إنه حكم العسكر… يا «زُنبل»!

سليم عزوز

لا يدركون أن الانقلاب العسكري مكون واحد من عناصر عدة «باكدج» إما أن تقبله كله، أو ترفضه كله، ففي اعتقادهم أنهم يمكن أن يختاروا عنصراً، أو أكثر، ولا يعلمون أن هذا هو المستحيل، إلا بعد أن تقع الفأس في الرأس ويلحق بهم الضرر، فيجلسون بجانب «حائط المبكى» يغنون ظلموه، كما فعل الفنان محمد صبحي تماما!

فالفنان المذكور، كان من الذين بالغوا في تأييد الانقلاب العسكري، ووصلت المبالغة، إلى حد قسمه بالله دون مناسبة أو ضرورة موضوعية، أن السيسي لو أخذ أولاده وحبسهم وعذبهم، فإنه لن يغضب، وسيطلب العوض من الله، على ألا أن يمس تراب بلده «ولا تتهد منه طوبة». وذلك قبل أن يطالب «بمزيد من الطوارئ، وغلق الحدود». ثم عقب قائلاَ: «يريدون من مصر أن تكون كليبيا وسوريا واليمن»!

والرجل الذي يحسب على الفنانين المثقفين؛ الذين يؤدون رسالة تجاه المجتمع، ويبالغ في اظهار ثقافته لينفي عن نفسه الشائع عنه بأنه ليس أكثر من «أراجوز» يندفع فيتصور خيالات تنم عن جهل عميق، إن لم تكن تعبيراً عن انتهازية فنان يريد أن يلتحق بالحكم القائم، فتتكون في أحشائه فكرة أن الوطن لا يستقر ولا تقوم له قائمة، إلا إذا سجن الحاكم الناس، ومارس ضدهم التعذيب، ومن ثم فهو يضحي بأبنائه من أجل ذلك، والحقيقة أن التضحية من أجل إشباع سادية الحكم، واجرام من يحكمون. ثم يندفع فيطالب بغلق الحدود، التي نعرف من المستهدف بها، والتي لم يأت خطر منها، لكنها تغلق من باب التقرب من إسرائيل بالنوافل!

ومنذ وقوع الانقلاب العسكري في مصر، ومحمد صبحي يقدم نفسه له، فدعا في لقاء مع عمرو أديب قبل عام، من (الرئيس السيسي) أن يجلس مع الفنانين لعودة ريادة مصر! وإذا علمنا الآن أن له شكاية خاصة، لوقفنا على أنه كان بذلك يبحث لنفسه عن دور وحضور، بعد أن أخذ منهم «المنقلب» ما يريد، ثم تركهم، ليصنع مجد ابن المرحلة محمد رمضان!

فلا يعرف العسكريون الجدد من الفن والفنانين، إلا «زفة العوالم» ولهذا بدأ السيسي مبكراً في توظيفهم في خدمة مشروعه وزينة، وكان اللقاء الأول بهم عندما كان وزيراً للدفاع، وكانت المرة الأولى التي نعلم أن من اختصاص وزير الحرب أن يكون راعي الفن والفنون (الدور الذي كان يقوم به مصطفى طلاس في سوريا) وكان هذا ضمن لقاءات السيسي، التي عقدها مستغلا الثقة المفرطة للرئيس محمد مرسي به، دعك من الخيالات التي أوردها ضيف قناة «مكملين» في الأسبوع الماضي، من أن مرسي كشف السيسي مبكراً ومنذ الشهر الأول لتعيينه وزيراً للدفاع، وأنه انتهى من إعداد كتابين يقول البعض إنها ستمثل التأريخ الاخواني المعتمد للمرحلة. فالشاهد أن ثقة الرئيس مرسي في السيسي كانت بلا حدود، وكان هذا الباب الذي دخل منه الانقلاب!

حماية الجيش

بعد انقلابه عقد السيسي لقاء أو أكثر مع الفنانين، الكبار، لا نتذكر أن صبحي كان من بين الحاضرين، لكن نتذكر الراحلة فاتن حمامة، وفي هذه اللقاءات، كانت السعادة تغمر القوم، وكأنهم في الأولى وجدوا الحماية من الجيش، وفي الثانية تخلصوا من أعداء الفن والفنانين، رغم أن الرئيس مرسي التقى بهم وطمأنهم بإيمانه برسالة الفن والفنانين، لكن القوم كانوا يريدون وصلا بالسلطة، وليس مجرد إيمان، فلما رأوا الحكم العسكري بازغاً قالوا هذا ربي. هذا أكبر، مع أن سوابق الحكم العسكري في التوظيف والاستغلال معروفة، وللفنانة فاتن حمامة نفسها تجربة قاسية في هذا الصدد، ليست موضوعنا الآن!

ومن الواضح أن الطبعة الجديدة من أهل الفن، لا تمانع في الاستغلال أو التوظيف. بيد أن هذه اللقاءات توقفت مبكراً، وانتهى الأمر عند مصافحة (فخامة الرئيس) للست فاتن، وإشادته في لقاء حضرته رجاء الجداوي، بشياكتها، فأبكاها، وكيف أنها «ست طول عمرها شيك» وهذا هو أساس المشكلة!

فلم يبد على السيسي أنه مطلع على الفن المصري، أو الدراما، ولا أظنه كان من مرتادي دور العرض السينمائي، وعلى عكس كثيرين من العسكريين، فقد انخرط مبكراً في الحياة العسكرية، ومنذ مرحلة الصبا، وما تفرضه من انضباط، يلزم بالنوم المبكر للاستيقاظ مبكراً، فلا حديث مع الفنانين يؤكد إنه متابع لأعمالهم، فلم يخرج كلامه حديث الشياكة مع رجاء الجداوي، ولقب «الست» في التعامل مع فاتن حمامة، وأعتقد أن علاقته بالفن، هي في حدود علاقة الدكتور محمد مرسي به، والذي تعرف على جماعة الإخوان والانضمام اليها، عندما كان في الولايات المتحدة الأمريكية «طالب دكتوراه» وإن كنا لا نعرف شيئاً عن حياته قبل ذلك، وإن بدا أكثر وعياً في تقدير قيمة الفن عن السيسي الذي لم ير فيه إلا «زفة» تستهدف توصيل رسائل الحكم للناس.

وقد شاهدنا هذا واضحاً في مداخلته التلفزيونية على قناة «صدى البلد» وحديثه مع السيناريت عبد الرحيم كمال، وكيف أنه لن يبخل بأي مبالغ مالية تطلب، مقابل دراما موجهة، تنقل أفكاره إلى الناس، فالفن عنده ليس أكثر من «بروباغندا» وهو ما تؤكده الدراما، وقد احتكرتها السلطة!

النخبة الجديدة

لقد جلس السيسي مع كبار الفنانين، ولم تعد لديه حاجة إليهم الآن، فقد ذهب يصنع نخبته في كافة المجالات، ويشترط فيها ألا تكون على شيء، في الوقت الذي قال فيه في مداخلته الأخيرة مع القناة الأولى المصرية، إنه كان يقرأ للمفكر الكبير محمد حسنين هيكل وللأستاذ موسى صبري، فانه لم يراع في اختيار كتابه ورؤساء تحرير صحفه، أن يكون من بينهم هيكل أو موسى، من حيث الكفاءة المهنية، والطبعة الأولى من الحكم العسكري في مصر، هي التي تبنت هيكل، بعد اكتشاف عبقريته مبكراً، بل إن عسكري آخر هو صلاح سالم، عندما آل اليه الإشراف على صحيفة الثورة «الجمهورية» أصر أن يكون موسى صبري هو رئيس تحريرها. فلينظر هو إلى خياراته!

في الفن كان خياره محمد رمضان، وتم استدعاء فنانين غير معروفين، واستبعاد الرموز مثل عادل إمام، وعندما فشلت التجربة، تم استدعاء ممثلي الصف الثاني، ولا مانع من وجود فنان كبير في هذا الموسم، يستبدل بغيره في الموسم المقبل، وقد احتكرت السلطة القنوات التلفزيونية والإنتاج الدرامي، وهو أساس أزمة محمد صبحي!

فقد اشتكى صبحي في فيديو بثه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كيف أنه منذ أربع سنوات يعد مسلسلا، وذهب به للفضائيات فوجدها كلها في يد واحدة، تماما كما أن المنتج واحد، وهو الدولة (يقصد السلطة العسكرية) فهل كان هذا الاكتشاف حديثاً؟! أم كانت مشكلته بتصوره أنه بوضع السلطة يدها على الأرض ومن عليها سيكون هذا مدخله ليمارس البيزنس مع هذه السلطة؟

وقد بالغ في تأييدها حد قسمه لو أن السيسي أخذ أولاده وسجنهم وعذبهم فلن يحزن، وكأننا في مواجهة «دراكولا» الذي لا يرتوي إلا بدماء أبنائه وأبناء غيره!

إن الاحتكار والتأميم هو المعروف من الحكم العسكري بالضرورة، وكان ينبغي على صبحي أن يدرك هذا، فالحكم العسكري المباشر ليس اكتشافاً بالنسبة للمصريين، مع خلاف الطبعتين، فالضباط في انقلاب 1952، هم أبناء مرحلة ما قبل الثورة، فيؤمم عبد الناصر الصحافة، ويدفع بضباط للإدارة في العلن، مثل خالد محيي الدين (لا تنقصهم الثقافة) إلا أنه يبقي على الكتاب الكبار ولا يغيبهم، ومن العقاد إلى طه حسين إلى إحسان عبد القدوس فهيكل، وليس انتهاء بموسى صبري وفتحي غانم. ويؤمم مؤسسة السينما، والإنتاج الدرامي، لكنه مع هذا لا يفرض محمد رمضان، فيستمر النجوم الكبار في المقدمة!

السيسي تفتق وعيه في مرحلة «الثورة قايمة والكفاح دوار» و»لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» فإذا كان التأميم والاحتكار من الطبيعي، فلا بد من أن يكون الفرق هنا في حدود الوعي العام بين عبد الناصر وعبد الفتاح السيسي. مشكلة محمد صبحي وأمثاله هو في تصورهم أن حكم العسكر سيكون ضررة فقط على الآخرين من دونهم، فكان هتافه بفرض «المزيد» من الطوارئ وإغلاق الحدود، ولا يدرك إنه «باكدج» فليأخذه بكل عناصره!

«عش اللحظة يا سنبل» أو «زنبل» حسب البدوية «زيبة» في مسلسل «رحلة المليون» وكن على ثقة أنه بسطورنا سيتم تمرير مسلسلك.

فأي خدمة!

وسوم: العدد 948