توطئة بعض الجهات المغرضة لتسويق علاقات جنسية محرمة شرعا تحت ذريعة تعديل مدونة الأسرة

ازدادت مؤخرا وتيرة الحديث عما يسمى مراجعة مدونة الأسرة لدى بعض الجهات المغرضة التي تروم التوطئة لتسويق علاقات جنسية محرمة في الشريعة الإسلامية داخل بلد مسلم ينص دستوره على أن دينه الرسمي هو الإسلام .

وليست تلك الجهات سوى طابورا علمانيا خامسا استنبتته  العلمانية الغربية  الحاقدة على الإسلام في كل البلاد الإسلامية عربية وغيرعربية ، وهي تموّله  وتسخّره لتقويضه كي تحلّ محله وهو ما يسهل الاستحواذ على مناطق نفوذه.

والطابور الخامس العلماني عندنا مع أن هدفه واحدا إلا أنه ينقسم إلى فريقين : فريق يصرح بعلمانيته ، وتنصله من الإسلام علانية  ، وفريق آخر يموّه عن ذلك بادعاء الانتماء إلى حظيرته ، ويزعم أنه يروم جعله مسايرا للعصر لأنه  فيه من التشريع حسب ادعائه ما لم يعد صالحا  لزماننا ، وفي هذا الادعاء تصريح واضح لا غبار عليه لتعطيل بعض تشريعاته واستبدالها بتشريعات وضعية علمانية .

ولقد دأبت عندنا مواقع على الشبكة العنكبوتية على الدعاية لتسويق نموذج الحياة العلمانية الذي تعتبره بديلا عن  نموذج الحياة الإسلامية  ، وهي تختار لتلك الدعاية  الخوض في بعض القضايا وعلى رأسها قضية الأسرة والمرأة والطفل ،وهذا الثالوث مستهدف بالدرجة الأولى لأن تغيير ملامح المجتمع المسلم علمانيا يبدأ بالنسبة للعلمانية من ضرب نواته الصلبة التي هي الأسرة ، وضرب هذه الأخيرة يتم عبر التركيز على تغيير وضعية المرأة داخل الأسرة . ومن أجل التمويه على هذا الهدف الخبيث والماكر، يزعم عرّابو العلمانية عندنا أنهم يرومون إصلاح وضع الأسرة والمرأة والطفل ويدافعون عن حقوقهم ، ولسنا ندري لماذا يغيّبون  حقوق الرجال من مشروعهم الإصلاحي المزعوم .

 ولقد وجد هؤلاء ضالتهم في قضية ما سمي إصلاح مدونة الأسرة التي كثر مؤخرا في شأنها عقد اللقاءات والندوات ، وآخرها الندوة التي نظّمتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط بشراكة مع مؤسسة رزان للدراسات الاستراتيجية حول الأسرة والمجتمع ، وهي مؤسسة استحدثت سنة 2018 ،وتصرح بأن فلسفتها هي ضرورة تغيير الأفكار البالية والتقاليد التي لا تخدم القضية الأسرية  والتنمية المجتمعية ، وتكفي هذه الإشارة منها للكشف عن هدفها  ، فضلا عن حضور ومشاركة جمعية جهوية للاتحاد الوطني لنساء المغرب . ولقد ركزت هذه الندوة المخصصة لمناقشة ما بات يعرف بتعديل مدونة الأسرة على ما يلي :

 ( زواج القاصرات / التعديد بين الإبقاء والإلغاء / تدبير المال بين الأزواج  في بيت الزوجية / حقوق المرأة / حقوق الأطفال غير الشرعيين / النسب / البنوة / الحضانة / عقود الزواج / الطلاق / الولاية / الكفالة ).

 كل هذا تحت شعار " مدونة الأسرة من التقييم إلى التقويم وتعجيل تعديلها " ، علما بأن هذه المدونة التي طالب المشاركون بتعجيل تعديلها كان ضمن الفريق الذي صاغها من قبل  من يمثلون تيار التحديث ، وقد فرضوا فيها ما أرادوه من تعديلات على ما أقرّه الشرع الإسلامي بخصوص الأحوال الشخصية التي عملت بها الأمة منذ عهد النبوة ،وما تلاها من عهود ، وهو شرع  يؤطره كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا مجال للحديث عن تعديل ما فرض فيهما وقد أكمل الله تعالى بهما الدين ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بتبليغه مكمولا ، والناس ملزمون به إلى قيام الساعة لأن رسالة الإسلام التي ختمت بها الرسالات عالمية  ملزمة للعالمين إلى يوم الدين .

ولقد كان من المفروض أن يكون التعديل في فلسفة مؤسسة رزان التي ترفع شعار تغيير الأفكار البالية والتقاليد ، ومن ينحو نحوها من الطابور الخامس العلماني الذين يزعمون أن ما شرع الله تعالى مشوب  بالعيب والنقص بل وبالحيف والظلم أيضا ،لهذا يدفعون  كلهم في اتجاه تصحيحه وتعديله على حد افترائهم  ، وهم بذلك يجعلونه مع ما يسمونه أفكارا البالية وتقاليد .

ولنقف عند الأمور التي طرحت للنقاش في هذه الندوة كما جاء في مقال منشور على أحد المواقع والذي جاء مصحوبا بصورة لعرسان ملتقطة في موسم إميلشيل وقد اختيرت عن قصد لتكون معبرة عما يسمى زواج القاصرات الذي تتهم به تحديدا ساكنة الأرياف التي تعتبر جاهلة وأمية . وزواج القاصرات أمر ينطبق عليه المثال القائل " يصنع القبة من حبة "  الذي يضرب للنفخ في  الأمور لتصير فوق ما هي عليه في الأصل ، ذلك لأن من شروط الزواج في شرع الله تعالى البلوغ، وهو سن التكليف ،ولا مجال للمزايدة فيه علما بأنه لا وجود لزواج فتيات دون هذه السن بل أكثر من ذلك الغالب في مجتمعنا أن الآباء والأمهات لا يوافقون على زواج بناتهم قبل البلوغ  أو بعد أول حيض يحضنه  بل أكثر من ذلك يؤخرونه إلى ما فوق سن السادسة عشرة ، ولا عبرة بما يقع أحيانا دونها وهو من النادر جدا ،وفي حالات خاصة معدودة على رؤوس الأصابع  ناقشها الفقه الإسلامي بتدقيق وتفصيل آخذا في الاعتبار طبيعة النساء في بعض البيئات. والذي يريده من يطرحون موضوع زواج القاصرات  باعتباره مشكلا هو تأخير زواج البالغات سن الرشد وسن البلوغ أطول مدة ممكنة ،وقد حددوا له من تلقاء تقديرهم  سن الثامنة عشرة فما فوق ، وهو الزواج الغالب عرفا وعادة عندنا ، ولهذا فإثارة ما يسمى زواج القاصرات لا داعي له ولا للضجة التي تقام حوله .

أما التعديد فقد شرعه الله تعالى بشروط اشترطها وليس لأحد يدعي انتماءه إلى دين الإسلام أن يتفوه بعبارة إلغاء ما شرعه الله تعالى أو تحريمه وتجريمه لمجرد أن  بعض المعددين لا يلتزمون بما اشترطه فيه سبحانه وتعالى من عدل مضجعا، ونفقة ، ومعاملة . وإن اعتبار التعديد معيبا فيه نسبة العيب إلى شرع الله تعالى ، وفيه تعريض بتعديد رسوله صلى الله عليه وسلم وتعديد بصحابته وتعديد التابعين ومن تبعهم بحسن التعديد . ومنتقدو التعديد لا يتعرضون لما فيه من نفع بل يرونه مفسدة جملة وتفصيلا ، والمقام لا يسمح بتكرار منافعه خصوصا في هذا الظرف بالذات الذي كثرت فيه العنوسة والطلاق وقد بلغا معا نسبا غير مسبوقة  وداعية للقلق ، فمن سيحل مشاكل العانسات والمطلقات غيرالتعديد مع التزام شروطه بطبيعة الحال ؟ وواضح أن غرض من يطالبون بإلغاء التعديد هو توطئة لما يطالب به دعاة حرية العلاقات الجنسية مما يسمونه رضائية ومثلية مما حرمه الشرع الإسلامي ،لأن النساء اللواتي يحرمن من حقهن  في الزواج  بسبب عنوسة أو طلاق أو ترمّل يصرن الشريحة الضحية والأكثر استدراجا إلى مستنقع فساد الرضائية أو المثلية .

وأما إثارة  موضوع حقوق من يولدون من سفاح  من أبناء، فأول ما يمنع وجودهم في مجتمع مسلم  أصلا هي الحدود التي شرعها الله تعالى  في آيات محكمات من كتابه الكريم  تمتع جرائم الزنا  بين العزاب والمحصنين على حد سواء  وكفى بها رادعا . ولا يخلو الفقه الإسلامي منذ البعثة النبوية من  تنصيص على حقوق هؤلاء المواليد من السفاح، ولا مزايدة  هنا أيضا على شرع الله تعالى لأنه مقابل تضييقه على تفشي ظاهرة هؤلاء المواليد ضحايا السفاح ،  نجد تكريسها عند الدعاة إلى  العلاقات الرضائية . ولا شك أن المطالبة بحقوق أبناء السفاح هو توطئة لانتشار هذه العلاقات التي ستنتج عنها شريحة  طويلة عريضة من أبرياء وضحايا نزوات الزناة والزواني  .ومن يدري  قد يطالبون بوضع عقود سفاح رضائي على غرار عقود نكاح شرعي تحت ذريعة الدفاع عن حقوق من يولدون عن سفاح شأنهم شأن من يولدون عن نكاح . والمثير للسخرية أن يتذرع  المطالبون بإثبات الأنساب لهؤلاء من مسافحين  خوفا من انتشار ظاهرة زواج المحارم ، علما بأن أنسابهم تعود إلى أمهاتهن المسافحات ..  

وأما بالنسبة للمال المكتسب  من طرف الزوجين في بيت الزوجية، فقد حسم فيه الفقه الإسلامي بما يسمى الكد والسعاية ،وهو ما تحصله الزيجات المنخرطات في أعمال أزواجهن ، ولا مزايدة في ذلك على شرع الله تعالى . ولا شك أنه من تخبيب الزيجات على الأزواج الذي تبرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن يقترفونه المطالبة بأجر للزيحات  اللواتي تقتصر وظيفتهن على رعاية بيوتهن دون ممارسة أعمال أخرى مع أزواجهن  مما يندرج ضمن الكد والسعاية من تجارة أو فلاحة أو صناعة ... أو غير ذلك مما يدر مالا مشترك بينهم ، علما بأن  العدول الذين يدونون عقود النكاح يسألون المتزوجين  أثناء تحرير العقود عن طبيعة الذمة المالية التي يختارونها ، فيدونونها في وثيقة ملحقة بتلك العقود. ومعلوم أن سبب ارتفاع نسبة الطلاق عندنا في هذا العام  تحديدا ، وهو رقم قياسي غير مسبوق سببه الرئيس النزاع بين الأزواج  حول المال  ، وهو أمر يقوض قوامة  الأزواج من أساسها حين تصير المكاسب المالية للزيجات وسيلة لتخبيبهن  على الأزواج تحت ذريعة المساواة  التي لم يشرعها الله تعالى بين جنسين مختلفين   خلقة وجبلة اختلاف تكامل دون أن يعني ذلك  مساواة  لا تستقيم لا شرعا، ولا عقلا ،ولا عادة ، ولا عرفا ،ولا واقعا ، ولا منطقا . وأين  العيب في عدم وجودها مع وجود تكامل بين الجنسين في إطار حياة زوجية يحكمها شرع  الله عز وجل لا الأهواء البشرية  .

وأما ما طالب به أصحاب ندوة الرباط من اعتماد لما سموه مرجعية تشريعية وطنية لانتاج نموذج مغربي بامتياز، فيكشف بوضوح أنهم يريدون بما سموه التعجيل بتعديل مدونة الأسرة  شطب ما فيها من كل ما يمت بصلة إلى الشرع الإسلامي  الذي يعتبرونه موروثا يندرج عندهم ضمن ما يسمونه أفكارا بالية ، وتقاليد عفا عنه الزمن لا تخدم القضية الأسرية والتنمية المجتمعية .

ومقابل ندوات الموطئين لإشاعة الفساد في المجتمع باستهداف الأسرة  نواته الصلبة ، يغيب مع شديد الأسف  عن ساحة مناقشة هذا الأمر من يحسبون حماة  الدين والشرع ، بل يغطون في نوم عميق ، بل أكثر من ذلك قد يوجد من بينهم المنخرطون في مؤامرة تحاك ضد الأمة ،وهم يريدون به سوءا عن قصد وسبق إصرار وهو يستغلون وضعهم الديني  للتمويه على ذلك ومخادعتها باسم الدين. 

وسوم: العدد 1005