رئيس مشروع الشرق الأوسط: مستقبل إسرائيل في خطر محدق

أدباء الشام

قال رئيس مشروع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، دانيل ليفي، إن مستقبل دولة الاحتلال الإسرائيلي في خطر محدق.

ليفي الذي كان عضوا في فريق المفاوضات الإسرائيلية مع منظمة التحرير، إبان اتفاق أوسلو، قال خلال كلمة أمام مجلس الأمن، الخميس الماضي، إن الوضع في الشرق الأوسط ينذر بخطر.

وأوضح أن "الحديث عن زوال حل الدولتين، لا هو من باب الإرجاف ولا من باب الحديث عن ما هو بعيد المنال، وإنما هو حديث واع، وربما كان معبراً عن واقع معاش".

وتابع: "بإمكاني القول إن غياب طريق فرعي بالنسبة لإسرائيل أثناء المسير نحو نموذج جديد، ينبغي أن يكون مقلقاً – فهو يضع مستقبل ذلك البلد في خطر محدق".

وأشار ليفي إلى خطر تصنيف العديد من المنظمات القانونية والحقوقية، دولة الاحتلال الإسرائيلي على أنها تمارس الفصل العنصري في الأراضي التي تسيطر عليها، قائلا إن ذلك تطور يستدعي صرخة للاستيقاظ.

وشدد على أنه "لن يكون متفاجئا إذا تردد صدى ذلك في مناطق من العالم، شهدت فصلا عنصريا، واستعمارا استيطانيا، وتصدى لإنهاء الاستعمار، وهو نموذج من شأنه أن يبرز التمييز الذي يواجهه الفلسطينيون في إسرائيل بصورة أكثر وضوحا".

وتاليا نص الكلمة كاملة:

أود أن أشكر المجلس والرئاسة الصينية بشكل خاص على السماح لي بطرح بعض الأفكار عليكم في هذا اليوم. إن الأحداث التي وقعت في وقت مبكر من هذا الشهر، والتي تمت تغطيتها بالتفصيل من قبل المبعوث الخاص وينيزلاند، مقلقة بقدر ما هي متوقعة. ولكي أكون واضحاً أقول إن الإسرائيليين يستحقون الأمن، وإن الفلسطينيين يستحقون الأمن.

السيد الرئيس. شهراً بعد شهر، يجتمع المجلس ليكرر تنديداته وصيغه وشعاراته المعهودة. أود أن أستغل هذه الفرصة لأعيد التفكير وأعيد التقدير في بعض الفرضيات والمعتقدات التي قد تساهم عن غير قصد في إسرائيل – فلسطين في تعسير النظر مجدداً في الأسباب التي من أجلها يبقى هذا الصراع عرضة للانتهاء إلى طريق مسدود وسبباً في المعاناة الإنسانية.

وأقترح القيام بذلك من خلال خمسة مفاهيم قد تساعدنا في مثل هذا المسعى:

أولاً، العدالة: لا يمكن للحرمان الدائم ورفض معظم الحقوق والحريات الأساسية للشعب الفلسطيني بتاتاً أن يكون وصفة لتحقيق الأمن المستدام: فهذا الحصار غير القانوني لقطاع غزة والاحتلال غير المباح يمثل أشكالاً من العنف البنيوي والعقاب الجماعي الذي لا يمكننا تجاهله.

بينما ثمة إقرار بالحاجة إلى أفق سياسي، فإن أبعاد ذلك الأفق تنكمش وتنقبض وتصبح أقل طموحا.

من غير الممكن وجود مقاربة فعالة أو طويلة المدى تجاه غزة بشكل منعزل – فهي جزء من وقائع إسرائيلية فلسطينية أشمل – من حيث الأمن، وسياسة العزل والإغلاق. كما أن من المهم جداً الإقرار بالحاجة الملحة لاحترام القانون الدولي بشكل شامل – سواء في ما يتعلق برد الدولة على التهديدات المسلحة أو المقاومة الفئوية لاحتلال الدولة.

وكذلك في هذا السياق، ثمة حاجة فلسطينياً للتجديد السياسي، والمصالحة الداخلية، وتجاوز الانقسامات وكذلك ثمة حاجة دولية لإشراك كافة العناصر الفاعلة ذات العلاقة بدون تطبيق شروط مسبقة غير واقعية وانتقائية.

ثانياً، التوازن: إن أي محاولة لاستئناف المفاوضات بين الأطراف بدون معالجة انعدام تكافؤ القوى فهي تمرين أجوف ولا لزوم له. وكما لاحظت مؤخراً أمام هذا المجلس كامفورت إيرو، رئيس مجموعة الأزمات – والتي تتعاون معها بكثافة منظمتي، مشروع الولايات المتحدة للشرق الأوسط، "فإنه ينبغي الاعتراف بانعدام التوازن البنيوي في القوة بين الدولة المحتلة والشعب الواقع تحت الاحتلال." فالتركيز على القوة بدلاً من النظر إلى الجانبين بنفس الطريقة يمهد السبيل أمام جلاء التفكير والسياسة.

فعلى سبيل المثال، لم تزل مساعي المضي قدماً في إجراءات بناء الثقة اقتصادياً ضئيلة جداً ومتأخرة جداً وعابرة جداً عندما تتم محاولتها تحت ظروف قالب من الاحتلال دائم ولا هوادة فيه وآخذ في التوسع بشكل مستمر. فذلك يتعارض مع مبادئ الانسجام والمعاملة بالمثل.

وخاصة بعد استنفاذ الموارد العالمية، ينبغي فهم المعضلة الاقتصادية الفلسطينية أساساً باعتبارها ناجمة عن عقبات مفروضة سياسياً – على الحركة والحدود والوصول إلى الأرض، المصادرة، الهدم، والتوسع اللانهائي للمستوطنات – بدلاً من كونها نتيجة لغياب العمل الخيري. بل إن المهدئات الاقتصادية تحت الاحتلال تعمق التواكل والعداوة.

لقد استمعنا إلى تقرير مفوض عام وكالة غوث اللاجئين (الأونروا) لازاريني. لا بد من وجود التزام اقتصادي لضمان احتفاظ الأونروا بمواردها وبقدرتها على تقديم الخدمات، وهذا ليس احتياجاً أمنياً فحسب ولكنه أيضاً التزام سياسي تجاه اللاجئين الفلسطينيين الذين مازالوا محرومين من حل لمشكلتهم.

ثالثاً، المحاسبة: لقد بينت من قبل لهذا المجلس وجود مشكلتين جوهريتين، عجز في الشرعية في السياسة الفلسطينية وعجز في المحاسبة في ما يتعلق بالسياسات الإسرائيلية. إن تصرفات إسرائيل، باعتبارها الطرف المحتل القوي، هي التي تحدد أولاً وقبل شيء اتجاه المسار في هذا الصراع.

تطرأ تغيرات عميقة نتيجة لانعدام الاستعداد لمساءلة إسرائيل ومحاسبتها، ولا أقل من أن يتم ذلك إزاء الاستيطان.

لقد شهدت الشهور الأخيرة تكثفاً مقلقاً لهذا التوجه بينما كانت إسرائيل تستهدف من ليس لديهم القدرة على حماية أنفسهم وحماية من يقفون على خط الجبهة الأمامي يشهدون على الانتهاكات التي ترتكب بحق القانون الدولي.

وبعد الصدمة التي عبر عنها الأمين العام غوتيرش إزاء عدد الأطفال الفلسطينيين الذين قتلوا وجرحوا على يد القوات الإسرائيلية في العام الماضي، ظللنا نشهد نفس التوجه ونفس المعاناة من قبل الأطفال في غزة هذا الشهر.

لقد شهدنا مقتل أولئك الذين يعدون التقارير ويفضحون تلك الجرائم، وكانت شيرين أبو عاقلة آخر صحفية تدفع ثمن ذلك من حياتها. والآن، تستمر الاعتداءات على أولئك الذين يوثقون الانتهاكات ويدافعون عن حقوق الإنسان، وكذلك على من يقدمون الخدمات الاجتماعية، ثم شهدنا إجراءات إسرائيل ضد ست من أبرز منظمات المجتمع المدني الفلسطيني.

بعد قيام السلطات الإسرائيلية بتصنيف المنظمات غير الحكومية الست على أنها كيانات إرهابية، أعلن عدد من البلدان بشكل رسمي بأن الدليل الحاسم على ذلك لم يتم توفيره. والآن، خلال الأسبوع الماضي، تمت مداهمة مكاتب تلك المنظمات وتم إغلاقها والتحقيق مع العاملين فيها.

سوف يتم بكل سهولة تجاهل رد الفعل الذي يقتصر على التنديدات اللفظية. فذلك بمثابة منح للحصانة من المساءلة والمحاسبة، الأمر الذي يشجع على اتخاذ المزيد من مثل تلك الإجراءات.

ينبغي أن تكون هناك عواقب عملية على مستوى تعددي أو ثنائي. بوجود كيان فلسطيني سياسي واقتصادي أجوف، ها نحن نرى محاولة لإضعاف المجتمع المدني الفلسطيني.

رابعاً، السياق: ليس من المبالغة توصيف الفوضى العالمية الحالية على أنها عالم يمر في مرحلة من التحول والانسلاخ – فهو قابل للاشتعال بشكل خطير ولكنه مجز في نفس الوقت، كما لو أن بإمكاننا أن نكون مبدعين وواقعيين في آن واحد.

ومن هذا الجانب، يمكن لاتفاقيات أبراهام أن تكون أشياء كثيرة، ولكن لا يمكنها أن تكون بديلاً أو إلهاءً عن ضمان السلام وحقوق الفلسطينيين. إذا لم يتم إدارتها بشكل سليم، فإن إجراءات التطبيع من شأنها أن تجازف أكثر فأكثر بتنمية إحساس مضلل لدى الإسرائيليين بأن بإمكانهم تجاهل الفلسطينيين أو تهميشهم.

كما أن القانون الدولي والأعراف الدولية، التي تعتبر عالمية، لا يجوز بحال التأكيد عليها فقط حينما يكون ذلك مناسباً ومفيداً، ثم توضع جانباً عندما يكون الأصدقاء أو الحلفاء هم من ينتهكونها. نحن في عالم شديد الشفافية، وهذه الأمور تلاحظ.

خامساً وأخيراً، العمارة: أود أن أقترح هنا أنه على النقيض من الانطباع السائد بأننا وصلنا إلى طريق مسدود، في واقع الأمر، كلا الإسرائيليين والفلسطينيين يمرون حالياً بفترة انتقالية عميقة.

إن الحديث عن زوال حل الدولتين، لا هو من باب الإرجاف ولا من باب الحديث عما هو بعيد المنال، وإنما هو حديث واع، وربما كان معبراً عن واقع معاش. بإمكاني القول إن غياب طريق فرعي بالنسبة لإسرائيل أثناء المسير نحو نموذج جديد، ينبغي أن يكون مقلقاً – فهو يضع مستقبل ذلك البلد في خطر محدق.

لا الفلسطينيون ولا الإسرائيليون سيختفون، ولم تكن الحاجة إلى إيجاد طريق عادل للعيش معاً يوماً بمثل هذا الإلحاح.

من شأن هذا التغير العميق، مع مرور الزمن، أن يخرج كل واحدة من الدول الممثلة هنا من منطقة الراحة.

دعوني أنهي بشرح لماذا يكون ذلك، وباختصار.

نعلم بتطورات معينة من الممكن أن تكون غير مريحة سياسياً وفي نفس الوقت بارزة سياسياً. ومن تلك التطورات ذلك الكم الهائل من الدراسات والأحكام القانونية والآراء العامة التي تتهم إسرائيل بممارسة الأبارتايد في المناطق التي تحت سيطرتها.

ما كان بادئ ذي بدء تصنيفاً من قبل العلماء والمؤسسات داخل فلسطين، انتهى به المطاف مقبولاً ومقراً لدى منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية بيتسيلم ومن ثم غدا التصنيف القانوني الذي تتبناه منظمة هيومان رايتس ووتش ثم هذا العام من قبل منظمة العفو الدولية.

وهذا هو مآل الإخفاق في المحاسبة والمساءلة والفشل في إنجاز حل الدولتين.

بقدر ما قد يكون غير مريح للبعض، فإنني أهيب بهذا المجلس ألا يقلل من أهمية ومغزى هذا الذي يحدث على المدى البعيد. ففي اجتماع مجلس حقوق الإنسان الذي عقد في جنيف في شهر مارس/ آذار الماضي، أشارت جميع الدول التي تحدثت نيابة عن المجموعة الأفريقية والمجموعة العربية ومجموعة منظمة التعاون الإسلامي إلى ذلك باعتباره حالة من حالات الأبارتايد.

لن يكون مفاجئاً لأحد أن يتردد صدى ذلك في أجزاء أخرى من العالم كانت قد جربت الأبارتايد والاستعمار الاستيطاني ثم مرت بتجربة التخلص من الاستعمار. إنه النموذج الذي سوف ينهي كذلك حالة المعاناة التي يعيشها المواطنون الفلسطينيون داخل إسرائيل.

ينبغي أن يكون ذلك بمثابة النداء الذي يوقظ النائمين.

قبل خمسة وسبعين عاماً، عرضت الأمم المتحدة التقسيم حلاً سياسياً للنزاع في الأرض المقدسة. أما اليوم، فقد غدت تلك الأرض بحكم الأمر الواقع موحدة تحت هيمنة قوة واحدة.

في غياب غير مسبوق لأي إجراء من شأنه أن يحيل التقسيم إلى واقع، فإن من سيخلفونكم في هذه القاعة لا مفر من أن يطرحوا للنقاش تحدي التوصل إلى المساواة في واقع لا تقسيم فيه.

السيد الرئيس. إذا ما أخذ المجلس بالاعتبار تلك المبادئ الخمسة ومضامينها، فقد نجد سبيلاً للخروج من هذا المأزق المتكرر – بما يشتمل عليه من تنديدات وصيغ وشعارات معهودة – وربما وجدنا نافذة جديدة وطريقاً نحو العدالة والتوازن بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.

شكراً لكم.

وسوم: العدد 995