بذور زوال إسرائيل في قلبها

حماد صبح

أهل مكة أدرى بشعابها ، ومع إيماننا الكامل بأن الإسرائيليين لا شعاب لهم في بلادنا إلا أن مجازية المثل تطالهم . إنهم أفضل من يشخص حقائق حالهم وحتميات مآلهم . وهذا التشخيص يصدر من مختلف المستويات السياسية والاستخبارية والعسكرية والإعلامية ، وكلها تجمع فيه على سوداوية مستقبل دولتهم وجبرية زوالها بمؤثرات داخلية لا خارجية ، وإن كان لبعض المؤثرات الخارجية فاعلية لاشك فيها في هذا الزوال ، وأخَصُ هذه المؤثرات هو المؤثر الفلسطيني . وحضت مسيرة الأعلام الإسرائيلية في القدس وما رافقها من اعتداءات على الفلسطينيين وما أطلق فيها من شعارات عنصرية معادية لهم ؛ كتابا إسرائيليين على الحديث عما يهدد المجتمع الإسرائيلي الاستيطاني من انحطاط قيمي أخلاقي وإنساني يعري عنصرية قومية ودينية قاتلة العواقب عليه . وفي مؤتمر كلية نتانيا حول الأمن والاستراتيجية الذي انعقد بعد المسيرة تشاءم تامير باردو رئيس الموساد الأسبق ، والجنرال جادي آيزنكوت رئيس هيئة أركان  الجيش السابق المغربي الأصل من مستقبل إسرائيل لمؤثرات داخلية تفوق في خطرها المؤثرات الخارجية كثيرا ، والمرض الباطني أشق معالجة ومشافاة من المرض الخارجي .قال باردو مبديا رأيه في ظروف الحكومة الحالية الائتلافية الضعيفة وما بينها وبين قوى الليكود المعارضة من خلافات : " إسرائيل آثرت تفعيل آلية التدمير الذاتي لديها . " ، ونصح ساسة إسرائيل المتخالفين المتنازعين  

: " توقفوا قبل فوات الأوان ! نحن لم نتعلم شيئا ، وعندما نعيش في القرية العالمية فكل شيء يصبح مكشوفا ، والجميع يشاهدون ما يجري هنا . " . وهو هنا لا يخص بهذه المكشوفية خلافات الحكومة الإسرائيلية فحسب ، ونقدر أن  قصده الأساسي بها جرائم إسرائيل التي تصبها على الفلسطينيين ويشاهدها العالم لحظة حدوثها ، ويطلع على قبلياتها وبعدياتها مثل اغتيال الإعلامية الكبيرة شيرين أبو عاقلة ، وما رافق مسيرة الأعلام الإسرائيلية من إساءات للفلسطينيين حتى قال كاتب إسرائيلي إن المسيرة كانت كرها في الفلسطينيين لا حبا في القدس . ونبه باردو إلى ظاهرة تردٍ وتباعد عن الروح الديمقراطية مثلها رفض الليكود الاعتراف بنتيجة انتخابات الكنيست في العام الماضي التي جاءت بالحكومة الحالية ، وعرقلته عملها . وهذا يجعل السلوك الإسرائيلي الحزبي شبيها في سوئه وإفلاسه الديمقراطي بالسلوك الحزبي العربي ، ودعونا من السلوك العربي الاستبدادي الذي لا حزبية فيه ولا انتخابات ، والسلطة فيه موروثة محكورة لقبيلة محددة . ونتذكر عويل السلطة الفتحاوية ولطمها الخدود ألما وغضبا من فوز كتلة حماس الطلابية في انتخابات جامعة بيرزيت الأخيرة . وفي رأي آيزنكوت أن الإسرائيليين " يعيشون وضعا سخيفا . " ، وأن ثقتهم في مؤسسات دولتهم تراجعت ، وأن الشبان الإسرائيليين ينفرون من الخدمة في الجيش ، وأن نسبتهم فيه الآن 48 % . وفي الإعلام ، تحدث يغئال بن نون في صحيفة " إسرائيل تايمز " عن  وجود  قناعة لدى إسرائيليين كثيرين بأن دولتهم لن تبقى طويلا ، وأن إنشاءها كان مغامرة فاشلة ، وأنهم يفضلون مغادرتها قبل وقوع كارثة زوالها . ولا يغيب عنا أن مقاله نشر في صحيفة يمينية متشددة . واستنتج تسفي بارئيل رئيس تحرير " هآرتس " بعد مسيرة الأعلام وما أثارته من خلافات بين الإسرائيليين أن كيانهم  في حرب أهلية . ونسترجع ما كتبه مايكل  بريزون في " هآرتس " منذ أيام من أنه حان ليهود إسرائيل أن يعودوا إلى الشتات ( الدياسبورا ) مبررا رأيه بأنهم يصيرون فظيعين وأغبياء وعنيفين وجشعين عندما يتحولون إلى أمة ، وأنهم بهذه الصفات سيجلبون لأنفسهم سريعا الدمار والشتات من جديد ، وأنهم  في المنفى وحده يستعيدون الإحساس الطيب الذي فقدوه ، ويستأنفون حقيقتهم شعبا في سجل الحياة . بعد ظهور إسرائيل في 1948 وما أبدته من نزعات عدوانية نحو محيطها الفلسطيني والعربي ؛ طالب ساسة ومفكرون في الغرب بإنقاذها من نفسها ، وترددت هذه الدعوات تاليا إلا أنها توقفت في السنوات الأخيرة بعد انفضاح إجرامها وعنصريتها انفضاحا شوهد في كل العالم بأثير ثورة إعلام السرعة والصور المتنوعة المصادِر التي فجرتها الشبكة العنكبوتية ، فقل المكترثون بمصيرها ، ويتركز الحرص الآن عليها في أنظمة الاستبداد والفساد العربية التي تحسبها ضامنة مقتدرة لديمومتها في الحكم ، وتتخذ محالفتها سبيلا إلى قلب أميركا ، ولا يلفتها ما يقوله الساسة والعسكريون والاستخباريون والإعلاميون الإسرائيليون عن تصدع  بنية دولتهم ، وما قد يسرع بها نحوه من زوال ، وهذا متوقع من هذه الأنظمة العربية التي لا ترى ولا تسمع إلا ما تحب أن تراه وتسمعه مما يريحها ويطمئنها . ومن علامات الغباء الإسرائيلي الذي تكلم عنه مايكل بريزون توهم إسرائيل أنها ستعيش  قوية ومزدهرة في أرض يعيش فيها ثمانية ملايين فلسطيني لهم مدد من شعبهم في الشتات يماثلهم عددا ، ومستوطنوها ستة ملايين . وعلامة أخرى لغبائها ، هي مناطحتها لإيران ، وحسبانها أن اغتيال ضابط أو خبير نووي سيحسم المناطحة الحمقاء بانتصار لها . في فرار آلاف السياح الإسرائيليين من تركيا وسواها من الدول   ، وفي الوساوس العاصفة التي تجتاح  إسرائيل خوفا من انتقام إيران للعقيد خدايي ؛ درس يخبرها بخطورة ثمن اغتيالاتها عليها وعلى مستوطنيها في كل مكان يتواجدون فيه . ولاشك أن كثيرين من هؤلاء الفارين لعنوا غباءها ولو كانوا فرحوا بالاغتيال في حينه وعدوه آية براعة تخطيط وجرأة تنفيذ . ما من دولة تدوم بعقل عصابة  وأخلاق قتلة مثل إسرائيل ، وطبيعي أن يرتاب كبار ساستها وعسكرييها واستخبارييها وإعلامييها ، وكثيرون من مستوطنيها في بقائها . من يحمل بذور فنائه في قلبه لن يعيش طويلا ، ونضج وقت اعتراف أرباب المشروع الصهيوني وحماته والموحدين  مصيرهم مع مصيره بفشله .

وسوم: العدد 984