ضرورة الاحتراز من إحياء عادات وتقاليد قديمة موروثة ذات علاقة بمعتقدات وثنية

ضرورة الاحتراز من إحياء عادات وتقاليد قديمة موروثة ذات علاقة بمعتقدات  وثنية بذريعة الحفاظ على الموروث الثقافي

لا يخلو مجتمع من المجتمعات البشرية من عادات وتقاليد يرثها الخلف عن السلف . وكلما أوغلت تلك العادات والتقاليد في القدم إلا وفقدت أسرار وجودها ، وإذا ما بقي شيء من تلك الأسرار، فإنه لا يسلم من التزوير بدوافع شتى قد تكون عقدية أو عرقية ، و قد يكون التزوير بغرض أهداف غير معلن عنها ، وهكذا تضيع حقيقة دوافع وأسباب  تلك العادات والتقاليد ، ويحل محلها  التكهن ،والتمحل، والتأويل الذي يموه به عنها والذي لا يزيدها إلا غموضا واستغلاقا .

ومعلوم أن البشرية قد مرت في مراحل من تاريخها بفترات سيادة الفكر الأسطوري والخرافي ، فكانت بعض الأمم التي لم تهتد إلى خالقها سبحانه وتعالى تختار لها آلهة من حجارة أو نجوم وكواكب أو حتى  من بعض الحيوانات. وكانت الرسالات السماوية تصحح مثل هذه المعتقدات الفاسدة والضالة ، ويرد البشر إلى جادة صواب الاعتقاد بالكشف عن خالقهم والبرهنة على وجوده ، ودحض ما ينسب إليه من شركاء من المخلوقات ، وظل الأمر على هذه الحال حتى ختم الله عز وجل رسالاته بالرسالة العالمية الخاتمة الموجهة إلى الناس جميعا إلى قيام الساعة .

والرسالة الخاتمة كسابقاتها خلصت البشرية من أغلال الفكر الخرافي ، ومن الخضوع لألوهية متوهمة في المخلوقات . ولم تقتصر هذه الرسالة على تحرير البشرية من العبودية لغير الله تعالى بل كشفت لهم عن أسرار من شأنها أن تدحض العادات والتقاليد المرتبطة بالمعتقدات الشركية  الفاسدة، والتي وصلت إلى الناس من مراحل تاريخية الموغلة في القدم دون أن يعرفوا علاقتها بتلك المعتقدات .

ومما حرر به الله عز وجل البشرية من أغلال تلك المعقدات في الرسالة الخاتمة وفي سابقاتها  الكشف عن ألوهيته وربوبيته سبحانه وتعالى، وعن وحدانيته الناقضة لكل أشكال الشرك سواء كان الشركاء من البشر أم من غيرهم من المخلوقات حيث قال  : (( إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما )) ، وقال أيضا : (( يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون )) ، وبمثل هاتين الآيتين وهي كثيرة في القرآن الكريم  دحض  ونسف الله عز وجل الشرك من أساسه ، وبذلك انهارت كل التقاليد والعادات المرتبطة به ، وبذلك لزم الناس أن يحترزوا منها تفاديا للوقوع في ما تستضمره من شرك  جلي أو خفي .

ومما حرر به سبحانه وتعالى البشر أيضا من أغلال العبودية لغيره أنه كشف لهم سر أصلهم الواحد  فقال " (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ))  ، وقد ذكر هذا بعد ذكر أصل وجودهم الطيني ، وبقوله هذا انهار التقديس الذي كان يستأثر به بعض الناس عبر التاريخ ، وهم يزعمون أفضليتهم على غيرهم ، وبذلك يستعبدونهم  دون وجه حق . وبالكشف عن أصل وجود البشر من ذكر واحد  وأنثى واحدة ،وانتشارهم شعوبا وقبائل لغرض التعارف والمعروف فيما بينهم، انهارت أوهام الأعراق والأجناس والألسنة ،فلم يعد جنس أو عرق يفضل آخر ، ولا لسان يفضل غيره ، خصوصا وأن الأفضلية حصرها الله تعالى في التقوى ، وهي الاستقامة على صراطه المستقيم الذي قوامه الإيمان بوحدانيته دون شركاء ، وعبادته بطاعته فيما ما أمر ونهى . ولقد جعل سبحانه وتعالى تنوع الأجناس والأعراق والألسنة آيات وأدلة على ألوهيته وربوبيته ،ولم يسمح بأن تكون تفاضلا بين البشر فقال عز من قائل : (( ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين )) ،إنه خطاب في الرسالة الخاتمة موجه للعالمين ، وفيه دحض واضح وصريح للعرقية  جنسا ،و لونا ،ودما ، ولسانا .

ومع ما في الرسالة الخاتمة من دحض للفوارق بين البشر المانعة لاستعباد بعضهم بعضا أو استعلاء بعضهم على بعض ، أو استغلال بعضهم يعضا، لا زال البشر مع الأسف الشديد يستعلي بعضهم على بعض عرقا ،وجنسا ،ولونا ،ودما، ولسانا ، وقد أضيفت في هذا العصر إلى هذه الأمور أمورا أخرى تعتمد للتمييز بينهم تمييزا رافعا لبعضهم خافضا لآخرين . ومما يعتمده البعض لتكريس هذا التمييز البغيض النبش في الماضي البعيد من أجل استغلال ما يسمى بالموروث الثقافي ، وهو عادات وتقاليد موروثة عن الأقدمين الذين كانت فكرة التمييز والتفاضل قائمة  فيما بينهم  على أسس عرقية  واهية . وربما احتال البعض على تكريس هذا التمييز بإخفائه وإظهار إحياء ذلك الموروث المشبوه على أنه مجرد عادات وتقاليد بريئة من المعتقد الفاسد تضليلا للناس وتمويها على ما يستضمره من ضلال.

ومن العبارات الشائعة التي تكرس اتباع السلف في ضلالاتهم العقدية ، والتي نسفتها الرسالة الخاتمة  نسفا ما حكاه الله عز وجل على لسان الخلف التابع لسلفه حيث قال سبحانه : (( بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون )) أو (( قالوا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ))، ولهذا ما كل ما كان عليه الآباء صوابا وحقا ، ولا كل ما فعلوه يقتدى بهم فيه ، ولا بد من التحري ، والاحتراز مما كانوا عليه، وما فعلوه خصوصا وأن كثيرا مما كانوا عليه، وما كانوا يفعلونه لا يخلو من ملابسة أنواع من الشرك له سواء كان ظاهرا جليا أم كان باطنا خفيا .

وكمثال على نموذج التقليد أو العادة الموروثة التي يجب الاحتراز من متابعة السلف فيها على سبيل المثال لا الحصر عادة اقتناء الفواكه الجافة في جهة الشرق من وطننا ، والتي تدعى  مناسبتها" بالناير "  وتكون في منتصف شهر يناير ، وقد اختلفت الروايات في أصلها، فمن قائل أنها احتفال بنهاية عملية الحرث ، وقائل هي احتفال بتقويم تاريخي قديم يطالب الأمازيغ كل سنة بإقراره رسميا كباقي المناسبات الدينية والوطنية مع أن قصد البعض منهم  إنما هو النفخ في نعرة عرقية  قد مر بنا موقف الإسلام منها ، وهذا محاولة  لتسييس عادة قديمة موروثة

والسؤال الذي يفرض نفسه ، ولا يمكن استبعاده أو تجاهله، ويطرح على من يتابعون السلف في عادة اقتناء الفاكهة الجافة هو كالآتي : إلى أي حد يمكن الاطمئنان إلى سلامة هذه العادة أو هذا التقليد ، وهو موغل في القدم كما يقال أو يعتقد من شوائب شركية، قد يتعلق الأمر فيها بعبادة الطبيعة ، وهي عبادة كانت شائعة عند الأقدمين ، وأن اقتناء أو أكل الفواكه الجافة يدخل ضمن طقوسها الوثنية الموروثة ؟

إن اقتناء وتناول المأكولات مما أحل الله عز وجل أمر مباح وفق القاعدة القائلة : " الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما حرم الله " لكن المشكل  يكون حين يلابس الاعتقاد الفاسد  هذا الاقتناء أو هذا التناول  ، فتصير نفس المأكولات عند البعض ذات صبغة عقدية ، بينما هي عند البعض الآخر مجرد مأكولات مما أحل الله عز وجل ،ومما  لذ وطاب ،وهو يشتهى لذاته لا لما يلابسه  من اعتقاد .

ولئن كانت عادة " الناير" مجرد احتفال بإنهاء عملية الحرث، فإنه لا بأس بها ، أما إذا ما تعدت دلالتها أو رمزيتها ذلك ، فلا بد من الاحتراز منها تجنبا لتكريس تقليد غير محمود العواقب ، كما هو الشأن بالنسبة لما جاء في كتاب الله عز وجل مما كان المشركون يقلدون فيه من سبقهم  والذي قال  عنه سبحانه  وتعالى: (( ما جعل من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة  ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون )) ،إن هذه التي لم يجعلها الخالق سبحانه ، وهي من وضع الخلق إنما هي أنعام  جعلوا لها أحوالا معلومة ، وزعموا أنهم  يتقربون بها إلى الخالق سبحانه افتراء الكذب عليه . وما تبرأ الله عز وجل من جعلها إلا لعلاقتها بالاعتقاد الوثني الشركي.

ومن المفارقات أن بعض الذين يحرصون على عادة " الناير "  عندنا ، ولا تفوتهم  مناسبتها ، نجدهم  يستهينون بالطعام  التي تعبدنا الله عز وجل به والمتعلق  بأضاحي العيد التي يتقرب إليه بها ، فيخالفون المسلمين في هذه الشعيرة ، ويستقذرون معالجة الأضاحي ، لذلك يعمدون إلى السياحة في أيام عيد  الأضحى الثلاثة هم وأسرهم ، ويتذرعون بذرائع واهية لإخفاء  نية مبيتة وراء عدم أدائهم هذه الشعيرة ، وقد كانوا قبل سنوات قلة ، ولا زال عددهم يتكاثر سنة بعد أخرى، وهدفهم هو الإجهاز على ما شرع الله عز وجل، ودعوة غيرهم إلى ذلك .

و في الأخير نأمل أن يكون التفكه بالفواكه الجافة ، وهي مما أحل الله عز وجل من الطيبات  فيما يسمى  مناسبة " بالناير " عندنا  لكن دون خلفية وثنية  موروثة ، ويكون ذلك فرصة لشكر وحمد الخالق سبحانه وتعالى على ما أنعم به علينا من نعم ظاهرة وباطنة .

وسوم: العدد 963