في المشهد السوري مقبض العصا الذي ضاع

زهير سالم*

وتعودنا أن نقول: سمك... لبن.. تمر هندي..

وقد لا يعني هذا لزمرة دمشق شيئا، ولكن يجب أن يعني لنا أصحاب القضية الوطنية الكثير!!

ومهما اختلفت طرق رؤيتنا للقضايا، ولكن الهم الأول أن تكون لنا قضايا نشتغل عليها، وأن لا تقرأ مثلا على صفحات التويتر لعشرة من رموز المشهد السوري تغريدات متتابعة ترد على مغمور فلا تكاد تعلم عن الأمر الجلل الخطير...

تمنيت ويا ضيعة ما تمنيت، أن يكون لدينا نحن جمهور المعارضة السورية، جهة مركزية تعلق أبصارنا، بثلاث أو عشر قضايا تقترحها مجالا حيويا يوميا لتعليقات السوريين ولإضاءاتهم، وليعلق من شاء بما شاء ...

الخلطة السورية خلال الأيام الماضية تجاوزت الحدود في تنوعها، وفي كثير من المعروض لم يعد أحدنا يعرف موضع قدميه، أو قبلة عينيه، وسأحاول أن أعرض عليكم السلة ببعض ما لفت نظري فيها ...

- الطفلة السورية "جوي" التي أصبحت قضية رأي عام عالمي إنساني، الطفلة جوي ابنة شبيح أسدي ، في إطار مافيا المخدرات الأسدية، هو ميسر لتجار المنخدرات من خلال موقعه، ودفعت ابنته - أربع سنوات - على ما قالوا ثمنا لإحدى خطاياه، هل تتعاطف مع الطفلة البريئة، أو تقول للأب ذق ما أذقت الناس، أعتقد أن هذا شأنك الشخصي، ويصعب علي التدخل فيه...

القصف الصهيوني على الأرض السورية، والذي يسميه الأسدي الممانع في مصادره السياسية والإعلامية القصف الإسرائيلي حكاية أخرى تشبه حكاية الذي كان يغني "حكاية غرامي حكاية طويلة" وبعد كل التهديدات زمرة الأسد تشتكي لمجلس الأمن وللجمعية العامة أمر معاد مكرور، والروس يعتبرون الأمر غير مقبول، ويقولون إن المطارات أهداف مدنية وان إسرائيل تدمر البنية التحتية - ألم تكن المساجد والمدارس والمستشفيات والأسواق التي قصفها الروس أهدافا مدنية؟؟ أناقش المنطق الروسي، ولا أدافع عن القصف الصهيوني، ولن أدافع عنه أبدا..والأظرف من المضحك المبكي في المشهد ما خرج علينا به دريد رفعت الأسد، وبعد أن حك رجليه طويلا خرج بهذه الحسبة : إسرائيل - نقلا عنه- هي الخاسر الأول في عمليات القصف، فكلفة الصواريخ والقنابل أكبر من كلفة الخسائر التي تسببها، وبعملية حسابية بسيطة يكون الصح باقي لمصلحة فريق الممانعة، التفكير باستعمال أنسجة القدمين أقل كلفة من التفكير باستعمال خلايا دماغ ..

ستقرأ في الأخبار السورية أن بيدرسن قدم إحاطة منحازة عن الواقع السوري، وما زال في طرفنا من يتمنى أن يدق كمه بكمه. كل من كانت فيه مثقال حبة خردل من خير وتولى قضيتنا استقال إلا هذا العلق بمعناها البلدي لا العربي..وإذا أردت أن تروح عن النفس قليلا فعليك أن تعلم أن الحكومة البريطانية تتعهد باستمرار دعم المعارضة السورية!! وبعضنا بذلك فرحون، ولله في خلقه شؤون !!

"مجلس الشعب" يطير سبعة وخمسين رسالة إلى نظرائه في العالم حول إقدام الحكومة التركية على قطع المياه عن الحسكة...كيف ستعلق لك كامل الحرية في ذلك فنحن في زمن الحرية العلمانية البرلماني التونسي يشرع سب الله ...وسب الدين مع تجريم سب الرئيس...

المقداد وزير الخارجية الأسدي يندد باعتقال الصهيوني - هو يقول الإسرائيلي- للفلسطينيين، ويقول إن الخارجية الأسدية تقف مع كل معتقل فلسطيني في السجون الصهيونية، ويضيف إن "إسرائيل تلعب بالنار ... ياولو ..يا ولو ..

ستقرأ في الأخبار أن مبعوثا أمريكيا يلتقي مع أحزاب كردية في عفرين السورية!! وأن الأكراد الأمريكيين من قسد ومسد يحكمون بالاعدام على بضعة سوريين منهم امرأتان، ولا أعرف كيف أعلق..

وأقرأ مقتل سوري تحت التعذيب في مركز أمن لبناني، ومقتل سوريين غيلة وغدرا في شوارع المدن التركية، فكيف أقول!!

وأقرأ فأزداد عجبا أن تجاوزات ما يسمى الفصائل الوطنية وما يسمى الفصائل الجهادية أو الإسلامية ضد المدنيين في المناطق المحررة - هذه تسمية اصطلاحية- تتكرر، وأن الأمر ينتقل من كونه حواداث فردية إلى ظواهر مقلقة، وكأن الذين يسقوننا من هذه الكأس يريدون أن يلقوننا درسا : ما حدا أحسن من حدا ياحبيبي، لنقول ياليتك يا أبا زيد ما غزيت، ولن نقولها أبدا ..

وأخيرا وبعد الاستدارة التركية الأولى عام 2016 والتي أورثتنا أستانا وسوتشي، وكلفتنا حلب وما تلاها من مناطق الضمان ،صرنا إلى ما نحن فيه.. واليوم ونحن نستقبل الاستدارة التركية الثانية، والتي لا ندري كيف تكون، نتساءل ماذا بعد..

بيني وبين الآخرين أنا لا أحمل الأتراك المسئولية عن مصير ثورتنا وإنما أحمل الذين تركوا لهم الحبل واتكؤوا ...

أقبح شيء يرضى به الإنسان في تركيبة الجملة العربية أن يكون مفعولا به، أو اسما مجرورا... أو مضافا بغض النظر عن المضاف إليه ..

ومشهد مغبرة أرجاؤه .. كأن لون أرضه سماؤه

يضربه أهل النحو مثلا على القلب أو الانقلاب ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 996