استفتاء تونس: مسار جديد في محطات انقلاب سعيّد

رأي القدس

أعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس أن الساعات العشر الأولى من يوم أمس سجلت نسبة إقبال على التصويت لمشروع الدستور الجديد بلغت نحو 13٪، ولكن هذا المؤشر لا قيمة له عملياً أياً كانت المتغيرات التي طرأت عليه حتى ساعة إقفال الصناديق، لسبب جوهري أول هو أن المشروع لا ينص أصلاً على حد أدنى للتصويت، أو توفر نسبة الثلثين و66٪ من المشاركة كما هو العرف في الغالبية الساحقة من أنظمة الاستفتاء في العالم.

فالفصل 139 من مشروع الدستور الجديد ينص على أن بنوده تدخل حيز التنفيذ فور إعلان نتائج الاستفتاء بصرف النظر عن الموافقة أو الرفض، وبالتالي فإن عملية الاستفتاء ليست في نهاية المطاف سوى ممارسة شكلية تزيد حدة الاستقطاب في قلب الشارع الشعبي، وتسبغ شرعية شكلية بدورها على قرارات الرئاسة الانقلابية، فضلاً عن إهدار المال العام.

ولم يعدّل من منطوق هذا الفصل الاستبدادي أن قصر قرطاج حاول تجميله عبر أمر رئاسي تضمن تصحيح العديد من الأخطاء في مشروع الدستور، إذْ أُعيد إدراج الفصل ذاته تحت أحكام الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها سعيّد في أيلول/ سبتمبر 2021 وكانت ذروة إضافية في تدابيره الانقلابية. كذلك لم تتواضع تصحيحات الرئاسة التونسية فتخبر أبناء تونس عن المبرر القانوني لإنفاذ مشروع الدستور الجديد إذا كانت نسبة المشاركة تقل حتى عن الـ41٪ التي أسفرت عنها الانتخابات التشريعية لعام 2019، أو إذا قوبل بالرفض.

وهذه الإشكاليات ذات الطابع القانوني المبدئي تظل مجرد واجهة لمحتوى يكرس نظام استبداد رئاسي صريح، بل فاضح وسافر أيضاً، حيث لا يخضع رئيس الجمهورية لأي مستوى من الحساب أو المساءلة أو الإقالة على خلاف ما تضمنه دستور 2014، ولكنه في المقابل يتمتع بسلطات قصوى شبه مطلقة في حل البرلمان والمجلس الوطني للجهات. وإلى جانب صلاحيات الرئيس السابقة في الدفاع والسياسة الخارجية، يمنح مشروع الدستور الجديد ساكن قرطاج الحق في تسمية رئيس الحكومة والوزراء وإقالتهم من دون أي رجوع إلى البرلمان، كما يستكمل هيمنة الرئاسة على السلطتين التنفيذية والتشريعية بهيمنة ثالثة على السلطة القضائية عن طريق تعيين القضاة.

كل هذا في وقت تعيش تونس خلاله واحدة من أسوأ أوضاعها على أصعدة اقتصادية ومعيشية وصحية وتعليمية، وتدخل في جولة رابعة من المفاوضات المتعثرة مع صندوق النقد الدولي، وتجابه معدّل تضخم تجاوز الـ8٪، ونحو مليون أسرة تعيش على أقلّ من 5 دنانير (1,5 دولار أمريكي). وتشهد الحقوق المدنية والحريات العامة مرحلة سوداء في استئناف أنساق من القمع وانتهاك القانون بعضها أسوأ مما كانت عليه قبل ثورة 2011، كما يواصل سعيّد نفسه تعميق الانقسامات داخل المجتمع التونسي عن طريق اختلاق نظريات المؤامرة وتأجيج العواطف الشعبوية.

وأياً كانت نتيجة الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، فإنها لن تخرج عن التوصيف الوحيد اللائق بها، في كونها مرحلة أخرى على طريق نظام استبدادي بدأ في 25 تموز/ يوليو الماضي، ويتابع سعيّد محطاته الانقلابية واحدة تلو الأخرى.

وسوم: العدد 990