الثأر عادة جاهلية صميمة نفاها الإسلام ..!!

زهير سالم*

أختار موضوعاتي من واقع يضطرب حولي، يقلقني أن تنتشر المفاهيم الخاطئة بين "الفئة الظاهرة" التي عول عليها رسول الله في نصرة الإسلام، وقال هي في الشام..

يقلقني أن يصدر التعليم الخاطئ عمن يفترض أن يكون معلما للحق، داعيا إلى الرشد. لا زلت أحفظ صور وأشكال معلميّ الذين تعلمت منهم الخطأ حينا من الدهر، وأنا تلميذ في مدرسة. وأقول سامحهم الله.

والثأر عادة جاهلية قبيحة نفاها الإسلام، وفي خطبة حجة الوداع، وضع رسول الله صلى عليه وسلم دماء الجاهلية تحت قدميه. وقال : ألا إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم حرام عليكم ..

وهذه العادة الجاهلية الغارقة، ما تزال مع الأسف تسود المجتمعات الإسلامية ثقافة وفكرا وسلوكا، وأسوء أمرها عندما يعتمدها ويتحدث عنها من يسمون "علماء أو مفكرون مسلمون" وقد رددت على عددين ظلوا يتحدثون عنها، بأساليب وطرائق نكر كلها.

ونفي مفهوم الثأر وحقيقته في صورته التي كانت سائدة في الجاهلية، لا يعني هدر الحقوق، ولا يعني التشجيع على سفك الدماء. بل يعني أمرين اثنين: تثبيت مفهوم المسؤولية الفردية عن الجناية تحقيقا لقوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ). والثاني: إحلال النظام محل الفوضى، فاقتضاء الحق في الدم أو غيره لا يكون إلا عبر سلطة منظمة وقضاء محكم.

قلت تثبيت مفهوم المسئولية الفردية عن الجناية وأحب أن أقيدها فأقول: عن الجناية الفردية. وقد أثر عن عمر أنه قال في جناية وقعت في صنعاء، لو اشترك فيه - أي في دم الضحية- أهل صنعاء لقدتهم أو لعاقبتهم. في الجنايات الجماعية تتحقق المسئولية الجماعية لمن اشترك، ولمن تواطأ بقدرها، ولكن وفق قانون ونظام وليس على قاعدة الفوضى التي لا تميز مظلوما من ظالم!!

كانت صورة الثأر الجاهلي وليس فقط القبلي تقوم على قاعدة: يقتل رجل من قبيلة أو من حمولة أو من أسرة، فتصبح القبيلة أو الحمولة أو الأسرة كلها مدانة، مهددة مسئولة عن الجريمة، مهدورة الدم بالنسبة لقوم الضحية، ومتى استطاع أولياء الضحية قتلوا أبا الجاني أو أخاه أو ابن عمه السابع..!!

ويتمادى الأمر بعادة الثأر الجاهلية، فلا يرضى أهل المقتول بدم القاتل، بل يتجاوز إلى من هو فقه عددا ومكانة..

حرب البسوس التي دارت بين رهط كليب وجساس، وهما من قبيلة واحدة ومن بطنين أو فخذين فيها، كانت حرب استئصال، كما أدارها "المهلهل" أو الزير سالم . كانت حربا جاهلية بامتياز. وكان ثأره ثأرا جاهليا بامتياز.

وعندما قتل الزير سالم : أحد سادات بني عمه قال بعنجهية جاهلية لا حدود لها: بؤ بشسع نعل كليب. أي جعل دم ابن عمه هذا مقابل رباطة حذاء أخيه!!

يقول أحدهم : واحدنا بمئة. ويقول آخر : حتى نقتل خيارهم، أو كبارهم أو صالحيهم أو أولي الطول منهم. أو نستأصل شأفتهم، أو نبيد خضراءهم .. كلام من خبال الجاهلية وروثها.

الإسلام نفى الثأر من حياة المسلمين وشرع بالمقابل: القصاص أو القود..

القصاص من القاتل وليس من أخيه أو ابن عمه. حق لولي الدم (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا) (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) وكل ذلك تديره سلطة منظمة، ولا يسيّر كما الهبات..

 شرع الإسلام القصاص أو القَوَد، وهما يعنيان أن يقتل القاتل عقوبة له على جنايته. وفتح إلى جانب ذلك باب العفو. القصاص ليس حدا كما يكرر البعض. لأن القصاص يسقط، بعفو ولي الدم، سواء عفا مقابل ما يسمى الدية، أو عفا وأصلح مبتغيا الأجر من الله. وحبّب القرآن الكريم العفو والإصلاح إلى الناس (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)..

أرجو أن يوضع كلامي في سياقه الشرعي العام، وأن لا يعكس على واقع كل ما ما فيه مضطرب. لأكون مسلما وأتحدث كما المسلمين، يجب أن تنضبط في عقلي الأوليات الشرعية. سيقول لي: العفو عند المقدرة وبقوله أقول. وسيقول لي وأين السلطة الحازمة والقاضي الفاضل، وبقوله أقول.، ولكن كل هذه الأقوال المعتبرة ، لا تسمح للمسلم أن يتكلم على طريقة أهل الجاهلية، فيتحدث عن إبادة الخضراء، وقتل النساء والذرية، يردد كلام أهل الجاهلية، وهو تحت الرحى مطحون...

الأعجب بل الأشد نكارة في مشهدنا السوري أن الذين يستبيحون ويقتلون ويبيدون، يرتكبون جريمتهم بصمت أصفر، وبعض الناس لا يملكون غير السباب فيسبون!!

كثيرون يطالبون بالشريعة الإسلامية، وهم يظنونها مطلبا يلبي تطلعاتهم وأهواءهم وشهواتهم، الشريعة الإسلامية الغراء الحقة قانون يلزمني ويلزمك، يجعل رجلا مثل علي بن أبي طالب "رضي الله عنه" يجلس مجلس التقاضي مع يهودي، اختلف معه على درع. الشريعة الإسلامية تعطينا حقوقا وتفرض علينا أخرى، ومن يفهمها على أنها مركب لغاياته أو أمانيه، لم يفهمها أبدا...!!

مفهوم "الاستباحة" العامة للمدن والقرى والبلدات، بأبعاده الجاهلية غريب عن شريعة الإسلام وعقول وقلوب المسلمين.

دققوا في روايات استباحة المدينة المنورة في عهد يزيد بن معاوية رضي الله عن سيدنا معاوية، ستجدون أن أسانيدها لا تكاد تخلو من رافضي..!!

"كن مسلما" "لا تجعل الإسلام مركبا لأهوائك وشهواتك وطبيعتك الغرائزية والمتسفلة" "انزل على حكم الشريعة ولا تطوعها لأغراضك ولا لحميّتك الجاهلية" هذه الكلمات أخاطب بها نفسي دائما. وأحب أن أشاركها مع الذين يؤمنون..

المنطق السقيم الذي يواجهك به بعض الناس لو أنك كنت صاحب مصيبة ..

كلمة فيها ادعاء وجهل وإنكار ، ولا يصح أن تصدر عمن فيه بقية من دين أو خلق..

المسلم الحق هو الذي يأبى أن يتاجر بمصائبه، وبما نزل به، يحتسب كل ذلك عند الله. ويمسّك بالكتاب على النحو الذي أراد الله..

وأعتبر نفسي ،ما أعانني الله، ولي كل قطرة دم سفكت في وطني بظلم. وولي كل قطرة دم بريئة لئلا تسفك بظلم..

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)

وضبطت الحاء من (يُصْلِحْ) بالسكون لنعلم أنه جواب الطلب، وأننا عندما نقول القول السديد نتلقى من الله العون والتأييد. وأن لا نمشي في مواكب أصحاب الهوجات، وأن لا نخوض مع الخائضين.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 980