فورين بوليسي: السيسي يترك المرضى يعانون ويموتون في سجونه

إبراهيم درويش

لندن- “القدس العربي”: نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا لعمرو مجدي الباحث بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش” قال فيه إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ترك المرضى يعانون في سجون مصر.

وقال إن الحكومة المصرية تركت المرشح الرئاسي السابق يقبع خلف القضبان دون رعاية صحية. وجاء فيه “في 25 تموز/يوليو قالت عائلة عبد المنعم أبو الفتوح، زعيم حزب مصر القوية المعتقل أنه عانى من أعراض تشبه السكتة القلبية في الليلة الماضية عندما كان في الحجز الانفرادي في سجن طرة سيء السمعة”. وبحسب العائلة فإن أبو الفتوح، وهو نفسه طبيب طرق على باب الزنزانة طالبا المساعدة من حرس السجن بدون رد.

ويعتقل ابو الفتوح ظلما وبدون توجيه تهم له منذ عام 2018 وهو رجل يحظى باحترام حصل على المرتبة الرابعة في أول وآخر انتخابات نزيهة جرت في مصر عام 2012 وصوت له أكثر من أربعة ملايين ناخب. وأخبر أفراد عائلة أبو الفتوح منظمة “هيومن رايتس ووتش” أنه يعاني من ظروف صحية متعددة سابقة على سجنه بما فيها ارتفاع ضغط الدم ومرض السكري ورفضت السلطات طلبه إجراء عملية في البروستاتا كانت مقررة قبل فترة قصيرة من سجنه. وقالت عائلته للمنظمة الحقوقية إنه عانى من انزلاق غضروفي وهو في السجن.

وتمثل حالة أبو الفتوح صورة عن عمليات الانتقام التي يتعرض لها من يتجرأ على الحديث علانية في مصر المستبدة والتي تضم عمليات انتقامية وغير قانونية لحرمان السجناء من حق الرعاية الصحية المناسبة. وإذا كانت هذه هي الطريقة التي تعامل فيها الحكومة المصرية النقاد المعروفين والبارزين في السجن، فإن ظروف المعتقلين غير المعروفين ستكون أسوأ.

وقامت قوات الأمن باعتقال أبو الفتوح في شهر شباط/فبراير 2018 عندما وجه انتقادات للسيسي ودعا لمقاطعة انتخابات 2018 بسبب “غياب المنافسة”. وهو في السجن منذ ذلك الوقت بدون محاكمة، بل وأكثر من مدة عامين التي يشترطها القانون المصري كحد للاعتقال قبل المحاكمة. ومنذ أن قام بتنظيم الانقلاب العسكري في عام 2013، عندما كان وزيرا للدفاع ملئت السجون المصرية بالمعتقلين السياسيين من كل الأطياف، وعانى بعضهم من موت بطيء بسبب عدم توفر الرعاية الصحية الكافية. وفي تشرين الثاني/نوفمبر وبعد وفاة الرئيس السابق محمد مرسي في الاعتقال التعسفي كتب خبراء الأمم المتحدة أنه نتيجة لظروف الاعتقال “هناك ألاف آخرون في مصر قد يعانون من انتهاكات صارخة لحقوقهم الإنسانية وكثير منهم يعانون من خطر الموت”.

وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر في كانون الثاني/يناير هذا العام بعنوان “ماذا يهمني لو مت؟” ووثق تجارب اعتقال 67 شخصا في 16 سجنا ووجد أن “مسؤولي السجن أظهروا استخفافا كاملا بالأرواح ورفاه السجناء” وأن السلطات قامت عمدا بحرمان المعتقلين السياسيين من “العناية الصحية والطعام المناسب وزيارات العائلات”. ويقول مجدي “لقد قابلت عددا من المعتقلين وعائلاتهم في مصر، ومع انني شعرت بالرعب مما وصفه خالد داوود، الصحافي والرئيس السابق للحزب الدستوري المصري العلماني و( المراسل القديم في واشنطن) عن ذكرياته المرعبة لـ 19 شهرا قضاها في سجن طرة. وكتب أن السلطات وضعته في زنزانة لا تتعدى مساحتها 6 أقدام طولا و9 أقدام عرضا وكان معه فيها استاذان معروفان في العلوم السياسية، حسن نافعة وحازم حسني اللذان اعتقلا في نفس الوقت”.

وكتب داوود أن كل واحد منهم منح “بدلة سجن قذرة” وأنهم كانوا يمشون حفاة في السجن وإلى جلسات الاستماع. ووصف داوود كيف كانوا يأكلون على الأكياس البلاستيكية لعم توفر الملاعق والأطباق وكانوا يصنعون سكاكين من أغطية علب التونا. وكان الصابون نادرا والماء الساخن شبه معدوم. ولم يكن في الزنزانة تهوية مناسبة وبدون ضوء شمس. ولم تكن هناك غسالة في السجن وكان السجناء يغسلون ملابسهم بطرق بدائية ويعلقونها داخل زنازينهم وهو ما زاد في رطوبة السجن. واقتصرت التمارين الرياضية على المشي في ساحة السجن لمدة 30 دقيقة. وربما حرموا منها بناء على نزوات الحراس.

ويعلق مجدي أن مذكرات داوود هي تذكير قوي: إذا كانت سلطات السجن تعامل المعروفين والنقاد في داخل المعتقل بهذه الطريقة فإن أوضاع غير المعروفين منهم ستكون بالتأكيد أسوأ.

وتوفي في أيلول/سبتمبر الماضي أحمد عبد النبي محمود (64 عاما) وهو في السجن بعدما اعتقل لعامين بدون محاكمة ورغم المناشدات المتعددة من عائلته المقيمة في الولايات المتحدة للإفراج عنه أو تحسين الظروف التي يعيش فيها بالمعتقل. وكان واحدا من أربعة معتقلين ماتوا في السجن على مدار 72 ساعة في آب/أغسطس – أيلول/سبتمبر 2020.

ومات شادي حبش (24 عاما) في السجن بأيار/مايو 2020 وقيل إنه تناول نوعا ساما من الكحول. وعانى يوما أو يومين وبتدخل فاتر من طبيب السجن، رغم إمكانية تلقيه العلاج ونجاته لو نقل إلى مستشفى مناسب.

ويذكر الكاتب أن القانون الدولي واضح في تحميل الحكومة مسؤولية صحة السجناء ورعايتهم الطبية. ويطلق على قواعد الأمم المتحدة لمعالجة السجناء اسم نيلسون مانديلا الذي قضى 27 عاما في جنوب أفريقيا وتنص على سماح الحكومات للسجناء بالحصول على العناية الصحية المتوفرة في المجتمع والتأكد من توفر العلاج واستمراره لمن يعانون من أمراض مزمنة.

وفي مصر فالقدر الأدنى من العلاج يبدو سرابا. وهناك عدة أسباب لهذا، أولا، يتعلق بعدم نظافة السجون في مصر المرتبط بعدم توفر العناية الصحية المناسبة، وهذا كاف لإضعاف صحة أي سجين. وثانيا، عدم توفر الإجراءات العاجلة لمعالجة السجناء الذي يحتاجون لعناية طارئة. وما يقوم السجناء بعمله في هذه الحالات هو الصراخ والطرق على باب الزنزانة لإعلام الحرس الذي يقوم بإخبار الضابط الذي يحمل المفاتيح. وعلاج المريض السجين يأخذ وقتا لأن الضابط الذي لديه المفاتيح قد لا يكون نائما في السجن أو لأن حراس السجن لا يصدقون حالا أن هناك حالة تستدعي العلاج السريع. ثالثا، صحيح أن ضباط السجن هم الذين يشرفون على السجون لكنهم يتبعون أوامر المخابرات العامة والتي تشرف على السجن، وهي التي تقوم باعتقال وتعذيب وتغييب السجناء. ومن المعروف أن ضباطها يستخدمون الحرمان من الدواء والعلاج الطبي كوسيلة لعقاب المساجين، حتى ولو كانوا يعانون من أمراض مثل السكري وارتفاع ضغط الدم قد تؤدي لموتهم لو لم تعالج. وبالنسبة للمحظوظين ممن يتم تحويلهم لعيادات خارج السجن فإن الضباط الذين يرافقونهم لا يبالون بالموعد وعادة ما يصلون إلى الطبيب في المساء حيث يفقدون فرصة رؤية الأخصائي. ويقول مجدي “لقد استمعت لهذه القصة عدة مرات من عائلات المعتقلين الذين عانوا منها وعندما كنت طبيبا في مستشفى جامعة القاهرة حيث يتم نقل معظم سجناء المدينة عندما يحصلون على تصريح لرؤية طبيب من الخارج”، لكن المشكلة هي أولا وأخيرا نابعة من أن السلطات تعامل السجناء بأنه دون البشر. وهي مشكلة لا علاقة لها بالإدارة والمصادر المتوفرة بل بالإرادة السياسية والإنسانية. وتعرف الولايات المتحدة وشركاء مصر الأخرين أن المصريين لا يزالون يقاتلون من أجل كرامتهم والديمقراطية لكن حكومة السيسي تواصل معاملتهم بوحشية. وبدلا من الحديث الخافت وبشكل متردد حفاظا على الوضع القائم ومصالحهم عليهم الدفاع وبقوة عما يزعمون أنها قيمهم: الديمقراطية وحقوق الإنسان.

ولا يمكن للدول الغربية زرع الديمقراطية في مصر لكن دعمهم غير المشروط والدعم الأمني والتشارك في المعلومات الإستخباراتية هو معوق للجهود الداعية للديمقراطية التي يقوم بها المصريون الشجعان والذين يدفعون أرواحهم ثمنا لها.

وسوم: العدد 945