خاطبوا الناس على قدر عقولهم

زهير سالم*

تلك هي العبارة التي تزدري عقول الناس، وتعلن التعالي عليهم.

لم أكتب حتى تأكدت أنها ليست حديثا شريفا، وقال نقاد الروايات لا أصل لها. وعشت حياتي أحترم الناس, وأخاطبهم بما يجب أن يعلموه، وظلت معركة مفتوحة بيني وبين آخرين. وفي النهاية كسب الآخرون المعركة مع الناس وخسرتها أنا، ولكن قناعتي لم تتغير..أن أخاطب الناس بما يجب أن يعلموه.

والناس يعجبها من يغني لها فيطربها. من إذا جلس في مجلس المتشددين تشددـ، ومن إذا جلس في مجلس المسترخين استرخى.

كتبت منذ قليل مخاطبا علماء الإسلام، ادرسوا تجربة النفرة التي دعا إليها بعضكم إلى أفغانستان، ادرسوها بكل أبعادها، بكل مدخلاتها بكل مخرجاتها. ادرسوها بموضوعية وحولوها إلى تجربة، درس، عظة. لم أسبق بقرار ، ولم أصدر حكما، ولا أششك بنية أو صلاح ؛ ولكن ادرسوا..

ثم هذا السؤال لكم معشر القارئين ، هل تعتقدون أنني لا أعلم ماذا يجرّ هذا عليّ ، بئس الرجل أنا إذن، ولكن النصح لخاصة المسلمين ولعامتهم دين. وإذا أرضيت ربي فيما أقدر لم أبالِ

تعودت منذ أربعين سنة أن أقول لمن حولي، حدثان ضخمان هزا سورية لم يدرسا دراسة عبرة وعظة، هزيمة السابعة والستين، وما جرى على السوريين في أحداث الثمانين، لا مانع أن تقول عن أخيك تقدر فيه الخير رحمه الله تعالى، ولكن هذا لا يمنع أن تعيد وراءه عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة!! كلام أكرره منذ أربعين سنة كانت عجافا تلك الأربعون، لا أحد يريد أن يعرف الحقيقة، لا أحد يريد أن يسمع الحقيقةـ لا أحد يريد أن يستفيد من الحقيقة...لا يتذكرون .. ولا يتفكرون ,,ولا يتدبرون!! هل تعلمون أن التدبر هو النظر في ادبار الأمور، مخرجاتها عواقبها، خواتيمها، من قواعدنا الفقهية "الأمور يخواتيمها" ومع كل ذلك يأبون..!!

على قدر عقولهم !!

وقدر عقولهم أن الله خلقهم وأكرمهم (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) وشرفهم بالتكليف، فأوجب عليهم وندبهم وحرّم عليهم وكره لهم على السواء..

واليوم وفي الفم كلام كثير، كدت أكتب وفي الفم ماء كثير.

تابعت كلام السيدة "ألينا دوهان" عن سورية في الأمم المتحدة، قلبته يمينا، قلبته شمالا، ما عرفت إزاءه كيف أقول؟؟ وماذا أقول؟؟ يبدو أن السيدة ألينا لا تريد أن تخاطبنا على قدر عقولنا..؟؟ وهنا يضرب النتر على الفاز ويحدث الكونتاك، يعني التماس..، قديمة لغتي تلك يوم كانت تحترق الفيشة التي بجانب العداد..

أتصور الجوع الذي يعيشه السوريون، أتصور البرد الذي يتربص بهم وسعر ليتر المازوت الحر يتوجه إلى العشرة آلاف، عندما أقول أتصور أقولها على قدر عقلي، في الحقيقة أنا أعيشها.معهم في مخيماتهم وفي بلادهم. أنا من جيل ظل حتى سنوات متقدمة يتدفأ على الفحمـ وأعلم جيدا قرص البرد يوم كنا نكون "وللصقيع في بدني لسعات موجعات" أستعيرها من ميخائيل نعيمة أظنها في كتابه الغربال، قرأته في المدرسة الابتدائية شيء ما بالطفلة شام ذكرني بنفسي..وارجعوا إلى ميخائيل نعيمة وامتحنوني

سامحوني مهما قالت الطفلة شام فهي عمليا قد أهدت ألمعيتها لروح أبيها الشهيد/ اللهم ارفعه في عليين، وكل من استمع لها وأعجب بها علم أنها ابنة شهيد قتله المجرم المبير..

المشهد السوري بحاجة إلى طاولة سورية مستديرة، يتحدث كل من عليها على قدر واقع سورية والسوريين ،وليس على قدر عقله أو عقول المخاطبين..

من أين؟ وإلى أين؟ وكيف؟ ومتى ؟ استفهامات حقيقية غير متبوعة بتعجب.

 إذا لم يعجبكم كلامي فأنا في هذا المقال أخاطب نفسي بأكبر مما يحتمل عقلي...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1006