.

يقدِّر الجانب الصيني دور إيران البنَّاء في مكافحة الإرهاب وصون السلام والاستقرار في المنطقة. يعتقد الجانبان أن السلام والاستقرار في المنطقة يصبان في المصلحة المشتركة للمجتمع الدولي ومستعدان لتعزيز المشاورات حول القضايا الإقليمية المهمة، بما في ذلك التطورات في سوريا واليمن وإنشاء منطقة خالية من الأسلحة، والنهوض بعملية حل القضايا الحادة من خلال المفاوضات السياسية ودعم مطالب دول المنطقة التي تسعى إلى نظام سياسي ومسار للتنمية وفقًا لظروفها، حتى يتسنى تحقيق الاستقرار المستدام والتنمية الاقتصادية المستمرة وتحقيق تقدم اجتماعي لدول هذه المنطقة. كما يدعم الطرفان سعي الشعب الفلسطيني لتحصيل حقوقه.

تعزز الأطراف مشاوراتها في إطار المنظمات الإقليمية والدولية، وتعلق الصين أهمية كبيرة على نفوذ إيران كدولة رئيسة في المنطقة وتقدر دور إيران في الأنشطة ذات الصلة في إطار منظمة شنغهاي للتعاون وتدعم طلب إيران للعضوية الرسمية في هذه المنظمة.

يرحب الجانبان بحقيقة أن P5 + 1 وإيران اتفقتا على "خطة عمل مشتركة شاملة" ويعتقدان أن هذا الاتفاق سيساعد على ضمان أن تكون الأنشطة النووية الإيرانية سلمية، مع تمتع إيران الكامل بحقها المشروع في الاستخدام السلمي للطاقة النووية بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. ويؤكد الطرفان من جديد أهمية تنفيذ جميع الأطراف المعنية لخطة العمل المشتركة الشاملة وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231 بطريقة شاملة ومتوازنة، ويؤكدان على ضرورة التزام الأطراف الأخرى في تحديث مفاعل آراك للمياه الثقيلة.

العلاقات الاقتصادية بين إيران والصين

ما زالت الصين تحتل مرتبة الشريك الاقتصادي رقم واحد بالنسبة لإيران، لكن العلاقات التجارية بين إيران والصين لم تبق محصنة من أثر العقوبات الأميركية المفروضة على إيران وكذلك تأثيرات وباء كورونا، وبالعودة إلى الإحصاءات الرسمية الإيرانية، ووفقًا لما أعلنه رئيس غرفة التجارة الإيرانية الصينية، مجيد رضا حريري، فقد تراجع معدل التبادل التجاري بين إيران والصين في الشهور الأربعة الأولى من العام 2020 بنسبة 41%، وتراجعت نسبة الصادرات الإيرانية إلى الصين بنسبة 50%، فيما ارتفعت الصادرات الصينية إلى إيران بما نسبته 4-5، وأرجع سبب ذلك إلى سقوط أسعار النفط وتراجع الصادرات غير النفطية الإيرانية بحدود 50% بسبب تراجع الطلب.

- في عام 2014، بلغ إجمالي تجارة إيران مع الصين 52 مليار دولار، بينما تراجع في عام 2019 إلى 22 مليار دولار. ومع ذلك، فإن تلك الـ 52 مليار دولار شكَّلت 20٪ فقط من تجارة إيران مع العالم، لكن 22 مليار دولار في عام 2019 شكَّلت حوالي 30٪ من إجمالي تجارة إيران مع العالم. وهذا يعني أن حصة الجمهورية الإسلامية من كعكة التجارة العالمية تتناقص يومًا بعد يوم وأن عدد شركائها التجاريين بات محدود أيضًا. ونتيجة لذلك، ازداد حجم تجارتها مع الصين من إجمالي تجارتها الخارجية، على الرغم من انخفاض إجمالي حجم هذه التجارة.

- تظهر بيانات إدارة الجمارك الصينية أن واردات النفط الإيراني المعلنة في شهر مارس/آذار 2020 بلغت 115 مليون دولار فقط، بانخفاض 89% على أساس سنوي، وانخفض الطلب على النفط الإيراني المعاد تصديره عبر ماليزيا بشكل كبير أيضًا.

-بلغ حجم التبادل التجاري الإيراني مع أكبر شريك تجاري لها 3.94 مليارات دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020 ليسجل انخفاضًا بنسبة 30.4٪ مقارنة بالفترة المماثلة من عام 2019. كما تظهر البيانات التي قدمتها الإدارة العامة للجمارك في جمهورية الصين الشعبية، أن إجمالي صادرات إيران إلى الصين بلغ 1.81 مليار دولار، مما يشير إلى انخفاض بنسبة 52.7٪ على أساس سنوي. في المقابل، صدَّرت الصين سلعًا بقيمة 2.13 مليار دولار إلى إيران خلال الفترة قيد الاستعراض، بزيادة بنسبة 15.9٪ على أساس سنوي.

- بلغت التجارة الثنائية في مارس/آذار 2020 ما قيمته 1.4 مليار دولار، وبلغت صادرات إيران إلى الصين 667.19 مليون دولار، بينما بلغت الواردات 736.69 مليون دولار.

- وفقًا لمعهد إنتربرايز الأميركي (American Enterprise Institute)، استثمرت الصين 26.92 مليار دولار في إيران في الفترة من 2005 إلى 2019.

قيمة الاستثمارات الصينية في إيران

وتحدثت صحيفة اعتماد الإيرانية عن أن الصين ستستثمر 260 مليار دولار في قطاع النفط والغاز والبتروكيماويات في إيران، وسيتم ضخ جزء كبير من هذا الاستثمار الصيني في صناعة النفط والغاز الإيرانية خلال السنوات الخمس الأولى من الاتفاقية التي تستمر 25 عامًا، وسيتم تنفيذ الباقي على مراحل وبالاتفاق بين الجانبين. ومن المقرر أن يستثمر الصينيون أيضًا 120 مليار دولار في اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة مع إيران لتطوير البنية التحتية للإنتاج والنقل في إيران، مع جزء كبير من هذا الاستثمار في السنوات الخمس الأولى والباقي على أساس دوري. وبحسب الاتفاقية، سيتم الاستثمار في قطاعي الصناعة والنقل في إيران ويمكن للصين أيضًا شراء جزء من منتجات النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية بأسعار تفضيلية وخصومات على أساس متوسط ​​سعر ستة أشهر. ووفقًا لتفاصيل الاتفاقية الجديدة التي تم التوصل إليها بين الطرفين، يمكن للصين دفع قيمة ما تم شراؤه من إيران خلال مدة أقصاها سنتان.

ووفقًا لمصادر عدة، ستستثمر الصين 280 مليار دولار في النفط والغاز والبتروكيماويات، و120 مليار دولار في النقل والتصنيع، خلال السنوات الخمس الأولى، وسيكون لديها الأفضلية للمزايدة على مشاريع الطاقة المتوقفة، التي تملأ ساحل الخليج، وسيتم منحها خصومات لشراء البترول ومنتجات البتروكيماويات بما يصل إلى 32 في المئة.

المحافظون في إيران يدفعون باتجاه إبرام الاتفاقية

أفردت وكالة تسنيم الإيرانية المقربة من الخط الأصولي مساحات واسعة للدفاع عن الاتفاقية مع الصين، واستهجنت تلك "الحساسية المفرطة" تجاه العلاقات الإيرانية-الصينية، خاصة وأن جميع الدول بما فيها الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا لديها علاقات تجارية قوية مع الصين، بل إن علاقات إيران التجارية مع الصين أقل بكثير من دول في الإقليم مثل العربية السعودية التي تعد حليفًا للولايات المتحدة الأميركية. ويعتقدون أن مهاجمة الاتفاقية تأتي من باب أنها ستخفف من حدة تأثير العقوبات الأميركية على إيران، وبهدف عزل إيران ومحاصرتها. وفندت الوكالة ما ورد في تصريح أحمدي نجاد وحديثه عن "سرية" المعاهدة، مشيرة إلى أنها تأتي ضمن اعلان مشترك جرى نشره منذ العام 2016.

الاتفاقية القادمة: البنود المسربة

نشرت مواقع وصحف إيرانية ما قالت إنه بنود مسودة المعاهدة، وكان من أبرز ذلك ما نشره موقع "تابناك" التابع لمحسن رضائي، وقال الموقع: إن ما هو واضح من النسخة النهائية من نصِّ هذه الاتفاقية التي تم الإعلان عنها في يونيو/حزيران 2020 تحت عنوان "برنامج التعاون الشامل بين جمهورية الصين الشعبية وجمهورية إيران الإسلامية"، إذا تمت الموافقة عليه كما جاء في النسخ الفارسية والإنجليزية والصينية بنفس النص بالضبط، فإنه يتضمن أربع نقاط محورية تعالج بشكل كبير المخاوف من تبعات هذه الاتفاقية:

النقطة الأولى: وفقًا لهذه المسودة، ستقوم الصين في إيران بالاستثمار ونقل المعرفة في جميع القطاعات. وهذا المستوى من الاستثمار من قبل الصين، سيأتي في وقت تحجم الصين عن تحرير مبالغ من النقد الأجنبي بعشرات المليارات من الدولارات لصالح إيران، تفاديًا للعقوبات حتى في مجال صناعات النفط الإيرانية الضخمة، وإذا تم تطبيق هذا البند، فسيكون ذلك تغييرًا جوهريًّا في صالح إيران.

النقطة الثانية: فيما يتعلق بالجانب الإيراني، باستثناء الحوافز للاستثمار وبناء البنية التحتية من قبل الجانب الصيني والتعاون في إنشاء المجمعات الصناعية والتجارية ومجموعة من الإجراءات السياسية والأمنية والعسكرية المشتركة، لا توجد خدمات أو امتيازات خاصة مثل وضع جزء من الأراضي الإيرانية تحت تصرف الصين، ولا تمنح الاتفاقية امتيازات حصرية لتنفيذ هذه المشاريع. لذلك، فهذه الصيغة تتماشى إلى حدٍّ كبير مع مصالح إيران.

النقطة الثالثة: يأتي هذا العقد بشكل رئيس في شكل مذكرة تفاهم ولا يتضمن أرقامًا وأعدادًا، وتعكس وثيقة التعاون هذه استراتيجية طويلة الأمد للتعاون بين إيران والصين، وتتطلب كل فقرة من النص الأصلي أو المرفقات الثلاث تنفيذ اتفاقيات منفصلة، تحتوي على تفاصيل هذه الاتفاقية؛ لذلك، إذا كانت هناك حساسية، فيجب تكون بشأن العقود التي سيتم إبرامها لاحقًا بعد الموافقة على هذا العقد لتنفيذ الأجزاء المختلفة بين إيران والصين.

النقطة الرابعة: هذا العقد الذي مدته 25 سنة لا يوفر ضمانًا تنفيذيًّا لإيران أو الصين. لذلك، يجوز للأطراف عدم تنفيذ البنود المنصوص عليها في هذه الاتفاقية وملاحقها في أية مرحلة، ويمكن تعليق تنفيذها، ما لم يتم لاحقًا في نطاق كل بند من بنود عقود التعاون وضع ضمانات تنفيذية لها.

خلاصات ونتائج

بالرغم من كل العقبات فإن علاقة إيران المتنامية مع الصين لها أهمية قصوى في مجمل المجالات السياسية والاقتصادية والدفاعية، ويمكن رؤية هذه الأهمية بوضوح على مدى سنوات عديدة.

لدى إيران أسباب كثيرة تجعلها تسعى بشكل حثيث لمثل هذه الاتفاقية؛ فهي تعاني من العقوبات وانخفاض أسعار النفط، وتواجه فيروس كورونا، وتعرضت لسلسلة من الانفجارات الغامضة كان أخطرها في مفاعل نطنز المحوري في البرنامج النووي الإيراني، ومع رفعها لشعار "اقتصاد المقاومة" تحتاج إلى تعزيز آليات تماسكها أمام التصعيد الأميركي. والتسارع في تعزيز العلاقة مع الصين هو واحد من نتائج "سياسة الضغط الأقصى" التي انتهجها ترامب منذ انسحابه من الاتفاق النووي.

للصين مكانة خاصة في السياسة الخارجية الإيرانية، لعدة أسباب، أولًا: الصين ليست عدوًا ولا تمثل تهديدًا عسكريًّا لإيران، وثانيًا: هذا البلد لديه علاقات طبيعية ومتنامية تزداد اتساعًا مع إيران. ثالثًا: الصين شريك اقتصادي مهم ومكمِّل اقتصادي لإيران. رابعًا: الصين قوة صاعدة كبيرة ومستقلة. خامسًا: الصين لديها منافسة جدية وطويلة الأمد نسبيًّا مع الولايات المتحدة.

بالنسبة للصين فقد تكون هذه المعاهدة حلقة من حلقات كثيرة ضمن خطة لتمهيد الطريق لانتقال الصين من مرحلة التجارة إلى مرحلة السيادة، خاصة مع صعودها كقوة منافسة للولايات المتحدة الأميركية.

هناك وجه مشترك فيما يتعلق بالاستراتيجية الصينية الإيرانية وهو العلاقة بين إيران والعراق وسورية، تريد إيران أن تنسحب الولايات المتحدة من المنطقة وتضعف موقف إسرائيل، وتريد الصين الوصول بسهولة إلى مياه البحر الأبيض المتوسط. وقد كان تعزيز نفوذ إيران في هذين البلدين الشغل الشاغل لفيلق القدس وقائده السابق قاسم سليماني، وذلك بالسعي لتعزيز حضور إيران في ميناء طرطوس السوري، والسيطرة على معبر بو كمال الحدودي في محافظة دير الزور السورية ومعبر القائم في محافظة الأنبار العراقية. واليوم تمتلك حضورا بالغ الأهمية، تسعى لتوظيفه لتغيير الوضع السياسي والاقتصادي في إيران بعد أن قدمت ثمنا باهظا لتعزيز هذا النفوذ.

يمكن بسهولة رؤية التحديات والقيود التي تعيق العلاقات بين طهران وبيجين وبالتالي تحتاج العلاقة إلى آليات لترتيب مسألة "الشراكة الاستراتيجية"، ومن الضروري رؤية الصين كحليف "بعيد المدى"، مع ملاحظة أن الصين إلى الآن ليست "حليفًا استراتيجيًّا" لإيران، وربما تكون هذه الاتفاقية هي واحدة من آليات إعطاء الصبغة الاستراتيجية للعلاقة ونقلها إلى مستوى التحالف.

تحتاج إيران في علاقاتها على المستوى الاستراتيجي مع الصين إلى إطار شامل يغطي مختلف مجالات السياسة الاقتصادية والعسكرية والأمنية، وعدم الاقتصار على الاقتصاد فقط.

في المقابل، ستجعل الاتفاقية إيران حجر الزاوية الإقليمي في مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني، شي جين بينغ، والتي انضمت إليها دول المنطقة. ونظرة إلى الخريطة تعطينا فكرة واضحة عن الموقع الاستراتيجي لإيران، الممتد بين بحر قزوين والمحيط الهندي.

صفقة إيران مع الصين لن تكون صفقة سهلة. فالحديث عن معاهدة طويلة الأمد سيكون له تبعاته. ونجاح ذلك مرهون بقدرة إيران على ضبط قائمة أولوياتها بشأن ما تريده من الصين مقابل ما سوف تقدمه لدولة قوية وطامحة ولمدة 25 عاما، وهو مشروط بمدى نجاح المعاهدة ليس فقط في تقديم حلول للمعضلات القائمة بل وقدرتها على استشراف حاجات إيران مستقبلا.

المصدر

 

*الجزيرة-فاطمة الصمادي-14/7/2020

*مركز الإمارات للسياسات-30/8/2020

*القدس العربي-26/2/2021

وسوم: العدد 922