بين إسلام الحضارة وطرقية البوار

عمر بلقاضي

شتّان بين التّصوف الإسلامي السنّي الذي هو مرادف لما سُمِّيَ في القرآن والسنة  : تقوى ، إحسان ، حسن خلق ومعاملة مع الله والناس ، زهد في متاع الدنيا ... والتصوف الطرقي ، فالتّصوف بهذا المفهوم ( وأحبذ المفاهيم والمصطلحات القرآنية ) هو روح الإسلام ولبه , ولا يُتصور إسلام كامل صحيح من دونه ، وهو باعث حضاري ممتاز ، لان الحضارات إنّما تقوم على القيم والأخلاق، من تضحية ، وصبر ، وإيثار ، وأمانة ، وعدل  ، وصدق ، وتعاون ، وتسامح ، وحرص على العلم النافع والعمل الصالح ، ، والنظام والانضباط ضمن منظومة المجتمع ، ولا يوجد مسلم يقف ضد التّصوف بهذا المفهوم القرآني السّليم  .

أمّا التّصوف الطّرقي فهو محلُّ النِّزاع لأنّه سبيل من سبل الزّيغ والابتداع ، فهو خليط من السلوكيات والأفكار التي تنأى بالإسلام عن جادته الحنيفية السّمحة النّقية المنطقية ، وتطيش به في جهالات المسييحيين والهندوس ، وانحرافات التَّشيع المدسوس ، وفي نزغات الشيطان ونزعات النّفوس ، واسوا ما فيها أنها تجعل الشيخ أو الولي( حيا أو ميتا) ، واسطة بين الله والنّاس ، يرجى لتحقيق الحاجات ورفع المصائب والكربات ، وفي أكثر الأحيان ينسى المريد الجاهل ربه تماما ويبقى متعلّقا بالشيخ ، مؤلّها له ، مشركا به ، سلوكا وقولا واعتقادا ، شانه في ذلك شان المشركين في مكة الذين قالوا عن الأصنام أنّها تقرّبهم إلى الله زلفى ، وبذلك يظهر التأثّر بالمسيحية التي الّهت عيسى وأمه عليهما السلام ، وأبدعت صكوك الغفران وتدخل رجال الكنيسة في علاقة العبد بربه ، فالطُّرقية تؤدي إلى ضرر بالغ في لبّ عقيدة التّوحيد التي تميّز الإسلام ، كما ينجرُّ عنها مع تراخي الزَّمن أمراض خطيرة توهن المجتمع الإسلامي وتمسُّ بوحدته ، لانّ تلك الزّعامات الطّرقية تتحوّل إلى عصبياّت وكيانات لها حدود خاصة ، ومريدون مميَّزون يتعصّبون لها ، وفي اغلب الأحيان تتنازع وتتصارع ، أو تغرق في ذاتها المقزَّمة وتغفل عن آمال و آلام الأمة الإسلامية الكبيرة ، التي دعا الإسلام إلى إقامتها  لتقوم بدور الخلافة لله على الأرض وترعى الحقّ والعدل وتحارب الباطل والظلم .

وللتّصوف الطّرقي عيوب تربوية نفسية هدّامة للفرد والمجتمع ، فهي تُعَبِّدُ البشر للبشر ، وتدفعهم للسّلبية والهوان والخرافة  باعتقاد القدرات الخارقة للأولياء والاعتماد عليهم ، وهو سبيل الجمود والتّخلف لأنه يؤدِّي إلى إهمال الأسباب والرّكون إلى قدرات الأولياء المتوهَّمة ، خلافا للتَّوكل الإسلامي الذي يجمع بين استفراغ الطّاقة في الاجتهاد البشري مع الاعتماد الكلّي على الله في النتّائج ، فالتّوكّل الإسلامي الصّحيح يؤدّي إلى الإبداع والتّوازن  والاستمرار والعزّة مهما كانت النتائج ، وذلك هو السّبيل للنّهوض الحضاري ، والذي سلكته الأمة الإسلامية في انطلاقتها الأولى المشبّعة بالفهم والتّطبيق الصّحيحين للإسلام ، فأنتجت حضارة غير مسبوقة غيّرت العالم ومازال أثرها مستمرًّا إلى اليوم في نهوض وإبداعات الأمم الأخرى .

وهنا يكمن سبب الصّراع بين إسلام حضاري صحيح ينهض بالإنسان ماديا ومعنويا   وهو الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم  وشمله القرآن الكريم  وتبنَّته الجمعيات الإسلامية النّاضجة كجمعية العلماء المسلمين في الجزائر منذ عهد مؤسسها عبد الحميد بن باديس رحمه الله ، وتنظيم الإخوان المسلمين في مصر منذ عهد مؤسسه حسن البنا رحمه الله

وبين إسلام طرقي خرافي دخيل أصاب الأمة بأوبئة التّشتيت والتّوهين والتّهوين والخرافة ، فزالت الحضارة ، وضاعت الخلافة ، لذلك فالقوى المناوئة للإسلام تخشى من عودة الإسلام الحقيقي الحضاري ، إسلام الكتاب والسنّة ، الذي ينطوي على إرادة التّغيير ويملك طاقته  بالإيمان الصّادق والفهم الصّحيح والعمل الصّالح الخالص لوجه الله تعالى ، فتراها تعمل بكل الوسائل لمحاربته ومضايقته ، وبالمقابل تزيِّن الطّرق الصّوفية المنحرفة وتدعو إليها وتعلي من شان أقطابها ، فتسخِّر وسائل الإعلام لتشهر لولائم الرّقص والطّعام ، وزردات الشرك والآثام ، والشيوخ المسخَّرين ،  للحكاَّم كما حدث في الجزائر زمن الاستعمار ، وكما يحدث للأسف في هذه الأيام .

وسوم: العدد 922